ظاهرة عزوف الأزواج عن إنجاب الأطفال، ظاهرة عالمية مخيفة بدأت في الصين واليابان، وانتشرت في كل أرجاء أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
وحذر عدد كبير من خبراء علم الاجتماع والنفس من تنامي هذه الظاهرة التي تهدد ظاهرة التكاثر البشرية الطبيعية لكل بلد
ويسجل عدد الأزواج الأمريكيين الذين يتخذون قرار عدم إنجاب الأطفال زيادة ملحوظة؛ إذ يفضلون الاستعانة بحيواناتهم الأليفة وتدليلها كبديل مثالي عن تكلفة إنجاب الأطفال وتبعاتها النفسية والمادية والجسدية المختلفة، وفقاً لموقع «بي بي سي» البريطاني.
مع كلبة صغيرة
تجلس ليزا روتشو إلى جانب زوجها كاميرون ويلار، في مدينة يبسيلانتي، بولاية ميشيغان الأمريكية، بينما تحبو كلبتهما الصغيرة «أيري»، من فصيلة هاسكي السيبيرية، وتداعبهما.
ورغم أن أيري، التي لا تكف عن محاولة القفز من الأريكة، عضو جديد في الأسرة، إلا أن روتشو وويلار يبدو عليهما الارتياح لشعورهما بـ«الأبوة» و«الأمومة» للمرة الأولى.
الكلبة الصغيرة «أيري» طفلتهما
روتشو، 24 عاماً، في عام تخرجها في الجامعة وتدرس العمل الاجتماعي، بينما يعمل ويلار، البالغ من العمر 26 عاماً، معلماً لمادة التاريخ في مدرسة ثانوية ويعد دراسات عليا، وهما يعيشان مع الكلبة «أيري»، التي تبلغ من العمر تسعة أسابيع، ويشكلون عائلة متكاملة.
تقول روتشو: «أشعر كأنني كنت سأتنازل عن الكثير من جوانب حياتي لأكون أماً، فذلك يكلف المال والوقت، كما يحول بينك وبين أشياء ترغب في عملها».
ويضيف ويلار أنه في حال إنجاب طفل، كان سيساوره القلق الدائم عليه «أكثر من غالبية الآباء والأمهات».
وتقول روتشو إنها علمت برغبتها في عدم إنجاب أطفال منذ أن كانت في المدرسة الثانوية.
وتضيف: «كانت الكلاب من الأشياء التي أبحث عنها على الدوام في حالة عدم إنجاب أطفال».
وعندما التقت روتشو بزوجها ويلار في أحد المهرجانات الموسيقية، كان لديه نفس الإحساس تجاه عدم إنجاب الأطفال.
الخوف من تغير المناخ
ويقول ويلار: «أعتقد أنني في وقت ما خلال دراستي الجامعية، على الأرجح في مرحلة الدراسات العليا، بدأت أنخرط نوعاً ما في الأجواء السياسية، وتعرفت أكثر على قضايا التغير المناخي. وتبنيت وجهة نظر لا ترى أن إنجاب طفل ليعيش في هذا العالم من ضمن مسؤولياتي».
ويمثل الزوجان مجموعة كبيرة اتخذت قرار البقاء والعيش بدون إنجاب أطفال، إذ يشعران أن المال الذي يدخرانه نتيجة عدم إنجاب طفل يمكن استثماره في الاجتهاد لمواصلة المستقبل الوظيفي لهما، وفي ممارسة هوايتهما، كما يمكن أيضاً أن يجعل حياة «أيري» أفضل.
خيار عدم إنجاب الأطفال يزداد
سجلت نسبة الأزواج الذين لا ينجبون أطفالاً في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا زيادة خلال العقود الماضية، وسجلت نسبة الأزواج الذين لديهم أطفال في عام 1970 نحو 40 في المئة، بينما لم تتجاوز نسبة الأزواج الذين لديهم أطفال في عام 2012 نحو 20 في المئة، بحسب المكتب الأمريكي للإحصاء.
وعلى الرغم من أن هذا الإحصاء لا يأخذ بعين الاعتبار الأزواج غير المرتبطين بعقود زواج رسمية ولديهم أطفال، إلا أنه يظهر تغيراً في الوحدة الأسرية التقليدية.
