بين رافض ومؤيد، بين منعزل عنها ومتعلق بها. استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً الفيسبوك، أن تقسم الشُعراء والكُتاب، وتعيد تصنيفهم، وفي خضم الجدال المستمر حول الهوّة بين القارئ والكاتب، ومن عليه أن يصل إلى الآخر، يرى العديد من المبدعين أن هذه المواقع ابتكرت الطريقة الأمثل للتقريب بين طرفي المعادلة. وآخرون رأوا أنها زادت المساحة.
«سيدتي»، طرحت هذه المسألة بين عدد من الشعراء والكُتاب، الذين عرضوا أفكارهم حول هذه القضية التي غيّرت الكثير في وجه الكتابة والنشر، والتي سواء رفضناها أو تقبلناها، صنعت منابر جديدة لم تكن موجودة.
آلة نشر غير مشروطة
الشاعرة الأردنية مريم الشريف، التي تصف نفسها بأنها «كاتبة كسولة»، رأت بأن الفيسبوك تحديداً، أتاح المجال لمتابعة أعمالها من قبل العديد من الأشخاص. وقالت: «لولاه لما كنت ما أنا عليه اليوم. لستُ كاتبة نشيطة، وأكاد أكون منفصلة عن مجتمع الكتاب وأغلب ما يجري من نشاطات أدبية. لكنه منحني إمكانية الوجود. إنه فرصة رائعة للنشر السهل وغير المشروط».
ووصفت الشريف الفيسبوك على أنه «آلة نشر غير مشروطة ولا تتوقف»، يمنح الحرية التي تتيح التنوع بأشكال الكتابة واستقطاب جماهيرية واسعة بين قراء متعددي الأذواق. وعلّقت: «الفيسبوك لا يُشكّل الأذواق، إنما يخدم تنوعها».
ردود مشوّشة
الشاعر السعودي زكي الصدير، رأى أن الشاعر يحتاج إلى «منطقة قلق تجاه نصّه». وأن ارتكانه على ردود أفعال هذه المواقع يبعده عن هذا القلق. لذلك هناك ضرورة شديدة للقيام بالتجربة بعيداً عن هذه الردود التي وصفها بـ«المُشَوِّشة» للعمل الإبداعي، والتي قد تضعه في رؤية جاهزة وغير مدروسة.
ويقول الصدير لـ«سيدتي»: «في ظني أنها منطقة غاية الخطورة إذا ما عوملت على أنها هبة تكنولوجية، تتيح كتابة أي تجربة دون المرور لمشرف الصحافة الورقية الذي قد يطوّق العمل ضمن نسق ضيق وتعيس للغاية». وأشار الصدير، إلى أنه ليس متابعاً جيداً لنتاج الشعراء على صفحاتهم الافتراضية، وأنه يميل أكثر إلى الذين يهتمون بمنجزهم الإبداعي المرتهن برؤيته للفلسفة وللرؤية العقلية لمناطق الكتابة وأدواتها.
رقابة قبل النشر
الروائية الأردنية نوال قصار، أخذت الموضوع من جانب آخر، إذ أشارت إلى أن الكتابة الإبداعية سواء الأدبية أو الصحافية أو كتابة المقال وغيرها، كانت أكثر ضبطاً قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت: «الكتابة الإبداعية كانت أكثر خضوعاً لمعايير القواعد والإملاء والتعبير والجودة وتوظيف المفردة والتجانس والترابط واللغة الشعرية. وذلك لأن ما كان ينشر ورقياً لا بدّ له وأن يمرّ تحت الرقابة والتحرير والتدقيق قبل الموافقة على نشره».
وعبّرت عن أسفها الشديد بشأن كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية في المنشورات على هذه المواقع، لأشخاص يدعون بأنهم كُتّاب ومؤلفون. ومن جهة أخرى، سلّطت قصار الضوء على الأعداد الكبيرة لمتابعي هؤلاء الكُتاب الذين هم من خارج الوسط الأدبي، والذين يُشيدون بشكل مستمر بكتاباتهم دون التنبه للأخطاء التي تحتويها».
إيجابيات وسلبيات الفيسبوك
القاص الأردني عامر الشقيري كان واقعياً جداً فيما يخص هذه القضية، وقال لـ«سيدتي»: «مثل باقي التقنيات التي اخترقتنا في العمق، للفيسبوك إيجابياته وسلبياته، بعيداً عن الكلام المستهلك كفقدان رائحة الورق والحنين لملمسه. هذا الفضاء الجديد كسر أصناماً ظلت محتكرة الصحف والمجلات الثقافية طويلاً. فلم يعد الكاتب بحاجة للتقرب من رؤساء التحرير لتُنشر مادته».
لكن على جانب آخر، يرى الشقيري أن هذا النشر السهل والمُتاح، ترتب عليه اندفاع واستسهال وعشوائية في النشر. وقال: «أنت محكوم بجمهور معين، هم المعجبون بصفحتك. وبإمكانك بكبسة زر أن تلغي من يخالفك وتحافظ على من يمدحك، فتتضخم الـ(أنـا) لديك، وتمضي قُدماً في الكتابة من دون ضوابط».
وتابع الشقيري: «لكن السؤال، هل نستطيع الاستغناء عن الكتاب الورقي؟ أعتقد أنه في سنوات قادمة سيحدث هذا».
