يترتب على كل من يطلب النجاح أن يتقن عمله ويتميز به إلى أبعد الحدود، وربما في بعض الأحيان يكون من الواجب عليه أن يكون هو الأفضل والأبرز في مجاله بحيث يتقن كل فنونه وأساليبه القديمة منها والحديثة ليتمكن من الصمود في موقعه وتلبية كل ما هو مطلوب منه، والنهوض بالعمل وتطويره في كل مراحله.
تعتبر الإدارة الإستراتيجية أحد هذه الفنون الحديثة التي من الواجب على الإداري أن يتقنها في أيامنا هذه فهذه الإدارة ربما تكون أعلى ما قد يصل إليه ممتهنو الإدارة من حيث الفكر من ناحية، والتطبيق من ناحية ثانية، فهي ببساطة تلك الرحلة الشاقة والممتعة في آن واحد والتي تمر بمراحل ومحطات تسلم كل محطة للأخرى إلى أن تنتهي الرحلة بتحقيق الفوز، وتحقيق الهدف المطلوب وجني الأرباح سواء أكانت مادية أو معنوية. كما أنّ الإدارة الإستراتيجية علم بحد ذاته له خطوات ومراحل متفق عليها ضمن أسس ومبادئ الفكر الإداري، فهي علم أولاً وفن ثانياً، فالعلم يتمثل في مجموعة من المبادئ المستقرة في الفكر الإداري، ويتمثل الفن في قدرة المدير على إخضاع تلك المبادئ وتذليلها بما يتفق مع طبيعة المنظمة أو الشركة التي يعمل بها.
يقول الأستاذ سامر أبو شقرة، خبير في علم الإدارة: "إنّ الإدارة الإستراتيجية تتكون من ثلاث مراحل رئيسية تنتهي بالوصول للهدف وتحقيق هذا الهدف، وتبدأ بالإعداد له والتجهيز وتمر بالمنتصف بمرحلة التنفيذ بمختلف أنواعها وظروفها".
أولاً: الإعداد للهدف
تسمى أيضًا مرحلة التخطيط، وتهتم بوضع رسالة الشركة أو المؤسسة وتحديد هدفها أولاً وتقييم بيئتها الداخلية التي تعتبر حجر الأساس كما في أي بناء، ومن ثم تحديد نقاط القوة والضعف ليتم تحديد الجهات التي سيعتمد عليها في الانطلاق فالانطلاقة بدون شك لابد أن تركز على نقاط القوة في المنظومة قبل نقاط الضعف، وبعدها يتم تقييم البيئة الخارجية المحيطة وهي بالعادة الميدان الذي يلتقي فيه مع العملاء أو المستفيدين من الخدمة، ثم تأتي بعدها مرحلة تحديد التحديات والتهديدات, ثم الفرص والإمكانيات، وأخيراً رسم ووضع الأهداف الإستراتيجية طويلة الأجل، واختيار أفضل الإستراتيجيات الكلية، وإستراتيجيات الوحدات الإستراتيجية، والاستراتيجيات الوظيفية.
وقد يلزم في مرحلة الإعداد تجميع لبعض المعلومات وتحليلها واتخاذ قرارات باختبار أفضل البدائل في كل خطوة من خطواتها، وينبغي أن تمارس بأعلى درجة من الكفاءة يشرف عليها متخصصون حيث إنّ نتائجها ذات أثر طويل الأجل يحدد لفترة طويلة نوع النشاط الذي تركز عليه المؤسسة وما تقدمه من خدمات وسلع وكذلك الأسواق التي تخدمها والتكنولوجيا المستخدمة، والبحوث التي سوف تجري والموارد التي سوف تستخدم.
ثانيًا: مرحلة التنفيذ
تهدف هذه المرحلة إلى تنفيذ الإستراتيجيات التي تم تحديدها بالخطوة السابقة وتتضمن أيضاً وضع الأهداف قريبة الأجل ورسم ملامح السياسات, وإخضاع الإمكانيات المتوفرة للاستفادة منها حتى الحد الأقصى سواء بتخصيص الموارد البشرية أو المادية وتوزيعها على المتطلبات، كما تتطلب هذه المرحلة تهيئة المؤسسة من الداخل بما قد يتطلبه ذلك من تعديل التركيبة الإدارية والتنظيمية وإعادة توزيع السلطات والمسئوليات ووضع الأنشطة واهتماماتها، وتحديد خصائص القوى العاملة وتدريبها وتنميتها بما يساعد على تنفيذ الإستراتيجيات.
ولما كانت مرحلة الإعداد تحتاج إلى نظرة متطورة ومتخصصة في وقت واحد، فإنّ هذه المرحلة تحتاج إلى نظرة عملية ذات خبرة بنوعية العمل المطلوب سواء الإداري أو الأكاديمي، وقدرة على تحريك الموارد البشرية، وغير البشرية بطريقة عملية وعلمية صحيحة ومنظمة ومرتبة تعمل على تنفيذ الإستراتيجيات التي وضعت في هذه المرحلة السابقة.
وأهم أسس نجاح هذه المرحلة هو تحقيق الدمج والتكامل بين الأنشطة والوحدات الإدارية المختلفة في المنظمة لتنفيذ الإستراتيجيات بكفاءة عالية وفاعلية مجدية، كما ويحتاج التنفيذ أيضاً إلى أفكار جديدة وخلاقة بعيدة عن التقليد وبشكل مستمر.
ثالثًا: الوصول إلى الهدف وتقييم الإنجاز
تخضع كل الإستراتيجيات في مختلف العلوم وفي كل القطاعات لعملية تقييم لمعرفة مدى تناسبها مع التغييرات التي تحدث في البيئة الداخلية للمؤسسة من ناحية, والبيئة الخارجية المحيطة من ناحية ثانية, ولتقييم دقة التنبؤات التي تحتويها الخطط التي تم وضعها بالسابق وتنفيذها في المرحلة التي تليها.
ويتطلب ذلك بكل بساطة عملية مقارنة سريعة وعملية للنتائج الفعلية التي تم حصدها والحصول عليها بالأهداف المتوقعة والمرجوة من الخطط والإستراتيجيات التي تم وضعها وتطبيقها وبالتالي اكتشاف الانحرافات والمشاكل التي قد تكون في مرحلة الإعداد أو في مرحلة التنفيذ الإستراتيجية.
وهناك العديد من العوامل التي تؤثر على أداء أي مؤسسة من بينها عوامل خارجية لا سلطة للإدارة عليها بشكل مباشر، هذه العوامل قد تؤدي إلى نتائج يختلف أثرها من عام لآخر, وتؤدي لنوع من الخلل في ميزان الخطط الموضوعة لكن الوظيفة الرئيسية للإدارة فيما يخص تلك التغيرات الخارجية هو مرونتها السريعة وقابليتها لتحسين القدرة الأساسية للمؤسسة، وقابليتها لفهم حاجات السوق والبيئة الخارجية ككل، وتمحور المؤسسة حولها، وكذلك قدرتها على تطوير واستثمار قدرات موظفيها، وقدرتها على تطوير عمليات فعالة لأداء الأعمال، وهذه القابليات والقدرات هي التي تؤدي إلى نتائج على المدى البعيد، وهي التي يتم قياسها في عملية التقييم النهائية.