تعرص عديدٌ من النساء في أنحاء العالم إلى العنف بأنواعه، دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تحديد 25 نوفمبر من كل عام يوماً خاصاً بمحاربة العنف ضد المرأة عبر رفع الوعي بهذه الظاهرة المقيتة، ودفع المجتمع إلى نبذها.
وفي السعودية كغيرها من الدول تعد ظاهرة العنف موجودة ، وتسن لها القوانين للحد منها ولمناقشة هذا الموضوع، التقينا في "سيدتي" الدكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم، استشارية طب الأسرة، التي تحدثت عن بعض القضايا الإنسانية التي شهدتها خلال عملها في هذا المجال.
حيث أوضحت البراهيم، أنها تعاملت مع كثيرٍ من قصص التعنيف، مهنياً واجتماعياً، بحكم اختصاصها، وقالت: أغلب قضايا التعنيف تتشابه، إذ تبدأ باعتراف الضحية بتعرضها إلى العنف، ثم تأمين العلاج المناسب لها، وحمايتها أيضاً، وما زلت أذكر حتى الآن حالات عديدة، جاءت إلى الطوارئ، وتعاملنا معها مباشرة، وقدمنا لها أولوية التنويم، خوفاً من العودة إلى المنزل، والتعرض إلى التعنيف مجدداً، وبعد أن تصبح المعنفة جاهزة صحياً للخروج، نطلب من الجهات الأمنية حمايتها، كما تتدخل "الخدمة الاجتماعية" لحل مشكلتها، ومع الأسف، أغلب المعنفات يتنازلن عن حقهن ويخرجن مع المعنِّف وكأن شيئاً لم يكن!
وتحدثت البراهيم عن حالات اجتماعية مأساوية، وقف فيها أقرب الناس ضد فلذات أكبادهم، قائلة: في أحد المستشفيات تم تنويم معنفة، أساء إليها والدها، الذي حاول أن يستغل نفوذه "المهني" العالي ليخرجها ويتستر على ما أجرمه في حقها، لكنَّ المسؤولة عن حماية المعنفات، واستشعاراً منها لمسؤوليتها، تدخلت بقوة، وتواصلت مع أعلى سلطة في المستشفى لإعادة الفتاة إلى السرير الأبيض، وعدم تركها ليلة واحدة في منزل أسرتها، نظراً لخطورة ذلك على حياتها، ولم تفكر قط في نفسها على الرغم من أنها تعرضت إلى الترهيب والإساءة على المستوى الشخصي لتدخلها لحماية الضحية، ومن جهتي، أرى أن القوانين التي وُضِعَت لحماية المعنفات، تفقد أهميتها حينما تتقاطع مع العوامل الاجتماعية التي تبرِّر العنف الأسري من قِبل الرجل، مثلاً كأن يقال إن هذه الفتاة متمردة، ومن حق وليها تأديبها، خاصةً إن كان من أقرب الناس إليها "والدها، أو شقيقها، أو زوجها".
وأكدت البراهيم، أن المعنفة غالباً ما تضطر إلى التنازل عن حقها، والعيش مع معنفها، محاولةً حماية نفسها منه، وتجنب شره، خاصةً أن دور الحماية تمنعها من ممارسة حياتها بطريقة طبيعية، وكأنها في سجن كبير، حيث تُحرم حتى من هاتفها، كما أن المعنفة لا تجد القوانين المناسبة التي تحميها، مثلاً بأن تبقى في منزلها مع أولادها مقابل خروج المعنف منه، وسجنه أيضاً.
وسردت البراهيم موقفاً، يبين كيفية استغلال المعنف الضحية والتنمر عليها، قائلة: شهدت حالة غريبة، إذ جاء إلي رجل وامرأة، وكلما أرادت الضحية التحدث لي عن المشكلة، يتدخل المعنف ويسكتها، ويتكلم بنفسه عن سبب الخلاف، كما أن أسلوبه في التعامل معها كان يفتقد إلى أدنى مقومات الاحترام، وكانت الضحية تتحدث في دقائق معدودة عن حالتها وهي خائفة منه، وهنا اضطررت إلى التدخل بما أملكه من صلاحيات، وطلبت منه فسح المجال لها للتحدث عن مشكلتها وإلا طلبت له الجهات الأمنية، وسردت له قائمة العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها، والقوانين التي تحمي المرأة، فخاف وترك لها المجال لتتحدث، وقد اكتشفت من خلال هذه الحالة، أن أغلب المعنفين يستغلون غالباً ضعف المرأة، وعدم معرفتها حقوقها، وأحياناً الطريقة غير الناضجة التي تطلب فيها هذه الحقوق، ما قد يستفز الطرف الآخر، والمرأة الذكية في رأيي هي التي تستخدم عقلها لأخذ حقها.
وفي ختام حديثها، سلَّطت البراهيم الضوء على ما يعيق حماية المرأة، قائلة: سن القوانين لا يكفي إذ لم تطبَّق، ويتم تأمين الضحية بشكل لائق، مع فسح المجال أمامها لتمارس حياتها بشكل طبيعي، وما نراه الآن أن الضحية هي التي تعاني إذا اشتكت، وتتحمل توابع الشكوى من إثبات صحتها، ومراجعة الدوائر الحكومية مرات عديدة لتحصل على حقها، أما المعنف فيستغل علاقاته، والتعاطف الاجتماعي معه لتفادي العقوبات النظامية، ما يجعل المعنفة تصبر على حالها، لأنها لا تجرؤ على التقدم بالشكوى، ومن جهتي، أقترح أن تكون هناك محاكم أسرية مهمتها حماية المعنفات، وهذه ما نراه في بعض الدول الأجنبية، التي تنقل المعنفة إلى منطقة بعيدة عن مكان وجود المعنف، بل وتحاسبه إذا جاء إلى تلك المنطقة، وتعد التعرض إلى المرأة بسوء جريمة جنائية، يعاقب عليها القانون، وهذا الأمر في حال تطبيقه عندنا سيردع كثيراً من المعنفين، ويمنعهم من ممارسة العنف ضد ضحاياهم من مختلف الفئات.