لفترات طويلة ظلّ العلماء يعتقدون أن سير الكائنات الحيّة بشكل قطيع منظم -كالذئاب أو الدلافين- التي تسير بشكل منتظم يقودها الفرد الأقوى في القطيع، أمر حديث نسبياً، ولم يكن له أي أثر مكتشف سابقاً في التاريخ. إلا أن هذا الاعتقاد قد تغير عندما اكتشف فريق علماء دوليين في المغرب، حفريات لمخلوقات قديمة تُعرف بثلاثيات الفصوص، عاشت قبل أكثر من 480 مليون عام، سجلت واحداً من أقدم أنماط السلوك الجماعي بين الحيوانات. حيث كشفت الحفريات كيف كانت هذه المخلوقات تصطف بهجرة جماعية وفي خطوط منتظمة.
وبحسب ما نشره موقع ساينتفك أمريكان، بنسخته العربية، أن دراسة حديثة شارك فيها علماء مغاربة ضمن فريق علماء دوليين بجنسيات مختلفة، نُشرت مؤخراً في الدورية العلمية ساينتفك ريبورتس، تفيد بأنه تم العثور في منطقة فزواتة الواقعة في إقليم زاكورة بالمغرب، على قطيع لحيوانات ثلاثي الفصوص القديمة التي عاشت على كوكبنا قبل ما يزيد عن الـ480 مليون عام، كانت تسير في قاع المحيط عبر صفوف منتظمة تُشكِّل نقاط اتصال بين رأس الحيوان الأول بذيل التالي، وخلّفت خطوطاً تبدو وكأنها تصور حركات من يؤدون ما يشبه الرقصة الكوبية المعروفة باسم «الكونغا».
وتابع ساينتفك أمريكان، أن جون فانييه، أحد العلماء المشاركين في الدراسة، كان قد صرح قائلاً بشأن هذا الاكتشاف، بأنه يزيح الغموض عن السلوك الجماعي والاجتماعي لبعض أنواع الكائنات الحية التي عاشت في عصور ما قبل التاريخ. ما يؤكد بأن هذه الحيوانات المنقرضة تمكنت من تطوير سلوك جماعي منظم لم يكن ظاهراً للعلماء من قبل.
ويُشار إلى أن حيوانات ثلاثي الفصوص، من نوع مفصليات الأرجل التي عاشت قديماً في المحيطات بالفترة ما بين 520 و250 مليون عام. وكانت تترواح أحجامها ما بين الملليمتر الواحد والـ70 سنتيمتراً حسب نوعها. وكان بعضها يسبح في الماء والآخر في الجحور. ومن جانبها، قالت خديجة الحريري، أستاذة الحفريات بجامعة القاضي عياض بالمغرب، والباحثة المشاركة في الدراسة، أن هذا الكشف العلمي المهم، بمثابة دليل قاطع على السلوك المنتظم الذي كانت تتبعه هذه الكائنات، ما يجعل العلماء يفترضون أنها تنتقل من مكان تجتمع فيه للتكاثر أو للهجرة.
وتابع الموقع العلمي: إن هذه الكائنات البدائية كانت فاقدة لحاسة البصر، وللمتابعة في هجراتها يعتقد العلماء بأنها كانت تفرز إشارات كيميائية للتواصل مع بعضها، أو أن كلاً منها يشعر بوجود الآخر الذي يسبقه في الصف عبر قرنيّ استشعار، ما يعني أن قائد القطيع كان حيواناً أعمى يقود قطيعاً من العميان إلى وجهتهم.