ينفقون أكثر على حيواناتهم الأليفة
وأظهر بحث أجراه المكتب الأمريكي للإحصاء أن الأزواج الذين ليس لديهم أطفال يعيشون معهم في المنزل ينفقون أموالاً على حيواناتهم الأليفة أكثر، مقارنة بأي أسرة تقليدية خلال الفترة بين عامي 2007 و2011 (ربما تشمل هذه الأرقام الأزواج الذين كبر أولادهم وانفصلوا عن الأسرة).
وكان لدى بلاكستون وزوجها قطة، وتبين أنهما يعانيان من حساسية منها، والتقت بلاكستون أثناء بحثها ودراستها لموضوع الحياة بدون إنجاب أطفال، العديد من الأزواج والأفراد، الذين اعتبروا حيواناتهم الأليفة شيئاً أشبه بالأطفال.
وتقول: «أحد الأمثلة الصارخة كان رجلاً (لم ينجب أطفالاً) قابلته، وكان قد ترك وظيفته حديثاً؛ لأنه علم من طبيبه البيطري أن كلبه سيموت بعد فترة وجيزة، وأراد أن يكون مع كلبه أثناء الأسابيع المتبقية من حياته».
وتضيف: «كان يعتني بكلبه كما يفعل أي شخص مع أحد أبنائه أو أحد والديه المرضى».
صراع زوجين مطلقين
التقت بلاكستون أيضاً زوجين لم ينجبا الأطفال، وحدث طلاق بينهما، وكان عليهما تحديد من يتولى الوصاية على قططهما.
وتقول بلاكستون: «كانا يعتبران قططهما بمثابة أطفال لهما»، وانتهى الأمر بالاتفاق على بقاء أحد الزوجين مع القطط في المنزل، بينما وافق الآخر على حقوق الزيارة المنتظمة لها».
توجد عدة تعريفات للحيوان الأليف، الذي يعتبره البشر بديلاً مثالياً ومناسباً عن إنجاب أطفال، بيْد أن فكرة عدم الإنجاب واستبدالها بحيوانات أليفة تعد موضوعاً مثيراً للجدل في مجتمع الراغبين في عدم إنجاب أطفال.
ويجذب موقع على الإنترنت 594 ألف عضو يناقشون خياراتهم في العيش بدون إنجاب أطفال، ويبرز الجدل في اعتراض البعض على فكرة المساواة بين الطفل والحيوان الأليف، بينما يعترف آخرون على الفور بأن لديهم مجموعة من «القطط بدلاً من الأطفال».
وتقول ماكسين ترامب، زوجة لم ترغب في الإنجاب ومنتجة فيلم بعنوان «إما طفل أو لا طفل» يلقي الضوء على الصورة النمطية المرتبطة بأولئك الذين يختارون عدم إنجاب أطفال: «نحن نعتبر قطنا جزءاً من أسرتنا، لكنني بالتأكيد لا أعتبر القط ابني الصغير».
تكلفة العناية بالحيوان
وأضافت: «دخلت الكلبة غرفة الطوارئ الخاصة بالكلاب. وبلغت تكاليف العلاج أقل من ألف دولار، وأتوقع أن يكون دخول طفل صغير غرفة الطوارئ في سيارة إسعاف، أو حتى مجرد دخوله غرفة طوارئ، لن يتكلف أقل من ألف دولار. لا يمكن أبداً». (تقديراتها صحيحة بالنسبة للتكلفة في كثير من الحالات في الولايات المتحدة).
لكن بالإضافة إلى ترشيد النفقات، تقول روتشو إن قرارهما يوفر عليهما أيضاً «تكلفة عاطفية» نتيجة وجود أطفال.
وتقول روتشو: «أنا أعمل في مجال المجتمع. وأعرف حاجات البشر. وأشعر بالفعل أنه ليست لديّ القدرة على إعطاء الطفل كل ما يحتاجه».
لكن بالطبع يجد هؤلاء الأزواج معارضة من الأسر التقليدية على اختيارهم عدم إنجاب الأطفال، وتفضيلهم عليهم حيوانات أليفة، ويجدونه خياراً يتنافى مع غريزة الأمومة والأبوة البشرية الطبيعية.