بعد 15 عاماً كاملة من الغموض الذي جعل محققي المملكة المتحدة، يعيشون حيرة كبيرة، ويشعرون بالعجز أمام هذه الجريمة، ها هم اليوم يعيشون لحظات انتصار على كل هذا الغموض الذي كانوا يلاحقونه، بعد أن تمكنوا أخيراً من حلّ جزء مهم للغاية من لغز قضية «سيدة التلال» الغامضة، التي تعود في تاريخها إلى العام 2004، حين تم العثور على جثة امرأة مجهولة، شغلت الرأي العام قبل محققي البلاد في ذلك الوقت.
هذا ما حدث قبل 15 عاماً...
خلال العام 2004، في مقاطعة «يوركشاير دالس» البريطانية، عثر بعض المُتنزهين على جثة امرأة في مكان ناءٍ وبعيد على طريق «بينين واي Pennine Way»، وكانت الجثة في حالة سيئة للغاية؛ إذ كانت ملقاة على بطنها ووجهها للأرض، وكانت نصف عارية حينها، ترتدي بنطالاً من الـ«جينز» وجوارب، وحمالة صدرها وُجدت ممزقة ومعلقة على إحدى ذراعيها.
وبحسب ما نقلته «سيدتي» عن صحيفة الـ«ديلي ميل» البريطانية، فإنه بعد تشريح الجثة، لم يجد الأطباء أي آثار لكدمات أو ضربات على جسدها، ولم يكن هنالك آثار تشير لتعرضها لأي اعتداء جسدي. لذلك تم إثبات الوفاة حينها بأنها ناتجة عن انخفاض كبير في درجة حرارة جسمها. ومنذ ذلك الوقت ظلت هوية المرأة التي سُميت قضيتها بـ«سيدة التلال»، مجهولة للجميع، وظلت بمثابة لغز للمحققين.
خلال العام 2007، أعيد فتح القضية مرة أخرى، وفشل التحقيق حينها في الكشف عن هوية السيدة، أو كيف توفيت «سيدة التلال»، وسجل الطبيب الشرعي في ذلك الوقت حكماً مفتوحاً بالقضية. رغم أن السلطات البريطانية حينها، كانت قد نشرت عدداً من الصور الانطباعية لوجه المرأة صاحبة الجثة، التي صار يعرف شكلَها الكثيرون، ولكن دون معرفة هويتها الحقيقية.
وفي ذلك الوقت أيضاً، قام السكان المحليون في المقاطعة، بدفن جثة السيدة المجهولة، وإقامة صلاة صغيرة عليها، وأطلقوا عليها منذ ذلك الحين اسم «سيدة التلال»، وكتبوا على شاهد قبرها: «سيدة التلال، وجدت في 20 أيلول / سبتمبر 2004. اسمها غير معروف. لترقد بسلام».
الكشف عن هوية «سيدة التلال».. وأمور أخرى
خلال الأسابيع القليلة الماضية من العام الجاري 2019، كشف المحققون في مباحث «القضايا القديمة»، عن معلومات بالغة الأهمية لم يتمكنوا طوال السنوات السابقة من التوصل لها، بعد أن كانت القضية قد أعيد فتحها للمرة الثالثة في وقت سابق، واكتشفوا أن المرأة المجهولة التي لقيت مصرعها قبل 15 عاماً، هي سيدة تايلاندية تدعى «لامدوان سيكانيا»، وهي أم لثلاثة أطفال، وتعود أصولها إلى مقاطعة «أودون ثاني «Udon Thani» التايلاندية. تزوجت خلال العام 1991 مدرساً بريطانياً يُدعى «ديفيد أرميتاج»، يبلغ من العمر في الوقت الحاضر 55 عاماً، وانتقل الزوجان بعد زواجهما بفترة قليلة للعيش في المملكة المتحدة.
