الإهمال يغيّب الطفل "راشد" ويفرقه عن توأمه!

10 صور

لم يعلم الطفل راشد فاضل الزهيرة، الطفل الجميل ذو الخمسة أعوام، والذي حمل حقيبته المدرسية الملونة، وودع أمه ولحق بأخيه مسرعاً، أن قيلولته القصيرة في حافلة الروضة، ستكون الأخيرة، ولم يعلم أنه سيغادر هذه الدنيا ضحية إهمال تركه وحيداً طوال النهار في الحافلة، بعد أن أغمض عينيه متعباً؛ لأنه لم ينل كفايته من النوم ليلاً.
وكانت البحرين قد فجعت بخبر وفاة الطفل راشد الزهيرة في حافلة المدرسة، بعد أن ظل يصارع الموت لمدة 5 ساعات.

النيابة والقضية
حسين البوعلي، رئيس نيابة المحافظة الشمالية، قال في تصريحات لـ«سيدتي نت» التي تابعت الحادثة: «استكمالاً للتحقيقات التي تجريها النيابة في واقعة وفاة الطفل داخل حافلة المدرسة، وفي ضوء ما ثبت من التحقيق، أن معلمة الصف تختص وفقاً للتعليمات بالتأكد من حضور جميع التلاميذ، وفي حالة تخلف أحدهم حتى الساعة الثامنة صباحاً، وجب عليها الاتصال بذويه؛ للاطمئنان، ومعرفة أسباب عدم حضوره، وخلال استجوابها أقرت بأنها لم تلتزم بهذه التعليمات يوم الحادث، وأنها مع بداية اليوم استفسرت من شقيق المجني عليه، التوأم الذي كان في الفصل ذاته، عن سبب تخلف شقيقه عن الحضور، فأجابها بأنه مريض وملازم البيت، ومن ثم رأت إرجاء الاتصال بأهله إلى ما بعد انتهاء اليوم الدراسي».

وأوضح: لقد استجوبت النيابة مدير المدرسة، الذي أنكر ما نُسب إليه من خطأ، ونفى اختصاصه بإدارة قسم رياض الأطفال بالمدرسة، وعليه استدعت النيابة مالكة المدرسة من محبسها؛ لمواجهة المتهم بما سبق أن قررته من اختصاصه، وبعلمه بتكليف عاملات النظافة بمرافقة الأطفال في الحافلات، وقد تمسكت الأخيرة في مواجهته بأقوالها في هذا الشأن، وبناءً على ذلك فقد أمرت النيابة بحبس مدرسة الفصل والمدير احتياطياً على ذمة التحقيق، بعد أن وجهت إليهما تهمة التسبب في موت الطفل خطأ.

تفاعل شعبي
وتفاعل أهالي البحرين مع الوالدة الثكلى، بتقديم التعازي لها ولأهل الطفل المتوفى؛ بتدشين «هاش تاغ» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عبروا من خلال تغريداتهم فيه عن تساؤلاتهم ومخاوفهم من الإهمال الذي يتعرض له الأطفال في رياض الأطفال، وعلى من تقع مسؤولية فقدان الطفل، ودعوا لأهالي الفقيد بالصبر والسلوان.

تليفون يكشف الحادثة
الحادثة تبينت بعد أن نقلت من شهود، خلال الاستماع لمحادثة إحدى الموظفات بالمدرسة، تروي أن طفلاً آخر كان نائماً بالحافلة أيضاً خلال نقل الأطفال من منازلهم صباحاً إلى الروضة، إلا أن المسؤولة عن الحافلة، وهي آسيوية الجنسية، وقد عُرف عنها سوء تعاملها مع الأطفال، كانت قد نقلت أحدهم وتركت الآخر، معتبرة أن ذلك مسؤولية سائق الحافلة، وحين سألت معلمة الروضة أخاه التوأم عبدالله، أجاب بأن «راشد» مريض ونائم، من دون أن يشير إلى وجوده في الحافلة.

مات من الهلع
نُقل راشد إلى المستشفى الدولي، وكشفت حقيبته الصغيرة عن هويته، وهرعت عائلته مسرعة للمستشفى فور تلقيها الخبر، إلا أن أنفاس راشد كانت أسرع، وقضى نحبه، وسُجِّل في شهادة وفاته بأنه مات من الهلع والخوف والبكاء والإجهاد.

التربية تعلق الدراسة
وزير التربية والتعليم، دكتور ماجد بن علي النعيمي، تفاعل مع القضية فور معرفة الوزارة بها، وأصدر قراراً بتعليق الدراسة في مدرسة الروابي الخاصة بجميع مراحلها؛ الروضة، الابتدائية، الإعدادية، والثانوية.. واستدعاء عدد من المسؤولين فيها للتحقيق.

