لا يزال علماء الأنثروبولوجيا والآثار والتاريخ، يعملون جاهدين باكتشافاتهم ودراساتهم؛ لمعرفة أصول الكائنات الحية ومنابتها وأجدادها الأوائل. وفي كل يوم يظهر هنا أو هناك بأماكن مختلفة من العالم، أحفورة أو أثر أو هيكل عظمي أو رفات أحد هذه الكائنات، يُقرب العلماء من هدفهم. ومؤخراً، استطاع عدد من الباحثين والعلماء من جنسيات مختلفة، أن يجدوا الموطن الرئيسي للأبقار والثيران الحديثة التي تعيش في وقتنا الحاضر، وذلك بعد أن عملوا على تحليل العديد من عينات الحمض النووي لبقايا مواشي كانت موجودة في أراضي الحضارات القديمة، مثل مصر في عصور الفراعنة، وبلاد ما بين النهرين «العراق»، بعدد من حضاراتها؛ كالسومرية والبابلية والآشورية.
ووفقاً لما ذكره موقع «سبوتنيك» الروسي، أن هذه العظام، التي تم اكتشفاها مؤخراً، تنتمي إلى أبقار المزارع وأسلافها البرّية، الثيران المعروفة باسم «بوس بريميغينيوس Bos primigenius». وأكدت الدراسة أن تربية الماشية كانت قد نشأت في الأساس في بلدان ومناطق الشرق الأوسط، موضحة أن القبائل في تلك المناطق كانت تربي «الثيران الأوروبية البريّة»، ومشيرة إلى أن تلك الأبقار والثيران، لا تشبه التي نعرفها اليوم في الوقت الحاضر، وذلك كونها تزاوجت مرات عديدة لا تحصى مع أنواع أخرى.
وتابعت الدراسة التي نشرتها صحيفة «سيانس» العالمية، أن الماشية للمزارعين الأوائل في كل من آسيا وأوروبا، كانت اختلطت مع «ذوات الحوافر» المحلية، واكتسبت صفاتها المميزة لها من خلال هذا التزاوج والاختلاط. وبيّنت أيضاً أن التغييرات الأكثر تأثيراً وأهمية، هي تلك التي حدثت قبل ما يقارب الـ4 آلاف عام في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تزاوج أبقار تلك المناطق مع الثيران الهندية المعروف بماشية «زيـبـو»، ونتاج هذا التزاوج أخرج لنا أسلاف السلالات الآسيوية والأفريقية الحديثة.
كان من المعروف أن ماشية «زيبو»، التي كان سكان ما يُعرف بـ«وادي السند»، في منطقة باكستان الحالية وشمال غربي الهند، بدأوا بتربيتها منذ 8 آلاف عام، وانتشرت بشكل كبير في العصر البرونزي. كانت لديها القدرة على التكيّف للعيش في المناطق شبه الاستوائية الجافة، ما أدى إلى أن جيناتها ساعدت الماشية الآسيوية على تحمل عجز الرطوبة بسهولة أكبر وتحمل هذه الظروف.
وتابع الباحثون في هذه الدراسة، أنه عندما أصبح مناخ الأرض أكثر جفافاً منذ 4 آلاف عام، العديد من أنواع الثيران والأبقار لم تتمكن من التكيف مع هذه الظروف الجديدة، بعكس ماشية «زيبو» التي كانت معتادة على نقص المياه، وهو الأمر الذي ساعدها على الانتشار في مناطق واسعة. وأكد الباحثون كذلك أن الأبقار القديمة التي كانت تعيش في «وادي السند»، من الممكن رؤيتها في عصرنا الحالي في جميع المناطق المدارية من الكوكب.