لأن الرجال والنساء في المجتمعات كافة، شِقّان يكملان بعضهما البعض، ومنذ بدء الخليقة، لم تكن فكرة وجودهما في الحياة تنافسية أو صراع بقاء بينهما، فهما قطعتا الأحجية التي تصنع اللوحة الكاملة، وعلى الرغم من أن النساء كُنّ قد ظُلمن في التاريخ لفترات طويلة، إلا أنهن في العصر الحديث، يحققن الكثير من التقدم، حيث تمكنّ من النجاح والانتشار على جميع الأصعدة، ولا شك بأن الرجل كان له الدور الساند والمهم في ذلك، والعكس أيضاً صحيح بكل تأكيد.
وفي ظل الاتهامات العديدة للرجال، على أنهم حولوا مجتمعات العالم إلى مجتمعات «ذكورية أنانية»، إلا أن هذا قد يعتبر تعميماً خاطئاً بعض الشيء، فبسواعد الرجال تم بناء الكثير من الحضارات والأمم، ولا شك بأن لهم دورهم الرئيسي والمهم في الحياة، الأب الذي يعلم الحياة، والأخ الذي يكون السند، والزوج الذي يقسم قلبه نصفين بينه وبين زوجته، والمعلم الذي ينير عتمة الطريق نحو المستقبل، وغيرهم وغيرهم، من الذين صنعوا إلى جانب النساء حضارتنا البشرية.
ولأن للمرأة يومها العالمي الذي يحتفل العالم كله به، فلا بد أن يكون للرجال أيضاً يومهم العالمي، والذي لا يعرف بشأنه الكثيرون حول العالم، ولا يدركون بأنه فعلاً يوجد يوم عالمي للرجال ويوافق 19 تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام، حيث تحتفل به ما يقارب الـ 60 دولة مختلفة، من بينها المملكة العربية السعودية، وذلك لتسليط الضوء على الرجال الذين يحدثون فرقاً إيجابياً وحقيقياً في الحياة، بالإضافة إلى زيادة الوعي بالقضايا التي يواجهونها بمختلف الأعراق والأماكن التي يعيشون فيها، وأيضاً لتعزيز الوعي بصحة الرجل والعلاقة بين الجنسين - الذكر والأنثى - وإنهاء التمييز بينهما.
في العالم 1999 كانت انطلاقة هذا اليوم
أول من أطلق اليوم العالمي للرجال، كان الدكتور «جيروم تيلكوسينغ»، وهو أحد من أشهر الأطباء وأبرزهم في جمهورية «ترينيداد وتوباغو»، التي تقع جنوب البحر الكاريبي، وكان ذلك خلال العام 1999، وقد أطلقه الدكتور «تيلكوسينغ» بتاريخ 19 تشرين الثاني / نوفمبر – وهو ذكرى ميلاد والده – ليكون تكريماً لهذا الرجل الذي رباه واعتنى به وكان له التأثير الأكبر في حياته.
موضوع اليوم العالمي للرجل 2018
ولهذا العام الجاري 2018، تم اختيار موضوع مهم للغاية ليكون العنوان الرئيسي لهذا اليوم، وهو «نماذج إيجابية لدور الرجال»، والذي في الوقت نفسه يسلط الضوء على الحياة الصحية بشقيها «الجسدية والنفسية»، للرجال والذكور عموماً، وذلك وبحسب «وارويك مارش»، وهو المنسق العام لليوم العالمي للرجال، أن ما جعلهم يختارون هذا الموضوع، هو النهوض بالوعي بما يخص صحة الرجال ورفاهيتهم، بالإضافة إلى أنه يشجعهم على تعليم أولادهم الإحساس بالمسؤولية، إلى جانب القيم والأخلاقيات والسلوكيات الطبية في حياتهم.
وبحسب الموقع الرسمي لـ«اليوم العالمي للرجال» على الإنترنت، فإن الاحتفال بهذا اليوم، يعتبر فرصة سانحة ومهمة للناس في كل مكان، لإبداء حسن النية والتقدير للرجال، إثر المساهمات التي يقدمونها في الحياة من أجل المصلحة العامة للجميع، وذلك عبر الاحتفال بهذا الحدث عبر تنظيم الندوات والمؤتمرات والمهرجانات وجمع التبرعات وتنفيذ الأنشطة المدرسية، كما هناك برامج إذاعية وتلفزيونية وعروض ومسيرات بهذه المناسبة.
التوعية بالصحة الجسدية والنفسية للرجال..
ربما يكون من أبرز النقاط الرئيسية لموضوع هذا العام، هو التركيز على معدلات الانتحار التي تشير الإحصاءات بأنها بارتفاع مستمر بين الرجال عموماً بجميع أعمارهم، فهو «القاتل الأكبر» بحسب وصف القائمين على «اليوم العالمي للرجال»، خاصة لمن هم ما دون عمر الـ 45 عاماً، إذ يحث هذا اليوم جميع فئات المجتمع، على ضرورة فتح باب الحوار حول مواضيع الصحة النفسية وأسباب الإقدام على الانتحار من الذكور.
وجاء هذا الاهتمام، عقب ملاحظة هذه الإحصاءات والدراسات العالمية، ما يوجهه الرجال والفتيان من تحديات في جميع مراحلهم العمرية، من أمراض كأنواع السرطان المختلفة، والإرهاق والجهد البدني والنفسي الذي يواجهه الرجال في أماكن عملهم ودراستهم، بالإضافة إلى التحديات والمشاكل التي يواجهونها، والتي تعتبر الأكثر تهميشاً في المجتمعات، على غِرار عدم توفر مأوى لهم، والأولاد الذين يوضعون في الرعاية الخاصة، وارتفاع معدل وفيات الرجال في أماكن الاحتجاز، وضحايا العنف بمختلف أشكاله.
وأشكال أخرى من هذه التحديات مثل ما يعانيه الآباء الجدد، أو المنفصلين عن شركائهم، وبشكل أكثر اهتماماً، بهؤلاء الذكور الناجين من الاعتداءات والاستغلال الجنسي، والذين يكونون مجبرين على الزواج القسري، وبشكل أكبر على هؤلاء الرجال الذين وقعوا ضحايا للجرائم المرتكبة على الشرف والمطاردة والعبودية، وهي على الرغم من تشابه بعضها الكبير بقضايا النساء، إلى أنها تحديات ومشاكل حقيقية لا يمكن غض البصر عنها على الإطلاق.