ظاهرة النشر الإلكتروني
الشاعر المغربي عثمان الدردابي تقاطع مع الشقيري بمسألة صعوبة النشر الورقي في فترة من الفترات، وأشار إلى أن ظاهرة النشر الإلكتروني تضاعفت بشكل كبير، وذلك لسهولة النشر و«استسهاله». وقال الدردابي: «ظهرت موجة من الكُتّاب منهم من سبق له النشر ورقياً، ومنهم من برز كاسم جديد بعد التميز بتجربة إبداعية ولدت من رحم الخفاء ومعاناة النشر التي يكابدها الكاتب مع دور النشر وانتشار كتبه. لتسهل المهمة مع الفيسبوك».
القارئ، برأي الدردابي انتقل من البحث عن الكُتب المميزة، إلى البحث عن نصوص مميزة. وأوضح أنه للوصول إلى تلك النصوص لا بدّ من قراءة «الغثّ والثمين»، أنا من جيل الفيسبوك، وأقرأ الكثير من النصوص الشعرية والنثرية لكُتاب لا يمكنني أن أصل لكتبهم».
بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي
الشاعر الأردني عبدالله أبوبكر كان لديه رؤية متفائلة بهذه القضية. يرى أنه من الجميل تمكن وسائل التواصل الاجتماعي كـ«فيسبوك» و«تويتر»، من خلق مساحات جديدة للكتابة والتجريب. وتابع قائلاً: «لكن الأجمل من ذلك هو أن نرى اهتماماً أكثر بالإبداع والتأليف رغم ما يُقال عن نسب تدني القراءة ومتابعة الكُتاب والمثقفين في عالمنا العربي. هذا بحد ذاته أمر جيد بصرف النظر عن السلبيات الكثيرة التي من الممكن التوقف عندها».
وأردف: «الأهم هو التجريب... ثم ما بعد ذلك تأتي الغربلة والتخلص من الكتابات الوهمية. فينتقل الذي يستحق من واقع افتراضي إلى واقع الحياة اليومي. وبهذه الطريقة نتخلص من الرديء، ونمنح الفرصة بالتساوي لجميع من أراد الكتابة».
وجبات معلبة
الشاعر والمدون الأردني نور الدين زهير، كان لديه نظرة تحليلية أكثر واقعية عمّا سبق، فهو يرى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشعراء والكُتاب، هو التأثير ذاته الذي نراه على المواد الفيلمية. وأوضح قائلاً: «شاهدت أكثر من إنتاج جديد لشركات الإنترنت، وجدتها تجنح إلى القصر بمدتها الزمنية، حتى لو كانت الفكرة تتطلب الإطالة. وتجنح للسهولة المفرطة، وتلقين المتلقي المعنى بـ(الملعقة). كما أنها تزوّر العُمق باستخدام حيل باهتة».
وتابع الشاعر الأردني: «ولأنها قصيرة وسهلة وغير واضحة، فهي تعتبر وجبات معلبة غير مشبعة وغير مغذية. العيب ليس في الوسيط الرقمي، والفرق ليس بين الشاشة والورق، العيب في الخوارزميات التي تتحكم بمن الذي ينتشر منشوره ومن لا. لذلك أنا ضد نشر الشِعر عموماً على شبكة الإنترنت، إلا مُسجّلاً عن طريقة تداوله في الواقع».
قيمة سوق عكاظ
الشاعر الأردني مروان البطوش بعكس زهير، يرى الشاعر الأردني مروان البطوش، أن الفيسبوك تحديداً، تحول إلى منصة مهمة للغاية، وقال: «لا أبالغ إذا قلتُ بأنّ الفضاء الأزرق هذا الذي نسمّيه «فيسبوك»، تحوّل إلى منصّة لا تقلّ - وربّما تزيد - عن قيمة سوق عكاظ في أوقات ازدهاره. لقد تمكن من صنع تركيبة سحرية دمجت بين ما هو رقمي وما هو وجداني إنساني. متى كان الواحد منّا يتخيل بأن خوارزميات منطقية جافة قد تكون منصة للشعر؟».
وأردف قائلاً: «النصّ الذي يتحدث عن الحب، إذا عدنا إلى كواليس الفيسبوك فسنجده عبارة عن (سكريبتات) بائسة تختبئ خلف حجاب ما أراده (مارك) وأعوانه. من يقلل من دور هذه المنصات في صنع سوق زرقاء للأدب، ربما يتخذ موقفاً مسبقاً، تتحكم فيه ردات الفعل أكثر من صنعه، من أي عرض سحري مدهش».
هامش حرية أعلى
الشاعرة الأردنية سنابل قنّو من جهتها، أشارت إلى أنها بدأت تتابع الكُتاب والشعراء عن قرب من خلال هذه المواقع، وقبل ذلك كانت عملية القراءة بالنسبة لها أكثر جدّية، وقالت: «لَم يكن لدي توقعات مسبقة عن جودة العمل، حيث لا يوجد مقاطع ينشرها الكاتب على صفحته من باب الإثارة والتشويق».
وتابعت قنّو: «كل من تعرفت إليهم في «فيسبوك» لم أقرأ لهم قبلها، هذا جعل القراءة أقل موضوعية في معظم الأحيان، لكنني محظوظة ببعضهم. الفيسبوك وصفحات التواصل المشابهة تشبه النشر في الجرائد سابقاً، مع هامش حرية أعلى مع انخفاض قليل في مستوى النص المنشور. كل ما في الأمر أنني أنظر للمسألة كونها تغيرات طبيعة سيحدث غيرها الكثير».