تتسم الحياة العصرية بتسارعها الشديد، خاصةً مع كثرة الأحداث والمُلهيات، الدراسة والعمل وتزايد متطلبات الحياة، لذا غالباً ما يجد الشخص نفسه يعاني من ضغوط ومشكلات كبيرة، يعتقد أنها ستقضي عليه، ويرمي باللوم على مَن حوله، لأنهم لم يقدموا له يد العون والمساعدة، وتركوه وحيداً يواجه مصيره. قد تتعاظم هذه المشاعر حتى تؤدي إلى الإصابة بأمراض نفسية خطيرة، تقلب حياته رأساً على عقب.
هذا ما أوضحته وفاء القرزي، الاختصاصية النفسية والحاصلة على شهادة الماجستير في علم النفس الإرشادي التي كشفت أفضل الطرق للتخلص من هذه المشاعر السلبية.
مقابل العطاء
تقول الأخصائية «وفاء»: «من الجميل أن يكون هناك مَن يقدم لنا الحب والتقدير والاهتمام، فكم من كلمة صغيرة، أو لفتة لطيفة من أشخاص يقدِّروننا، جعلت يومنا سعيداً، ودفعتنا للانطلاق في الحياة ومواجهة المواقف والأحداث المختلفة بروح طيبة وقوية، وعرَّفتنا بقيمتنا الكبيرة لديهم، خاصةً إذا كنا ممن يساعد الجميع كثيراً، وينتظر منهم تقدير هذا العطاء وردَّه. وإذا لم نجد مَن يقدم لنا الحب والتقدير والاهتمام متى ما احتجنا إليه، نتساءل بحزنٍ عن السبب، ولماذا لا يوجد أشخاصٌ يهتمون بنا في حياتنا».
وأوضحت أن هذه المسألة تحتاج إلى نقاش عميق مع الذات للإجابة عن هذا السؤال، ويجب طرح أسئلة عدة هنا، منها: هل أنا السبب، أم هم السبب؟
توسل الاهتمام
هذا الأمر يدفع بعض الأشخاص إلى طلب الاهتمام دائماً، بل والتوسل للحصول عليه، مع الأسف، فإذا كان يومه سيئاً، فإن أبسط ما يفعله إلقاء التبعات والأسباب على الآخرين، لأنهم لا يهتمون به، ولا بوجوده، ويتساءل هنا: مع مَن أشارك يومي، وإلى مَن أذهب وأحكي مغامراتي، وأشكو همي؟
ونلاحظ دائماً تكرار الضمير «هم» في كلامه، «هم لا يهتمون بي، هم لا يتصلون، هم لا ينصتون إلي»، وغيرها من العبارات التي تحمل في طياتها معاني العتب وخيبة الأمل، فمَن السبب في ذلك؟ هل هم الآخرون حقاً، أم هذا الشخص نفسه، لأنه متطلبٌ كثيراً، ويحب السيطرة على الآخرين، ويرغب في دمج عالمه بعالمهم، ويرى أنه لا بد أن تكون هناك نقاط اشتراك كبيرة في حياتهم، وأن يكونوا موجودين في كل مكان وكل نشاط وكل موقف يمر به؟
العطاء المزيف
علاقات مثل هذه، تجعل من الصعب أن يكون العطاء فيها صادقاً، فدائماً ما يكون مصطنعاً ومتكلفاً، ويصل هؤلاء إلى نقطةٍ يتوقف فيها عطاؤهم المزيف، ليذهب كل شخصٍ في طريقه بسبب الضغوط المفروضة عليهم، والتدقيق على كل كلمة، أو تصرف ليس فيها اهتمام بالطرف الأول.
الحب دون شروط
في هذه الحالة، هل يكون الفرد المعطاء الذي يهتم بالآخرين، ولا يجد مَن يهتم به أو يقدِّره، هو السبب؟ الجواب: نعم هو السبب، لكن لماذا؟ لأنه ربط عطاءه بمقابل، ولأنه لم يحب نفسه ويقدِّرها حق تقديرها، بل ربطها بالآخرين وبعطائهم له، أي أحبَّ نفسه بشروط وقيود!
وهناك قاعدة لا بد أن يضعها كل شخص نصب عينيه: «إن وُجد مَن يهتم بي، فسيكون جميلاً، لكن الأجمل منه أنني موجود لأحب نفسي، وأقدِّرها، وأهتم بها».
نصائح للشباب للتوقف عن لوم الآخرين
- عدم وجود بعض الناس معك في أوقات معينة لا يعني أنهم لا يحبونك، أو لا يهتمون بك، فأنت قد تجدينهم في أوقات أخرى، وليس من الضرورة أن يكونوا معك في كل مواقف حياتك.
- توقفي عن لوم الآخرين، وقدِّري نفسك، واكتشفي ما يساعدك على الاهتمام بها.
- توقفي عن إهدار وقتك وجهدك في انتظار أحدهم، أو لومه وعتابه، فالحياة فيها زوايا كثيرة تناسبك، فقط تحتاج إلى أن تكتشفيها، وتكتشفي نفسك.
- دعي الآخرين يرون أنك شخص قادر على التعامل مع مشاعرك السلبية، ومواقفك المحبطة بثبات ووعي، وعدم احتياجك للآخرين، وعندما تصبحين هكذا، سينجذب الآخرون إليك تلقائياً، لأنك لن تخنقيهم باهتمامك وطلبك لاهتمامهم، وستمنحيهم مساحة من الحرية ليقدموا لك مشاعر صادقة.
- لإبداء اّرائكم والأفكار التي تودون تناولها في قسم " شباب وبنات " راسلونا على الإيميل الخاص بالقسم
-
وسنقوم بالإجابة أو العمل على الموضوعات فى أقرب وقت من الإرسال