أظهر بحث استطلاعي أجراه فريق بحثي من جامعة فيينا في أوغندا وكينيا دوافع ومبررات لأكل الطين؛ حيث خلص الباحثون إلى أن هذه الظاهرة موجودة أكثر انتشاراً بين النساء الحوامل واللاتي ذكرن أن رغبة جسدية لديهن لا يستطعن في الغالب تفسيرها هي التي وراء تناولهن هذه الكتل الصخرية.
ظاهرة وحم الصخور:
- ذكرت الكثير من الحوامل أن التربة تساعدهن ضد حالة الغثيان والحموضة التي تنتابهن صباحاً، وأن روائح هذه التربة بشكل خاص ذات جاذبية لهن تشبه رائحة التربة المبللة عقب سقوط المطر أو رائحة لبنات الطين التي تم حرقها للتو.
- عن ذلك، تقول الإفريقية جويس أندالو، التي تعد زبونة دائمة لدى نيكولاس موتيسيا الذي يبيع الأحجار في سوق تواً إلى جانب شباشب وحقائب وحبال غسيل: «إنه يصيب بالإدمان، يسيل لعابي عندما أراه».
- وكانت أول مرة تتذوق فيها أندالو التي تبلغ من العمر الآن 34 عاماً هذه القوالب الطينية عندما كانت لا تزال فتاة صغيرة في السن، حيث اشترت أمها بعض هذه القوالب.
- تقول أندالو إنها تحاول اليوم رؤية هذه الوجبة الخفيفة من الطين على أنها مكافأة مثلها مثل كوب من الجعة بعد يوم عمل شاق، حيث تأكل هذه القطع الحجرية اللذيذة لها عقب وجبة العشاء أو الغداء أو بينهما.
- وأضافت أندالو إنها أكلت خلال آخر حمل لها أربع إلى خمس قطع من هذه القوالب الكبيرة، مضيفة بشيء من الحيرة: «يومياً».
- هذه الظاهرة كثيرة الانتشار، حيث تأكل ماري جيتونجا على سبيل المثال هذه القطع الطينية اليابسة منذ نحو أربع سنوات وتأكل نحو نصف قطعة يومياً في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن شهيتها لهذا الطين ازدادت أثناء الحمل.
- وإذا كان بعض الباحثين يرجحون نقص الحديد كسبب أساسي لظاهرة أكل الطين، فإن باحثين من جمهورية غيانا الفرنسية قالوا إنه بالرغم من عدم ثبوت هذه الفرضية علمياً فإن هناك الكثير من المؤشرات على صحتها، كما أن المواد التي تحتوي عليها التربة الطينية يمكن أن تقي من تسممات.
- ويأكل الإنسان الطين منذ الأزل، حيث اكتشف باحثون من جمهورية غويانا الفرنسية على الحدود بين زامبيا وتنزانيا شرق إفريقيا أن الإنسان الذي عاش في الفترة ما بين العصر الجيلازي والعصر البليستوسيني كان يجمع أنواعاً خاصة من التربة ويأكلها.
- وحسب هؤلاء الباحثين، فإنه قد عثر في مناطق حفر أوربية أيضاً على أسنان تعود إلى العصر الحجري الحديث عليها آثار تآكل جراء تناول هذه الأحجار.
- وقالت كوتاليك، الباحثة في علم الإنسان الطبي بجامعة فيينا، إن أكل الطين كان منتشراً في أوربا حتى مرحلة متقدمة من العصر الحديث وإن هذه الظاهرة لا تزال موجودة في أجزاء في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية والهند وبلدان إفريقية.
- وحسب كوتاليك، فإن هناك في أوربا محلات سوبر ماركت معروفة بغرائب الأطعمة تبيع الطين المخصص للأكل؛ ولكنه من غير المعروف عدد الناس الذين يتناولون هذا الطين فعلاً.
- يعالج سامسون مابوغا فانيالا، طبيب النساء والولادة في مستشفى نيروبي بكينيا، يوميا نساء اعتدن أكل الطين ويفسر شهيتهن للطين كالتالي: «هذا رد فعل نفسي للجسم تجاه شيء ينقصه».
- ورأى الطبيب فانيالا أن النساء يلجأن إلى أكل الطين، لأنهن يحتجن إلى الكثير من الكالسيوم.
- ويمارس هذا الطبيب مهنته منذ سبعينيات القرن الماضي في كينيا، ويقول إن ظاهرة تناول الطين موجودة في المدينة والقرية على السواء، وإن استهلاكه لم يتغير على مدى العقود الماضية.
- ويوضح فانيلا أن أكل الطين ينطوي على مخاطر للنساء؛ «فبينما ترضي هذه النساء شهوتها من خلال تناول الطين فإنهن يصبن في الوقت ذاته بأنواع من العدوى».
- وأشار المتحدث إلى أن البضاعة لا تعامل بشكل نظيف وتوضع متناثرة على الأرض كأنها مواد بناء؛ وهو ما يجعل الإصابة بحالات الإسهال والأمراض الديدانية أمراً غير نادر بين النساء اللاتي يأكلن الطين.
- ومن جانبها، أوضحت كوتالك أنه لا توجد دراسات علمية يعتمد عليها عن تأثير الطين على الجسم الإنساني؛ ولكن من الواضح أن الكثير من هذه الأنواع من الطين تحتوي على معادن ثقيلة، ربما تكون ضارة بالصحة؛ بل إن باحثي غويانا يعتقدون أن الطين يزيد نقص الحديد سوءاً، ويؤدي إلى الإصابة بتسممات ويحذرون من تناوله.
- ومع ذلك، فإن أندالو، وهي أمّ لاثنين من الأبناء، لا تزال متمسكة بقوالبها الطينية الحجرية. وقالت أندالو إنها أقلعت عن تناول الطين فترة قصيرة أثناء حملها الأخير عندما أعطاها طبيبها مكملاً غذائياً؛ «ولكن ذلك استمر بضعة أشهر فقط عقب الولادة..» حسبما قالت أندالو ضاحكة ومنتشية بتناول قطعة طين في حجم حبة الجوز.
- يأكلُ الأفرادُ الذين يعانونَ من اضطراب بيكا مواد بلا أيّة قيمةٍ غذائيّةٍ بشكلٍ مرضيٍّ وقهريّ، فقد يأكُل شخص يعاني من هذا الاضطراب مواد غير ضارّةٍ نسبياً كالثلجِ، أو قد يأكل مواد يُحتَمَلُ أن تكون خَطِرةً: كقشورِ طلاءٍ جاف، أو قطعٍ معدنيّة. وفي الحالةِ الأخيرة، يُحتَمَلُ أن يؤدي الاضطراب إلى تبعاتٍ بالغةِ الخطورةِ؛ كالتسمُّم بالرصاص. وغالباً ما يُصيبُ هذا الاضطرابُ الأطفالِ والنساءِ الحوامل، ولكن لا داعي للقلق؛ فهو غالباً ما يكون مُؤَقتاً ويختفي مع مرورِ الوقت.