مع قدوم عيد الأضحى بطقوسه الدينية والاجتماعية إلى غزة المحاصرة، بما يقارب من مليون ونصف مواطن في أعلى بقاع الأرض كثافة سكانية؛ قياساً لمساحتها، وفي أعلى نسبة فقر تسجل في السنوات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، لا يزال الحرص على طقوس العيد موجوداً لدى أهل غزة، خاصة كبار السن، فيما تعرب بعض نسائها أيضاً عن رفضهن لبعض العادات المتبعة، والتي يعتبرنها قد أكل عليها الزمان وشرب.
عبير اللوزي، وهي ربة بيت ثلاثينية، تقول: «يوم عيد الأضحى كان له طقوسه الخاصة؛ حين كنا نذبح الخروف في باحة البيت، وتقوم أمي بقلي «الكبدة والقلب والكلاوي» لنا على مائدة إفطار أول أيام العيد، الأمر كان جميلاً، وطعم هذه الوجبة لا يُنسى، خاصة مع حرصنا على إعداد «خبز الرقاق» للفتة الغزاوية، والتي يحلو لمعظم سكان أهل غزة تناولها في غداء أول أيام العيد، وكانت الجارات يجتمعن يوم وقفة عرفات لخبز «الرقاق» في بيت إحداهن، ثم توزيعه، وذلك باستخدام الحطب، وقطعة مثنية من الصفيح تعرف بـ«الصاج» يخبز فوقها الرقاق، ويكون طعمه مميزاً يختلف كثيراً عن خبز «الرقاق» الذي نشتريه الآن من المخابز.
وتردف عبير قائلة: «الآن تغير كل شيء، فلم تعد هناك إمكانية مادية لشراء الخروف، بل ننتظر أن يقدم لنا بعض الأقارب والجيران كيلو من اللحم، أحتفظ به في الثلاجة لعدة أيام، حيث نتناوله مسلوقاً على وجبات وليس مرة واحدة. الوضع تغير؛ وكل ذلك بسبب الحصار والبطالة، فزوجي مثل غيره من أرباب البيوت الذين يعانون من البطالة، ولا يستطيع توفير متطلبات أسرته».
على الجانب الآخر تقول زينب وديع، وهي موظفة: «الحمد لله نحرص كل عام على ذبح الخروف في باحة البيت، ولكن ما ينغّص عليَّ فرحة العيد هو حرص زوجي على أن نتناول طعام الفطور والغداء في بيت والده؛ أي بيت العائلة. الأمر بالنسبة لي هو يوم من النكد؛ لأنني ألتقي بـ«سلفاتي»؛ أي زوجات أشقاء زوجي، واللاتي يعمدن للحديث والثرثرة، ويتركن لي إعداد الطعام والتنظيف بعده، علاوة على انتهاز «سلفاتي» هؤلاء الفرصة لاستعراض ما يمتلكن من حلي وملابس؛ وذلك لأن زوجي هو أقل أشقائه دخلاً، وطالما دارت النقاشات بيني وبين زوجي عن هذه الطقوس التي تضايقني، ولكنه يصرّ على أن هذه عادات قديمة ويجب أن نحرص عليها من أجل والديه العجوزين، حيث يصرّ والده على اجتماعنا هذا».
عن ذلك يقول الأخصائي الاجتماعي «يحيى بلبل» إن العادات الاجتماعية في غزة هي عادات آخذة في الاندثار، فغزة كغيرها من المجتمعات التي طغت عليها المدنية، وأصبحت العائلات متفرقة، فلم تعد هناك ظاهرة «بيت العيلة» الذي كان سائداً في الماضي إلا نادراً، وأصبح كل ابن يستقل مع عائلته ويأتي ضيفاً على والديه وأشقائه، ويقضي هو وأسرته أيام العيد في نزهات وجولات مستقلة، ويلعب العامل الاقتصادي دوراً في اندثار عادة تناول الفطور والغداء في بيت العائلة، كما كان متعارفاً عليه قديماً، وهذه العادة استمرت لأجيال وأجيال، ولكنها بدأت تندثر؛ بسبب الوضع الاقتصادي، وغالباً ما يقوم الأب الكبير بشراء أضحية ودعوة أبنائه لبيته، أو ذبح الأضحية وإهداء أولاده كمية من اللحم النيئ في بيوتهم، ولا تقام هذه الولائم القديمة؛ بسبب الوضع الاقتصادي أولاً، وبسبب تباعد العلاقات الاجتماعية، وأيضاً فقد تغيرت النفوس، وحلت الغيرة والحسد بين زوجات الأبناء، مما أوقع المشاكل بين الأشقاء، وربما تحيز الآباء الكبار والأمهات لأحد الأبناء على حساب الآخرين، وهكذا فإن هذه العادة الأصيلة أخذت في الاندثار -للأسف- رغم كونها من العادات الجميلة التي كانت تميز العائلة الفلسطينية في عيد الأضحى.
عادات مرفوضة وذكريات منسية في العيد
- أخبار
- سيدتي - نت
- 13 أكتوبر 2013