مازال الصوت الروائي والشعري للمبدعات العربيات خالدًا ونابضًا؛ يصدح بعطاءاتهن الراقية، عاكسًا سقف ثقافاتهن الثرية، وحاملًا ثقل قناعاتهن الراسخة التي تنشد الحب والسلام تارة، وتدافع عن الأوطان وعن حقوقهن الاجتماعية كنساء تارة أخرى، كما تجاوز حدود ونطاق عالمنا العربي؛ ليفيض بتميزه نحو قارات قريبة وبعيدة، بعد أن ترجمت أعمالهن إلى عدة لغات حية، جعلتهن سفيرات الكلمة والإبداع الصافي، الذي يقدم صورًا صحيحة عن مجتمعاتهن وتطلعاتهن وأحلامهن الحقيقية، من دون طمس أو تزييف أو أي نقل خاطئ.. إنها المرأة العربية التي وثقت اجتهادها بطريقة جميلة وعذبة، وبرهنت أن ما تكتبه لا يقل أهمية عما تنتجه البلدان الأخرى.
معركة الحرية
شاركت في تحرير بلدها من براثن الاستعمار الفرنسي، ثم سخّرت حياتها للإبداع الروائي، الذي جعلها أهم صوت نسوي من أصل غير فرنكوفوني يكتب باللغة الفرنسية، إنها الأكاديمية والكاتبة والروائية والمخرجة الجزائرية «آسيا جبار»، أو «فاطمة الزهراء إيملاين»، اسمها الحقيقي، التي رشحت عدة مرات للفوز بجائزة نوبل للآداب دون أن تظفر بها، كما أنها تعد أول شخصية عربية تصبح عضوةً في أكاديمية اللغة الفرنسية، أعلى مؤسسة فرنسية تختص بتراث اللغة الفرنسية، سلطت الضوء في أعمالها على الصعوبات والتحديات التي تواجهها المرأة، وفي رصيدها جائزة «نيوستاد» الدولية للأدب، وأول عربية تفوز بجائزة السلام الألمانية من جمعية الناشرين الألمانية. وفي طفولتها درست القرآن، ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية، حيث كان والدها مدرسًا للغة الفرنسية، وبعد التعليم الثانوي في الجزائر؛ أكملت دراستها الجامعية بالسوربون، وحصلت على الدكتوراه من جامعة مونبلييه في باريس. تعد أول كاتبة عربية تحصل على جائزة السلام الألمانية من جمعية الناشرين الألمانية. علمًا أن آسيا جبار رحلت عن الحياة عام 2015 عن عمر يناهز 78 خريفًا. وأول رواية منشورة لها حملت عنوان «العطش»، وروايتها الثانية بعنوان «بعيدًا عن المدينة».
أفضل شاعرة
تنحدر فدوى طوقان، القامة الشعرية المميزة والمبدعة العصامية، من مدينة نابلس الفلسطينية، اشتهرت بلقب شاعرة فلسطين الأولى، كون قصائدها العذبة مفعمة بتجارب الحب ولهيب الثورة، ورغم مغادرتها مقاعد الدراسة باكرًا، إلا أنها لم تتوقف عن المطالعة وتكوين رصيد أدبي، جعل منها أهم صوت شعري لامع بمساعدة شقيقها البكر إبراهيم طوقان، حيث لقبها محمود درويش بأم الشعر الفلسطيني، وبدايتها كانت بنشر شعرها في عدة صحف عربية بأسماء مستعارة، مثل «دنانير» و«المطوقة»، سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، وأقامت سنتين، وانفتحت على آفاق مجتمع وثقافة مختلفة صقلت موهبتها، وغذت ثقافتها بوميض الحضارة الأوروبية الحديثة.
في رصيدها كمّ معتبر من الجوائز، نذكر من بينها وسام أفضل شاعرة عربية، جائزة سلطان العويس، بالإمارات العربية المتحدة عام 1989، ووسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990، وجائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة ساليرنو بإيطاليا، وكذا وسام الاستحقاق الثقافي تونس 1996. غادرت الحياة في عمر 83 عامًا؛ أي في سنة 2003.
أول عربية تنال البوكر
أعطت الكاتبة السعودية رجاء محمد عالم، صورة مضيئة لقلم وإبداع المرأة في المملكة العربية السعودية، ويأتي ترشيح وفوز روايتها «طوق الحمام» بجائزة البوكر عام 2011، منعرجًا حاسمًا سوّق بشكل جيد للأقلام النسوية في بلدها، حيث فازت بها مناصفة مع الكاتب المغربي محمد الأشعري، عن روايته «القوس والفراشة»، وصارت أول عربية تحصد جائزة البوكر للرواية، وترجمت روايتها إلى اللغتين الإنجليزية والألمانية، وتختص رواياتها بسردية رمزية صوفية، ذات عمق في المعنى والمبنى، وترجمت مختلف أعمالها الروائية التي وثقت فيها البيئة المكية الحجازية إلى اللغتين الإنجليزية والإسبانية، ورجاء عالم، التي ولدت في مكة عام 1956، درست الأدب الإنجليزي في جامعة جدة، وعقب ذلك تلقت تأهيلًا في علم التربية، أما أولى رواياتها «طريق الحرير»، فنشرتها عام 1995.
تفوق على العمالقة
احتكت غادة السمان بوالدها المثقف الذي أحب العلم والأدب العالمي كثيرًا، وعشق التراث العربي، حيث كان وزيرًا في بلدها سوريا، درست الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وبعد ذلك حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، وتحولت في عقد الستينيات إلى ألمع وأشهر الأقلام الصحفية في بيروت، لكن سرعان ما اختارت الهجرة نحو أوروبا، وعملت مراسلة صحفية، ورغم أنها نشرت مجموعتها القصصية «لا بحر في بيروت» عام 1965، لكنها نضجت كثيرًا بعد مدة زمنية، فقدمت أعمالًا أخرى جذبت إليها اهتمام النقاد. ذاع صيتها وارتفع سقف شهرتها، خاصة مع إصدارها لروايتها «كوابيس بيروت» عام 1977، و«ليلة المليار» سنة 1986، وصارت بذلك من أهم الروائيين والروائيات العرب، وهناك من النقاد من اعتبر أنها لا تقل أهمية عن العملاق نجيب محفوظ، بل تضاهيه.
تأخر الإبداع
قالت الكاتبة والأكاديمية العراقية «إنعام كجه جي» إنها التحقت بالرواية متأخرة، على خلفية أنها تبلغ من العمر في الوقت الحالي 67 عامًا، لكنها في عمر إبداعي قصير، بدأت ترسم لنفسها مكانة وتحجز لروايتها موقعًا، منذ إصدار أول رواية لها في عام 2005، حيث تتفوق في كل مرة، وخاصة بعد تموقعها في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في عام 2009، وترجمت روايتها إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والصينية. وفي عام 2019 برهنت مرة أخرى، من خلال روايتها «النبيذة»، بأنها من أقوى الأصوات الروائية الحالية، على الرغم من أن رصيدها هو ثلاث روايات فقط، وعملت إنعام قبل ذلك في الصحافة والراديو في العراق، قبل انتقالها إلى باريس، حيث استقرت لاستكمال أطروحة الدكتوراه في جامعة السوربون.
اقرأ المزيد:
عرض الفيلم البرتغالي "الممسوخون" في شومان بالعاصمة عمان
تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة بنك الإمارات دبي الوطني (الشعر للجميع)