وجدت دراسة أجريت في مستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، أن المرضى الذين يتعافون من جراحات في الثدي لا يستخدمون سوى جزء ضئيل من العقاقير الموصوفة لهم، مما يثير مخاوف من احتمال تعاطي الحبوب المتبقية كمخدرات.
وأصبحت المستشفيات في الولايات المتحدة تعيد النظر في طرق استخدام العقاقير المخدرة في تخفيف الألم؛ بحثاً عن أفضل الطرق التي تتضمّن الاستخدام على المدى القصير بعد الجراحة، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه البلاد مشكلة متنامية مع إدمان المواد الأفيونية، الذي يبدأ في كثير من الحالات بوصفات طبية لعقاقير مخدرة، يُعطيها الأطباء لمرضاهم لتسكين الألم، وأجرى مستشفى كليفلاند كلينك مراجعة لوصفات طبية لعقاقير مخدرة تُصرف لمرضى عقب خضوعهم لثلاثة أنواع من العمليات الجراحية لعلاج سرطان الثدي؛ إذ وجد في دراسة أجراها، أن ما يقارب من نصف المرضى لم يستخدموا أياً من العقاقير بعد الجراحة؛ تاركين المجال مُشرعاً أمام إساءة استهلاك هذه العقاقير المخدرة.
وأعربت دكتورة الطب التقويمي ستيفاني فالينتي، الجرّاحة في قسم خدمات أمراض الثدي بمستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، عن اعتقادها بأن العديد من الجراحين «لم يدركوا على مدى سنوات طويلة» مقادير العقاقير المخدرة التي وصفوها لمرضاهم لتسكين آلام ما بعد العمليات الجراحية أو غيرها، وقالت: «فوجئنا وشعرنا بالإحباط عندما أدركنا أن الوصفات التي كنّا نكتبها للمساعدة في تسكين آلام المرضى عقب العمليات الجراحية، كانت تساهم في إدمان المخدرات في أمريكا».
ويمثل افتقار الوصفات الطبية إلى معايير واضحة للسيطرة الكافية على الألم بعد العملية، جزءاً كبيراً من المشكلة، ويسعى مشروع يعمل عليه قسم خدمات أمراض الثدي في كليفلاند كلينك، إلى حلّ هذه المشكلة بهدف تزويد المريض بالمقدار الكافي من العقاقير المخدرة، الذي يحقق التحكّم الأمثل في
الألم من دون صرف أية عقاقير زائدة
وأوضحت الدكتورة فالينتي، أن المشروع يقوم على «الرغبة في إيجاد طريقة تمكننا من توحيد أنماط وصفنا للعقاقير المخدرة وتحسينها، مع إشراك المرضى في عملية تحسين الجودة».
وأجرى الباحثون مراجعة لبيانات الوصفات الطبية الخاصة بمرضى جراحات الثدي الذين عولجوا في العام 2017؛ لتأسيس أنماط واضحة ومحددة لوصف العقاقير الطبية المخدرة التي تُصرف للمرضى في أعقاب العمليات الجراحية، وقد عُثر على تناقضات في أنواع العقاقير والكميات الموصوفة من كل منها؛ استناداً إلى بيانات من 100 مريض متوالٍ؛ فتراوحت كميات العقاقير في وصفات اشتملت على الترامادول أو التايلينول 3 أو النوركو/الهيدروكودون أو البيركوسيت/الأوكسيكودون بين صفر و40 حبة، وتباين معدل عدد حبات العقاقير بحسب العملية الجراحية؛ إذ صرف الأطباء بالمعدل 15 حبة بعد عملية أخذ خزعة أو استئصال لورم، و20 بعد استئصال الثدي، و28 بعد عملية استئصال الثدي وإعادة بنائه.
وأبلغ القسم الجراحين، في خطوة أولى اتخذها عقب المراجعة، بتوحيد عدد الحبوب الموصوفة؛ لتصبح 10 حبّات بعد عمليات أخذ الخزعة أو استئصال الورم، و25 بعد استئصال الثدي وإعادة بنائه، وكلاهما أقل بقليل من المعدل السابق، مع تثبيت العدد عند 20 حبة التي توصف لاستئصال الثدي.
ولكن عندما تابع الأطباء استقصاء الحالات مع 100 مريض لمعرفة عدد الحبات التي تناولوها، وجدوا أن المعدل أقلّ بكثير مما كان موصوفاً لجميع العمليات؛ فقد تناول المريض العادي حبة واحدة فقط بعد عملية أخذ الخزعة أو استئصال الورم تاركاً تسع حبات غير مستهلكة، وتناول ثلاث حبات بعد عملية استئصال الثدي تاركاً 17 حبة غير مستهلكة، وتناول 18 حبة بعد استئصال الثدي وإعادة بنائه، ليترك سبع حبات دون استهلاك، وقد أفاد ما يقارب من نصف المرضى (40 بالمئة) بعدم تناولهم ولا حبة عقار واحدة عقب العمليات التي خضعوا لها؛ مما أثر تأثيراً كبيراً على المعدل العامّ.
وأشارت الدكتورة فالينتي إلى «مخاوف» راودت فريق العمل عند اتخاذ القرار بشأن عدد حبات العقاقير المخدرة المتفق عليه ليُصرف للمرضى «من ألّا يكون كافياً»، وأضافت: «لكننا تفاجأنا من قلّة الكميات التي تناولها المرضى، ومن العدد الكبير الذي لم يتناول منهم أية حبة على الإطلاق»؛ لافتة إلى أن كثيراً من المرضى اختاروا الثلج والتايلينول لتسكين الألم».
وقد قرّر المستشفى، في ضوء هذه البيانات، التركيز على تثقيف كل من الجراحين والمرضى، وأوضحت دكتورة الطب التقويمي في هذا السياق، أن للعقاقير المخدرة «دوراً مؤقتاً وضرورياً» في علاج الآلام الناجمة عن العمليات الجراحية؛ مؤكدة أنه على المرضى معرفة وجود قدر من الانزعاج جرّاء الجراحة، وإدراك أن كمية العقاقير المخدرة التي تعطى لهم «لن يتم تجديدها»، لكنها في الوقت نفسه أفادت بتكوّن «فهم أفضل» لدى الأطباء للبدائل غير المخدرة المتاحة لعلاج الألم؛ معتبرة أنه سيكون بمقدور العديد من مرضى جراحات الثدي «تجنب تناول العقاقير المخدرة بعد العمليات الجراحية، بأمان».
تجدر الإشارة إلى أن نتائج الدراسة عُرضت في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية لجراحي الثدي، للعام 2019.