ظلّ المدراء لفترات طويلة يستغلون سطوتهم الإدارية والمالية في التحرش بموظفاتهن، أو التأثير عليهن، مستغلين وظيفتهم إما لإقناعهن بإقامة علاقة عاطفية دائمة أو عابرة تحت الوعيد والتهديد، وبعض المدراء يقومون في سبيل ذلك بترقية موظفة ما أو رفع راتبها لترضى بعلاقة ودية خلال عملهما في مؤسسة واحدة، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية أخرى عند وجود علاقة عاطفية لاثنين بمؤسسة مهنية واحدة، ما يجعل للموظفة حظوة غير عادلة مع زميلاتها الرافضات لإقامة أي علاقة عاطفية أو جنسية مع زملاء لهن في العمل، خاصةً إذا كان أحدهم رئيسها في العمل.
وحدث في الفترة الأخيرة الماضية، استقالات بالجملة من قبل رؤساء تنفيذيين بكبرى الشركات الأميركية بسبب حركة «مي تو»، إذ أن العلاقات العاطفية في مكان العمل صارت منذ انطلاق هذه الحملة تخضع لأطر تنظيمية أكثر صرامة، تحظر على الموظفين المواعدة أو إقامة علاقة جنسية.
العلاقات العاطفية أمر منتشر نسبياً في أماكن العمل، إلا أنها باتت تخضع لأطر تنظيمية أكثر في الولايات المتحدة في خضم حركة «مي تو».
ووضعت الشركات الأميركية خصوصاً الكبرى منها، منذ سنوات، قواعد سلوك لموظفيها وقد اعتمدها عدد متزايد من الشركات أخيراً، ففي «ماكدونالدز» على سبيل المثال، «تُحظر على الموظفين الذين تربطهم علاقة عمل هرمية مباشرة أو غير مباشرة، المواعدة أو إقامة علاقة جنسية»، وفق موقع «العرب».
وكان ستيف إيستربروك «مطلق وأب لثلاثة أطفال» بحكم مركزه كرئيس تنفيذي لـ«ماكدونالدز» مسؤولاً عن إنفاذ ما كان يعرف بـ«معايير السلوكيات في العمل» في شركة الوجبات السريعة العملاقة هذه.
وقد انحرف إيستربروك عن تلك القواعد وأجبر على الاستقالة الأحد بعد تورطه في «علاقة بالتراضي مع موظفة».
وإيستربروك هو الأحدث في سلسلة طويلة من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين استقالوا أو طردوا بسبب انتهاكهم قواعد الشركة المتعلقة بالعلاقات بين الموظفين.
مدراء «بست باي» و«إنتل» والنائبة الديمقراطية «كايتي هيل» سبقوا مدير ماكدونالدز للمصير نفسه
وفي العام 2012، استقال براين دان من منصب المدير التنفيذي لسلسلة الإلكترونيات الاستهلاكية «بست باي» بعد اكتشاف «علاقته الوثيقة» بموظفة تبلغ من العمر 29 عاماً. كما استقال براين كرزانيتش الرئيس التنفيذي لشركة «إنتل» العملاقة لأشباه الموصلات من منصبه العام الماضي بسبب انتهاكه سياسة عدم الدخول في علاقة حميمة التي وضعتها الشركة.
وتطول القائمة التي لا تقتصر الأسماء فيها على مجالس إدارة الشركات أو الرجال، فقد استقالت كايتي هيل العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي من كاليفورنيا الأسبوع الماضي بعد اعترافها بأنها كانت على علاقة بموظف في حملتها الانتخابية.
ممنوع الحب والعلاقات في العمل ليس من أجل التحرش وإنما للمحسوبية وتضارب المصالح
ووفقاً لجمعية إدارة الموارد البشرية، كان 42 بالمئة من الموظفين في الولايات المتحدة في العام 2013 يعملون لدى شركات تملك سياسات مكتوبة أو شفهية في ما يتعلق بالعلاقات الغرامية في مكان العمل. والهدف من هذه السياسات ليس منع التحرش الجنسي فحسب، بل أيضاً المحسوبية وتضارب المصالح.
وقالت المحامية جولي مور إن القواعد جرى تطبيقها بشكل أكثر صرامة منذ انطلاق حركة «مي تو» بعد فضيحة المنتج الأميركي هارفي واينستين المتّهم بالتحرش والاعتداء الجنسي.
وأوضحت مور «لقد ساعدت حركة مي تو، على تحديد العلاقات في مكان العمل بشكل أفضل. سواء كانت علاقة عاطفية بالتراضي أو غير ذلك، يمكن أن تكون هناك أرضية خصبة للتحرش الجنسي».
وتزداد احتمالات حصول هذا الأمر خصوصاً عندما تشمل العلاقة رئيساً ومرؤوساً. وتابعت: «الرئيس التنفيذي هو أقوى شخص في الشركة. عندما تكون هناك سلطة هل يمكن أن تكون العلاقة رضائية؟».
وأضافت «بسبب التباين في السلطة، سيتم النظر في ما إذا كان هناك تراض حقيقي في العلاقة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، يمكن المرؤوس أن يقول بسهولة في مرحلة ما إنه كان انتهاكاً لسياسة التحرش الجنسي».
وقال جوني تايلور رئيس جمعية إدارة الموارد البشرية إن علاقات غرامية ستنشأ على الدوام في مكان العمل. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته هذه الجمعية، يقيم شخص واحد بين كل ثلاثة أشخاص حالياً علاقة عاطفية في مكان العمل أو كان جزءا من واحدة في وقت سابق.
وأفاد تايلور في بيان «بسبب الوقت الكبير الذي نمضيه في مكان العمل، ليس من المستغرب أن تتطور المشاعر والعلاقات فيه». وأشار إلى أنه «من غير المنطقي منعهم. وبدلاً من ذلك، يجب تشجيع الموظفين على الكشف عن العلاقات. فهذه هي الطريقة الأكثر فعالية للحد من المحسوبيات والثأر والتحرشات الجنسية».