لم تعد تلك الجملة الشهيرة: "البنت سر أمها، والولد سر أبيه"، معمولاً بها في أيامنا هذه، إذ يعترف المراهقون، صراحة، بأنهم يخافون كشف أسرارهم للكبار، ليكون الأب والأم آخر من يعلم، إذ أصبح المراهقون يفضلون الأصدقاء، أو الفضفضة على الورق، أو الدردشة على الأنترنت، لتزداد الفجوة اتساعاً بين الأبناء والآباء، في ظل حالة من الغياب وعدم التفاهم بين الطرفين، ما جعل الشباب يبوحون بأسرارهم خارج البيت. فما هو رأي المراهقين بذلك..
بداية تقول ياسمين كمال، 16 سنة: أنا تقريباً إنسانة بلا أسرار، وخاصة على أمي، التي أحكي لها كل أسراري وتفاصيل حياتي، وكل ما يطرأ عليها، لذا أعتبر نفسي كالكتاب المفتوح أمامها، وبالنسبة لصديقاتي في أوقات كثيرة لا أحكي لهن كل شيء، وأتعمد أن أخفي بعض أسراري خوفاً من الغيرة.
من جهته، يقول عبد الرحمن صفوت، خريج اقتصاد 21 سنة: لا أفتح قلبي إلا لمن أثق فيه، وغالباً ما يكون أبي، الذي يعاملني كصديق ورجل، ويحرص على أن يكون قريباً من طريقة تفكيري، رغم فارق السن بيننا. أما أمي فلا أحكي لها، فهي تخاف علي أكثر من اللازم، ما يجعلني أخاف من خوفها.
ويخالفهما الرأي أحمد وليد، 17 سنة، إذ يقول: أسراري أحكيها لأصحابي، لأننا تقريباً في نفس السن، ونمتلك عقلية واحدة، في حين أن الفرق بين سني وسن وأبي وأمي كبير.
أما ناهد، 20 سنة، فتجربتها مختلفة، وعنها تقول: كل فرد في بيتنا لا مثيل له، فكل واحد منا عبارة عن جزيرة معزولة، أبي يعمل بالخارج وحتى في الإجازات لا نراه إلا نادراً، وأمي بين اجتماعاتها وجمعيتها الخيرية، وعندما تعود إلى المنزل تكمل اليوم بالكلام في الموبايل.
وأخيراً يقول باسل هشام، 18 سنة: أسراري مع أمي وأبي وأصدقائي مناصفة، ولكن لكل طرف نوع من الأسرار لا يعرفها الآخر.
إخفاء إسرارهم
أكد الدكتور خليل فاضل، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، أن الإحساس بالراحة النفسية التي يجدها الشباب في التعبير عن أسرارهم لزملائهم وأصدقائهم هو السبب الرئيسي في لجوئهم إلى إخفاء أسرارهم عن المقربين إليهم، وخاصة الآباء والأمهات، فالشاب أو الفتاة في مرحلة المراهقة غالباً ما يخاف من التعبير، ليس فقط عن أسراره لأهله، بل ويكشفها لزملائه، وخاصة أنهم يمرون بكل هذه المشاعر مثله، وقد يكون هذا أمراً طبيعياً ومقبولاً، وخاصة في تلك الفترة الحرجة، وما نخشاه هو أن يستمر الزملاء بكونهم مخبأ الأسرار الوحيد للأولاد، بينما من المفروض على كل أب وأم أن يحتموي أسرار أولاده حتى يستطيع أن ينقذهم فى الوقت المناسب، وخاصة البنات، اللواتي يمررن بمرحلة حرجة يخجلن من التعبير لزملائهن عن أسرارهن، ونجدهن يكتبن أسرارهن في مذكراتهن مثلاً، هذه الأسرار تكون غالباً عبارة عن مجموعة من المشاعر والأحاسيس غير الحقيقية، وتحتوي في الغالب على نقد لبعض الأشخاص الذين لا يمكن توجيه شيء لهم بصراحة، مثل الآباء والأمهات.
لذلك أنصح كل أب وأم بضرورة التقرب من أولادهم في فترة المراهقة، وعدم الخجل من مناقشة أي أمر مهما كان صغيراً، حتى لا يقع الأولاد فريسة سهلة لأصدقاء السوء. وأؤكد أن الأولاد إذا وجدوا الراحة النفسية مع أحد أقاربهم في الكلام عن أسرارهم لن يبحثوا عن آخر لمصارحته بها، لذلك لابد من تدريب الآباء على كيفية إشعار أولادهم بهذه الراحة من جانبهم.
اتقوا الله في أبائكم
ويؤكد د. طه حبيشي، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن ضعف الوازع الديني الذي سيطر على الشباب هو السبب في لجوئهم إلى رفاق السوء، وإخبارهم بكل أسرارهم وإخفائها عن والديهم، الذين لهم الحق في معرفة الكثير منها، إن لم يكن كلها، كما يؤكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك بقوله للشباب: أنت ومالك لأبيك. لذلك لابد من تقوية الوازع الديني عند الشباب حتى يتقوا الله في آبائهم ويخبروهم بكل أمورهم.