وكشفت التحقيقات الجديدة أيضاً، أن الزوجين انتقلا للعيش في مدينة «رجبي» في مقاطعة يوركشاير»، قبل أن ينتقلا أخيراً خلال العام 2003 إلى منزل والدة «أرميتاج» في منطقة ريفية هي «بورتن إن» بمقاطعة «كومبريا» شمال غرب إنجلترا. وخلال تلك الفترة، أشار عدد من أصدقائهما إلى أن السيدة «سيكانيا» كانت قد اختفت تماماً. وظن بعضهم أنها ربما تكون عادت إلى تايلاند.. وهنا كانت بداية الحكاية.
هذا ما كشفته التحقيقات الجديدة أيضاً...
وكانت التحقيقات الجديدة، التي استخدمت فيها تقنية «تحليل النظائر المستقر»، وهي تقنية حديثة لم تكن موجودة في عام 2004 وقت العثور على الجثة، قد كشفت عن تفاصيل أكبر وأكثر أهمية من سابقاتها؛ حيث بيّن التشريح الأخير للجثة أن السيدة «سيكانيا» عندما عثر عليها، كانت متوفاة قبل فترة تتراوح من أسبوع إلى 3 أسابيع. وبحسب ما كشفته الشرطة وفقاً لخبرتها في مثل هذه القضايا، أن معظم المجرمين ينقلون جثث ضحاياهم لمسافة 50 متراً فقط من سياراتهم، وأنهم لا يسيرون لأكثر من مسافة تتراوح ما بين 50 إلى 80 ميلاً بعيداً عن مكان الجريمة لرمي الجثث والتخلص منها.
وكشفت التحقيقات كذلك، أن خبراء الطبّ الشرعي عند تشريح الجثة، لم يعثروا على أي سوائل داخل رئتيها، ما يثبت أن السيدة «سيكانيا»، لم تمت غرقاً، ولأنه لا يوجد آثار كدمات أو ضربات على جسدها –كما كانت قد كشفت التحقيقات السابقة- فإنه لا يوجد أدلة تثبت تعرضها لاعتداء جنسي. وأن الجرح الوحيد الذي في جسدها كان بأحد أصابعها، وهو عبارة عن إصابة عادية قد تحدث جراء السقوط مثلاً.
وأشار المحققون إلى أن العثور على الجثة كان في منطقة صخرية وعرة، لا يمكن الوصول لها إلا بواسطة سيارات «دفع رباعي»؛ حيث يرجح أن القاتل يعيش في منطقة ريفية، ويعرف المكان جيداً، فقد رمى بالجثة في مكان بعيد عن الأنظار، ولم يلقِ بها في أحد كهوف «سيل غيل هوليس Sell Gill Holes»، التي يزورها الكثير من المتنزهين.
الاكتشافات الجديدة نقلت التحقيق إلى تايلاند
بعد النتائج الجديدة والهامة التي أسفرت عنها التحقيقات الأخيرة، قدم المحققون بمباحث «القضايا القديمة»، الذين كانوا يعملون على القضية منذ عدة سنوات بقيادة رئيس المباحث «آدم هارلاند»، طلباً بالسماح لهم للسفر إلى تايلاند؛ حيث يعيش زوج الضحية، وأراد المحققون أن يقابلوا عائلتها ويستمعوا إلى أقوالهم. وأكد الناطق باسم شرطة «نورث يوركشاير»، أن هوية المرأة التي عثر عليها في مكان بعيد وخالٍ على طريق «بينين واي Pennine Way»، دلت على أنها سيدة جنوب شرق آسيوية، وأنه بعد التحقيقات المكثفة وفحص الحمض النووي ومقارنته مع أفراد العائلة في تايلاند، اكتشفوا أنها تعود للسيدة «لامدوان أرميتاج سيكانيا».