الأم: طفلي لم يمت
بعد دفن جسده الصغير، في مقبرة دار كليب، استمرت أصوات بكاء عائلته التي فتحت قلبها لـ«سيدتي»، وروت تفاصيل الحادثة منذ البداية، التي ننقلها كما جاءت على لسان العائلة عبر هذه السطور...
صرخت الأم التي جاءت هلعة من عملها، بعد تلقيها الخبر: «طفلي لم يمت أنتم تخدعونني»، بينما كان قلب الأب يعتصر ألماً على طفله وهو يتخيل ما قد ألم به في تلك الساعات، فيما قيل لأخيه إنه مريض وفي المستشفى.
راشد طفل جميل، وأنيق، والأخ التوأم لطفل لا يقل جمالاً عنه يُدعى عبدالله، ولدا صغيرين جداً، لا يتجاوز وزن كل واحد منهما 860 غراماً، قضيا فترة طويلة في الحاضنة معاً، ومن ثم كبرا معاً، ولعبا وسافرا وضحكا معاً، وجلسا في صف واحد في المدرسة، إلا أن عبدالله نزل من تلك الحافلة، وبقي أخوه راشد نائماً بين كراسيها، إلى أن وجد ممدداً على أرضيتها.. عبدالله لم ينسَ أخاه، فقد ذكرت العائلة أنه قال لمعلمته إن أخاه نائم، إلا أن معلمته فهمت أنه مريض ونائم في منزله، على حد قولهم.

سبب الوفاة
ذكر في شهادة الوفاة أن سبب الوفاة الهلع والإجهاد والبكاء، كما روت العائلة التي رفضت تشريحه.
أما عن تفاصيل نقله للمستشفى، كما رواها أحد الموظفين في المدرسة، والذي أشار إلى أن سائق الحافلة التي كان يستقلها الطفل راشد وسائقاً آخر تفاجآ بوجود طفل ممدد على أرضية الحافلة، وظناه نائماً في بادئ الأمر، ولاحظا أنه كان «متيبساً»، وعلى عُجالة قاما بنقله قبل وصول سيارة الإسعاف إلى المستشفى، إلا أن محاولات إنعاشه لم تنجح.
وذكر الموظف أنه، وفي كل يوم، تقوم مرافقة أجنبية بتفقد الحافلة، وتتأكد من نزول جميع الأطفال، كما يقوم رجل أمن أجنبي بالتأكد مجدداً من ذلك، فيما أشار إلى أن المستشفى تعرَّف إلى هوية الطفل من خلال اسمه المكتوب على حقيبته المدرسية.

وزير التربية يقدم التعازي
وقام الدكتور ماجد بن علي النعيمي، وزير التربية والتعليم، بزيارة منزل الطفل وتقديم التعازي والمواساة لعائلة الطفل راشد، ذلك لكل من جد الفقيد، ووالده، وأقاربه، سائلاً الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وغفرانه، ولأسرته جميل الصبر والسلوان.
وبيَّن الوزير، خلال تقديمه للتعازي، أن الوزارة قد بادرت منذ اللحظات الأولى لهذه المأساة، وبمجرد علمها بها، بعمل التحقيقات اللازمة واتخاذ ما يلزم بخصوص ما تأكد من تقصير من الناحيتين الإدارية والتربوية، ونسقت فيما يتعلق بهذا الأمر مع وزارة الداخلية والنيابة العامة بشأن الإجراءات الكفيلة بمحاسبة المقصرين.

حق الطفل على الدولة
من جانبه، أكد الشيخ صلاح الجودر، خطيب جامع المحرق، لـ«سيدتي» أن أرواح الأطفال مسؤولية مجتمعية، ومن بين حقوقهم العيش آمنين مستقرين في مجتمعهم، الذي يتوجب عليه تهيئة البيئة السليمة من معيشة وتربية وتعليم لهم، وهو ما نصّت عليه النصوص الشرعية والقوانين الدولية، كما أشار إلى حقهم على الآباء بالرعاية والتربية الصالحة، والنشأة في بيئة سليمة.
وقال الجودر: «لقد أصبح أطفالنا اليوم ضحايا الإهمال وعدم المبالاة، لقد فجعت البحرين بفقد الطفل «راشد»؛ بسبب الإهمال في إحدى المدارس الخاصة.. من حق المجتمع اليوم ونحن في دولة القانون أن يعرف حقيقة الأمور، وأن يُقدَّم المسؤولون للعدالة، فأرواح الأطفال مسؤولية مجتمعية».

رئيس الوزراء يتابع
تابع رئيس الوزراء البحريني، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، بتأثر بالغ مأساة الطفل «راشد فاضل الزهيرة»، حيث أعرب عن أسفه العميق لهذا الحادث الأليم، وعن خالص تعازيه ومواساته لأسرة الطفل، داعياً الله عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان.
ووجّه الجهات المعنية إلى دراسة أوضاع حافلات المدارس المخصصة لنقل التلاميذ بعناية، وضمان التزامها بالمعايير والتعليمات المقررة مسبقاً؛ من أجل تفادي وقوع مثل هذه الحوادث التي تمس أرواح أطفالنا الأبرياء الذين يشكلون عماد المستقبل.
وشدد على أنه لن يتم التهاون في اتخاذ الإجراءات، ومحاسبة كل من يثبت أنه قصّر أو تهاون في أداء عمله، مؤكداً أن الحكومة حريصة على دعم العملية التعليمية وتطويرها بكل مكوناتها، وأن سلامة الطلبة والتلاميذ تقع في صدارة اهتمام الحكومة.