رحيل الأشخاص الذين وضعوا بصمة مميزة في مجتمعاتهم، وعرفوا بين الناس بعلمهم وورعهم يترك أثرًا عميقًا، وذكرى جميلة يستحيل أن تمحوها السنين، ويعد الشيخ العلامة "عبد القادر بن شيبة الحمد بن يوسف بن شيبة الحمد الهلالي" أحد هؤلاء الأشخاص، والذي وافته المنية مساء يوم أمس الاثنين عن عمر يناهز المئة عام.
وللشيخ _رحمه الله_ تاريخ عظيم في نشر العلم الشرعي، وذلك من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ تأسيسها، كما كانت له حلقة في المسجد النبوي، إضافة إلى إمامته المصلين في المحراب النبوي خلال عامي 1406 و1407هـ.
يشار إلى أنه سيتم الصلاة على الشيخ اليوم الثلاثاء بعد صلاة العصر في جامع الملك خالد بأم الحمام، وسيكون الدفن والعزاء في مقبرة الشمال بمدينة الرياض.
يذكر أنّ الشيخ العلامة أمضى قرابة الثمانين عامًا في نشر العلم، متخذًا من التدريس، والوعظ، والإرشاد والتوجيه، وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله أسلوبًا في نشره، كما صنف أكثر من عشرين كتابًا، إضافةً إلى قيامه بتحقيق بعض كتب السلف ونشرها، وتميزت كتبه بالتحقيق والتحرير العلمي، مع الوضوح والإيجاز.
نبذة عن الشيخ _رحمه الله_
ولد الشيخ عبد القادر في مصر عام ١٩٢١م، وينتمي إلى قبيلة بني هلال، التي انتقل بعضها من الجزيرة العربية في منتصف القرن الرابع الهجري.
التحق بالكُتّاب في الخامسة من عمره، وتعلّم القراءة والكتابة، وحَفِظ القرآن الكريم كاملًا وهو في سن مبكرة، ومن شدة نبوغه اجتاز المرحلة الثانوية بسنة واحدة فقط، وكان المعتاد اجتيازها في ثلاث سنوات.
والتحق "الشيخ عبد القادر" بأحد المعاهد الأزهرية، ومن ثمَّ كلية الشريعة في الأزهر، وكان أحد ثلاثة طلاب اجتازوا اختبار الشهادة العالمية القديمة من بين 300 طالب عام ١٣٧٤هـ، وعمل مدرسًا في بعض المدن والقرى المصرية لمدة 10 سنوات، كما بدأ رحلته مع التأليف في تلك المرحلة المبكرة من حياته.
عُيّنَ مدرسًا بمعهد بريدة العلمي عام ١٣٧٦ه، ودرس فيه لمدة ثلاث سنوات، ثم عُيّنَ في العام ١٣٧٩ه مدرّسًا بكليّتيّ الشريعة واللغة العربية بمدينة الرياض، ودرّس التفسير وأصول الفقه، كما درّسَ سُبُل السلام، شرح بلوغ المرام في الحديث.
وانتقل عام ١٣٨٢ه إلى المدينة المنورة، بطلبٍ من "الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_" حيث عمل أستاذًا بالجامعة الإسلامية بعد افتتاحها بعام، ونظرًا لحداثة الجامعة وندرة الأساتذة، فكان كلما أنشئت كلية جديدة بالجامعة يُكلّف بالتدريس فيها إلى أن تم نقله لقسم الدراسات العليا بالجامعة؛ حيث أشرف على العديد من طلبة الدراسات العليا، وبقي يعمل بها إلى أن بلغ سن التقاعد في العام ١٤٠٤ه.
كان الشيخ _رحمه الله_ يُلقي الدروس في حلقة علمية شهيرة في المسجد النبوي حول تفسير القرآن، وكان يقصدها طلاب العلم وزوَّار مسجد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فسر فيها القرآن كاملًا، ثم انتقل إلى مدينة الرياض عقب تقاعده.
أمَّ الشيخُ المصلّين في محراب رسول الله لصلاة التهجّد بالمسجد النبوي في شهر رمضان عاميّ ١٤٠٦هـ و١٤٠٨هـ؛ كما انتُدِب إلى الهند وباكستان للتعاقد مع بعض المدرّسين؛ لتدريس علم الحديث بالجامعة الإسلامية، وقدَّم العديد من البرامج التوعوية المباشرة عبر الإذاعة والتلفاز، إضافةً لمشاركته في بعض برامج الإفتاء المباشر، كما كان عضوًا في لجنة إشرافية على المسجد النبوي الشريف، وعضوًا في مجلس الجامعة الإسلامية، وشارك في أعمال التوعية الإسلامية بالحج لعدة سنوات، كما ألقى العديد من المحاضرات في مختلف مناطق المملكة.