وعندما نُقلت التحقيقات إلى تايلاند مع بداية العام الجاري، أعطت «جومسري سيكانيا»، البالغة من العمر 73 عاماً، وهي والدة الضحية، وزوجها «بواسا» عدة عينات من الحمض النووي الخاص بهما، في محاولة لإثبات أن الجثة التي تم دفنها في مقاطعة «يوركشاير» هي جثة ابنتهما «لامدوان».
وقالت «جومسري» في تصريحات أدلت بها لشبكة الـ«بي بي سيBBC» البريطانية، إنها هي وعائلتها تايلنديون من سكان قرية بسيطة يعتنقون الديانة البوذية. بينما زوج ابنتها السيد «ديفيد أرميتاج» بريطاني مسيحي الديانة، وهو مُعلم له مكانته واحترامه الكبير في تايلاند. مشيرة -السيدة «جومسري»- إلى أنه كان هناك العديد من الفروقات والاختلافات بين ابنتها وزوجها، وتابعت: «جزء مني يأمل ألا تكون الجثة لابنتي، صحيح أنني أريد أن تكون على قيد الحياة، ولكن إذا كانت جثتها فعلاً، يمكنني أخيراً أن أنام في الليل مرتاحة البال عليها».
عائلة «سيكانيا» يعانون منذ 2004.
طوال هذا الوقت، كانت التحقيقات والقصص الإعلامية تنظر من عين المملكة المتحدة وما يحدث فيها، وتحكي عن التحقيقات الجارية والغموض الذي كان يعتري قضية «سيدة التلال» هناك منذ العثور على الجثة قبل 15 عاماً. لكن ما كشفته التحقيقات مؤخراً، وعند نقلها إلى تايلاند، جعل هناك زاوية أخرى من الحكاية، تخص عائلة الضحية التي كان أفرادها يعيشون قلقاً شديداً على ابنتهم، دون قدرتهم على فعل أي شي لمعرفة الحقيقة.
فعائلة الضحية «لامدوان»، التي تعيش في مقاطعة «أودون ثاني» شمال تايلاند، ومنذ العام 2004 لم يسمع أي منهم أخباراً تخص ابنتهم. وهو بالضبط بالتزامن مع الفترة التي عُثر فيها على الجثة التي كانت مجهولة الهوية حينها. وكانت السيدة «جومسري» والدة الضحية قد قالت إن الرسم الانطباعي للسيدة المجهولة يشبه ابنتها إلى حد كبير.
وبيّنت «جومسري» أن ابنتها وزوجها البريطاني، كانا قد التقيا خلال العام 1990 في تايلاند، وأنهما تزوجا وسافرا إلى المملكة المتحدة خلال العام التالي للقائهما في العام 1991، وكانا قد رزقا بطفلها الأول في بداية عقد التسعينات بعد زواجهما بقرابة العام الواحد. ثم في العام 1999 رُزقا بطفلتهما الثانية ثم الطفل الثالث بعد فترة من الزمن. وكان الزوجان يزوران العائلة بشكل منتظم ومستمر في تايلاند. وأوضحت السيدة «جومسري» أيضاً، أن ابنتها التي من المفترض أن تكون في عمر الـ52 عاماً بالوقت الحاضر، كانت قد توقفت فجأة عن الاتصال بها قبل 15 عاماً.
على جهة مقابلة، ذكرت الـ«ديلي ميل»، أن صحفيين من صحيفة «ذي صن» البريطانية، كانوا قد أجروا اتصالاً بمنزل السيد «أرميتاج» في تايلاند، وقد صرح لهم بأنه لم يقتل زوجته ولا يعلم من قتلها أو كيف حدث هذا. وأضاف أيضاً أنه عَلم بالحادثة من الصحف التايلاندية فقط. ومن الجدير بالذكر، أن قضية «سيدة التلال» لم تغلق إلى الآن؛ إذ يأمل المحققون أن توصلهم نتائج التحقيقات الجديدة إلى معلومات أكثر أهمية، من الممكن أن تقودهم إلى قاتل السيدة «لامدوان أرميتاج سيكانيا».