لأن الجميع إخوة في الوطن الواحد، باختلاف معتقداتهم ودياناتهم، جمعت مصر بين أبنائها المسلمين والمسيحيين في مكان واحد، وبشكل أكثر دقة ووضوحًا، في دار عبادة واحدة، وذلك بعد أن قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الأحد 6 كانون الثاني / يناير الحالي 2019، بافتتاح أكبر مسجد وكنيسة في البلاد، وذلك في العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقع على بُعد 45 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة القاهرة.
وشارك في افتتاح هذا الصرح المهيب عدد من الشخصيات العربية والأجنبية والمسؤولين، حيث كان من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، حيث تزامن الافتتاح مع احتفال الأقباط الأرثوذكس في مصر بعيد الميلاد، وكان الهدف من وراء بناء وافتتاح هذا الصرح؛ إرسال رسالة للتسامح والتكافل في البلاد بين الأشقاء المسلمين والمسيحيين.
المسجد والكنيسة الأكبر في مصر
تبلغ مساحة المسجد، الذي أطلق عليه اسم مسجد «الفتاح العليم»، أكثر من 117 ألفًا و358 مترًا مربعًا، وهي تقريبًا 10 أضعاف مساحة «الجامع الأزهر» في القاهرة، الذي يعتبر أهم المساجد في مصر، ومن أشهر المساجد في العالم الإسلامي. ومسجد «الفتاح العليم» يحتوي على 4 مآذن، ارتفاع كل واحدة منها 90 مترًا، كما يتضمن متحفًا لـ«الرسالات السماوية»، ودارًا لتحفيظ القرآن، وقبة رئيسية لصحن المسجد بقطر 33 مترًا وارتفاع 28 مترًا، و4 قباب ثانوية. كما يصل ارتفاع الأعمدة فيه إلى 45 مترًا، وكمية الخرسانة لقاعدة العمود الواحد تبلغ 500 متر مكعب، وهي كافية لتنفيذ مبنى سكني مكوّن من 7 طوابق.
ويُشار إلى أن المسجد الذي أطلق عليه اسم مسجد «الفتاح العليم»، يتسع لأكثر من 16 ألف مصلٍ، حيث تسع مساحته الداخلية لما يزيد على 6500 مصلٍ من الرجال، 1200 من السيدات، فيما تستوعب الساحة المقامة أمام صحن المسجد لأكثر من 7 آلاف مصلٍ، ويسع البدروم لـ1550 مصليًا، وله 5 مداخل رئيسية، منها 3 للرجال، و2 للسيدات، كما أن به مصعدين.
بينما تتسع الكنيسة، التي أطلق عليها اسم «كاتدرائية ميلاد المسيح» المزينة بأيقونات قبطية، لأكثر من تسعة آلاف مصلٍ، حيث تقدر مساحتها بقرابة الـ63 ألف متر مربع، وهي 3 أضعاف مساحة الكاتدرائية المرقسية في العباسية، وإلى جانب ذلك فإن هذه الكاتدرائية الجديدة تتكون من مقر بابوي، ومكاتب إدارية، وكنيسة رئيسية من طابقين؛ الطابق الأول يتسع لأكثر من 2500 مصلٍ، بينما يستوعب الثاني ما يقارب الـ6500 مصلٍ. كما يضم هذا الصرح الإنساني والحضاري العملاق بكل من المسجد والكنيسة، العديد من القاعات المختلفة للتعليم، وبالإضافة إلى دور للمناسبات.
الجسد المصري الواحد
اشتمل الافتتاح على عرض فيلم تسجيلي عن مراحل إنشاء المسجد والكاتدرائية، الذي أكد أن تجاور هذين الصرحين المقدسين ما هو إلا رسالة واضحة على عمق وتاريخ الأخوة بين المؤمنين من المسلمين والمسيحيين في البلاد. كما تم عرض رسالة مسجلة للـ«بابا فرانسيس»، بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس والستين بعد المئتين، والذي وجّه تحية من خلالها إلى مصر لإقامة كاتدرائية ميلاد المسيح؛ من أجل إحلال السلام والبركة على الأرض.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد رحّب في بادئ الأمر بالضيوف، ومن بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وأكد السيسي قائلًا، خلال كلمة ألقاها في الافتتاح: «لن نسمح لأحد بأن يؤثر على وحدة المصريين، فنحن نسيج واحد، وسنظل نسيجًا واحدًا. وما نراه اليوم هو ثمار شجرة المحبة التي زرعناها، وستخرج إلى العالم أجمع. الفتن لن تنتهي، لكن اليقظة والوعي سيقفان أمامها. ولا بد من أن نحافظ على أوطاننا». تابع الرئيس السيسي قائلًا: «إنّ هذه اللحظة مهمة في تاريخنا... نحن واحد وسنبقى واحدًا»، في إشارة منه إلى المسلمين والمسيحيين المصريين.