عندما يرتفع سقف التوقّعات إلى درجاته القصوى، وكانت النتيجة كليب "كرهني" الذي جاء بمثابة استراحة محارب. كليب لإثبات التواجد، أو لكسر الصورة النمطيّة لفنّانة أخذت على عاتقها قضايا اجتماعيّة كبرى، وبات ظهورها بصورة المرأة الرومانسيّة مجرّد عملٍ يشاهده الجمهور دون أن يصفّق له طويلاً.
سبقت كليب "كرهني" دعاية مكثّفة، وتوقّع متابعو التعاون بين النجمة والمخرجة أن يكون الكليب عميقاً، فالأغنية تتناول الصراعات النفسيّة، في قصص حبٍ لا تنتهي عند فراق الحبيبين، ويظلّ منها أثر حنين يرسم قصصاً أكثر إيلاماً من الفراق نفسه. كان المتوقّع أن يتناول الكليب الصراعات النفسيّة بصورة مبهرة، تترك المشاهد أمام تساؤلات، وتطرح إشكاليات العلاقات المعلّقة على ذكريات الماضي، وتسلّط المرأة العاشقة التي ترحل وتترك في قلب من أحبّت يوماً أثراً ترفض أن يمحيه حب جديد، لكن النتيجة كانت فيديو كليب رومانسي، لا جديد فيه، مع تسجيل نقطة لصالح إليسا التي أجادت دورها ببراعة، رغم أنّه لم يكن أصعب أدوارها.
في صربيا تمّ تصوير الكليب، الأمر أوحى أنّ ثمّة مشاهد خارجيّة جديدة تعطي نفساً مختلفاً للعمل، لكنّ التصوير الخارجي اقتصر على مشهدين، بدت فيه الكادرات أشبه بوسط بيروت، ما جعل من السفر إلى الخارج لتقديم عملٍ جديد، أمر أشبه بدعاية مفادها أنّ ما ستشاهدونه استحقّ عناء سفر فريق عملٍ كامل، لتكون النتيجة فيديو كليب لو قدّمته نجمة غير إليسا لاستحقّت التصفيق، أمّا إليسا، فتبدو مهمّتها أكثر صعوبة.
فقد بدأ التحوّل الجذري في مسيرتها مع الأغاني المصوّرة مع كليب "يا مرايتي"، يومها تساءل كثيرون ماذا سيقدّم كليب لأغنية ناجحة مضى أكثر من عامين على إطلاقها، الجواب كان عند إنجي وإليسا اللتين قدّمتا فيلماً قصيراً لخّصتا فيه معاناة النساء مع العنف المنزلي، مع دعوة للتحرّر من الظلم والهروب نحو مستقبل أفضل.
بعد "يا مرايتي" قدّمت إليسا "حلة حب" و"سهرنا يا ليل"، عملين من النّوع الذي يشاهدهما المشاهد وينساهما بعد حين، لتكون النقلة النوعية مع كليب "عكس اللي شايفينها" المقتبس من حياة الراقصة داني بسترس، التي عانت الكآبة بعيداً عن الأضواء بعد موت ابنها الوحيد، لتنهي حياتها انتحاراً في نهاية العام 1998.
وبات السؤال الأصعب، ماذا ستقدّم إنجي لإليسا؟ ساعدت هذه الأخيرة المخرجة، عندما قدّمت معركتها ضدّ مرض السرطان مادّة لكليب جاء بمثابة الصفعة للمشاهد. فقد اكتشف هذا الأخير أنّ أمام ناظريه كانت إليسا تعاني من المرض، وتحارب، وتسجّل انتصارات وكان هو آخر من يعلم، وأنّ هذه الدقائق التي اختصرت أهم مراحل حياة الفنانة، هي أفضل طريقة للتوعية على ضرورة الكشف المبكر لسرطان الثدي.
وبعد أقل من سنة على النجاح الذي وصل إلى وسائل إعلام غربية تحدّثت عن الكليب بإسهاب، جاء دور "كرهني"، قدّمت المخرجة ما لديها، وأدّت المطربة المطلوب منها، فكانت النتيجة عملاً متقناً، جميلاً، لكنّه ليس من النوع الذي تحفظه الذّاكرة طويلاً.