الثراء ليس شرطاً أساسياً لطول العمر أو للصحة الجيدة، يبدو أن للفقر إيجابياته الصحية في تمتع سكان كوبا المحظوظين نسبياً بعمر مديد مقارنة بغيرهم من أبناء الشعوب الأخرى الأفضل حالاً منهم اقتصادياً.
تحتفل ديليا بعيد ميلادها الـ102 بعد أن توقع الأطباء موتها بالسرطان بعد سنة واحدة قبل 42 سنة. وتقف ديليا باريوس أمام المرآة لتضع أحمر الشفاه ومساحيق التجميل، فهذه الكوبية تريد أن تطل بأبهى حلة احتفالاً بعيد ميلادها الثاني بعد المئة محاطة بأقربائها على غرار الكثير من مواطنيها المعمّرين، في ظاهرة تحيّر الخبراء.
وتقول ديليا "لا أشعر أنني بهذه السن. لديّ عائلة (…) تحبني كثيراً، هذا الأمر يساعد على التمتع بوضع نفسي جيد"، خلال تحريكها كرسيها المتحرك آلياً وعلى ركبتيها حفيدة حفيدتها باتريسيا ابنة السنوات السبعة.
وقد وُضعت شمعتان فقط على قالب الحلوى الخاص بالمناسبة. وتنفخهما ديليا وسط تصفيق المدعوين البالغ عددهم حوالي ثلاثين شخصاً في باحة مبنى في حي بلايا بالعاصمة الكوبية هافانا.
وعندما كانت في سن الستين، شخّص الأطباء إصابتها بسرطان القولون وتوقعوا ألا تعيش لأكثر من سنة إضافية. لكنّها لم تصدّق هذا التشخيص، وغادرت كوبا سنة 1993 في أوج الأزمة الاقتصادية إلى الولايات المتحدة حيث يقيم ابنها. وقد عادت إلى كوبا وتعيش مع حفيدتها يومي البالغة 59 عاماً، حسب موقع «العرب».
معدل الدخل الشهري للكوبيين 30 دولاراً لكنهم يعيشون لغاية 79 عامًا
ويعيش في كوبا 2070 معمّراً من أصل عدد سكان إجمالي يبلغ 11.2 مليون نسمة وأمد حياة متوقع عند 79.5 عامًا. هذه الأرقام شبيهة بتلك المسجلة في البلدان الغنية، رغم أن معدل الدخل الشهري لا يتخطى 30 دولاراً.
وفي هذا البلد الاشتراكي ذي الكثافة الكبيرة من الأطباء والنظام الصحي المجاني، يشجع «نادي الأشخاص المعمرين البالغين 120 عاماً» السكان على أن يطمحوا للعيش حتى هذه السن.
ويؤكد الطبيب راوول رودريغيز رئيس هذه المؤسسة التي أنشأها يوخينيو سلمان حسين الطبيب الشخصي لفيدل كاسترو سنة 2003: "لقد أثبت علمياً أن الإنسان بإمكانه أن يعيش حتى 120 إلى 125 عاماً". ويحاول هذا النادي "الترويج لاعتماد نمط حياة سليم؛ لأنه الطريقة الوحيدة لبلوغ هذا السن". ويتمتع المعمّرون الذين تخطوا سن المئة بالعناية الأكبر.
ويشير أستاذ الاقتصاد في جامعة كينغز يونيفرسيتي كولدج في كندا فنسنت غيلوزو إلى أن الأطباء الكوبيين “لديهم أرقام يتعين عليهم بلوغها وإلا فإنهم يحاسبون”. كذلك يتطرق غيلوزو إلى عمليات تلاعب إحصائية مشابهة لما كان يحصل إبان حقبة الاتحاد السوفييتي سابقاً.
غير أن الباحث يلفت إلى أنه "حتى في أسوأ سيناريوهات التلاعب، تبقى كوبا مكاناً ذا متوسط عمر متوقع مرتفع مقارنة بمستوى الدخل في البلاد". ويعزو غيلوزو هذه "المفارقة" خصوصاً إلى عامل أساسي هو أن “كوبا تسجل أحد أدنى معدلات حيازة السيارات (…) ليس لأن الكوبيين لا يحبون القيادة، بل لأنهم غير قادرين على تكبد نفقات شراء مركبات جديدة”، ما يقلص خطر حوادث المرور.
كما يتحدث عن قيود غذائية فرضت خلال الأزمة الاقتصادية في التسعينيات أدت إلى تقليص معدلات الإصابة بالسكري، فضلاً عن "تدابير زجرية في مجال الصحة العامة" مثل وضع المصابين بفيروس "إتش. آي. في" المسبب لمرض الإيدز في الحجر الصحي خلال الثمانينات.
ويقول غيلوزو: "كوبا تنجح بصورة كبيرة في إطالة عمر سكانها"، لكنه يتساءل "إذا ما خيّرنا الكوبيين بين العيش سنة إضافية أو على سبيل المثال الحصول على رواتب أعلى أو مستوى تعليمي مختلف، فماذا سيختارون؟".