اختلف الفلاسفة القدماء في تفسير معنى السعادة، ومن هم السعداء. وقد أوجز «أفلاطون» في كتابه «الجمهورية» أن ذوي الأخلاق والعدالة هم السعداء، في حين اعتبر «أرسطو» أن الفضيلةَ ضروريةٌ للمرء من أجل أن يكون سعيدًا، كذلك «ابن سينا» المفكر الإسلامي اعْتَبَرَ أن السعادةَ غايةُ البشر، والسعادة الحقيقية مستقلة، ولا تشوبها شائبة من الاهتمامات الدنيوية.
وعلى مدى العصور، الكل يبحث عن السعادة، وربما في العصر الحديث ازدادَ اللهث وراء كماليات الحياة ورفاهيتها المطلقة للبحث عن مفهوم عميق لها. وتُعَدُّ المرأة الكائن الأكثر بحثًا عن تلك السعادة؛ لحبِّها لمظاهر الحياة ورونقها وجمالها، وهي دائمًا ما تتساءل: كيف أكون سعيدة؟
التقت «سيدتي» بالأخصائية النفسية ومؤسسة فريق «نفس» التطوعي ندى عثمان الحسون؛ لتجيب عن هذا السؤال، وتوضِّح مفهوم السعادة واختلاف مصادرها وأين نجدها.
تعريف السعادة
عرَّفت «الحسون» السعادة في بداية حديثها، إذ قالت: «البشر مختلفون في السعادة الإنسانية، بل يمثِّل مفهوم السعادة إشكالية في البحث والوصول إلى تعريف محدَّد لها، وبشكل عام فإن السعادة هي حالة نسبية تختلف باختلاف قدرات الفرد وإمكاناته ودوافعه، فالسعادة ذات طبيعة معقَّدة، وليس من السهل تَمَتُّعُ عدد كبير من الأفراد بها، ربما يرجع ذلك لتغيرات تكنولوجية واجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة ومتلاحقة وذات تأثير واضح في حياة الإنسان من مختلف النواحي، سواء في المنزل أو الأسرة أو العمل أو التعليم».
الشعور بالسعادة
وأكدت الحسون أن الشعور بالسعادة يختلف من فتاة لأخرى وذلك بناءً على احتياجاتها النفسية والعاطفية، وقد تعتقد إحداهن أن السعادة في الحب والاهتمام من قِبَلِ رجلٍ وتتويج هذا الحب بالزواج.
وقد ترى أخرى أن السعادة في تحقيق الأماني والآمال والتطلعات وممارسة العمل الذي يحبه الإنسان، وأخرى تجد سعادتها في الجمال والعناية الشخصية والبدنية وإبراز أنوثتها، وفئة أخرى من النساء قد يُعَبِّرْنَ عن شعورهنَّ بالسعادة لكونهنَّ صديقات حميمات منذ زمن، وبعضهن يجدنَ راحتهنَّ وسعادتهنَّ في تنظيم شئون البيت وطهي الطعام والأعمال المنزلية على كل الأصعدة.
واستأنفت حديثها بقولها: لكن مفهوم السعادة عند الفتاة يكمن في حصولها على حقوقها المتعلِّقة بالتعليم والعمل والحياة الكريمة، وما يندرج تحتها من احتياجاتٍ أساسية مقرونة باحترامِها وتقبُّلها، بعيدًا عن كونها أنثى فقط.
وتختلف نظرتها للسعادة والحياة باختلاف أطوارها الزمنية واحتياجاتها في كل مرحلة عمرية، وظروفها وأحوالها. وفي الوقت الذي تحصل فيه الفتاة على ما يلائمها وما تسعى إليه، فإنها تعيش بهذا شكلاً من أشكال السعادة، على الرغم من الصعوبات المختلفة التي قد تواجهها.
إدارة السعادة
ونصحت الحسون بأنه «على الفتاة أن تسعى للحصول على سعادتها التي تبحث عنها وتتلاءم مع احتياجاتها، وأن تَقْدِرَ على إدارة سعادتها بنفسها من خلال تحلِّيها بالشجاعة كي تعيش لنفسها، لا أن تعيش الحياة التي يريدها منها الآخرون، وأن تخصِّص وقتًا أطول لنفسها، ولأحبائها، وعائلتها، وأن تبقى على اتصالٍ مستمرٍّ مع صديقاتها القدامى، وأن تمتلك القدرة الكافية للتعبير عن مشاعرها وعدم كتمها، أو التضحية لأجل من لا يستحقون، وأن تتمتع الفتاة بالتواضع والأخلاق والكرم، مهما علا شأنها أو ضاقت عليها حلقات الدنيا، وأن تمنح مَنْ حولها الابتسامة والسلام».
السعادة قرار
كما أشارت إلى أن السعادة قرارٌ داخلي، وأضافت «من كمالِ عَدْلِ اللهِ في الكون أنه لم يربط (السعادة) أو (الشقاء) بمعايير خارجية تحصل لإنسان دون آخر، كالمال والبيت الواسع، وإنما جعل السعادة قرارًا داخليًّا ليس له علاقة مطلقًا بالمؤثِّرات الخارجية. قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). إيمانك بالله، والعمل الصالح، والإيمان بقضاء الله وقدره، والاستمتاع رغم الصعوبات في الحياة ولحظات الحزن التي لا تنتهي، ذلك هو القرار الداخلي والسبيل لسعادة حقيقية».