تتوالى وتتوالى الانهيارات ولا نكاد نسمع أنّ سوقاً معينة قد اتجهت إلى الاستقرار حتى تليها في اليوم التالي أخبار عن انتكاسة هذه السوق، والغريب أنّ هذه الأخبار لم تعد تشكل فارقاً في حياتنا ولم يعد من اللافت لأنظارنا تلك الأسواق, أو الشركات, أو حتى البنوك التي تنهار بل أصبح الملفت جداً تلك الأسواق التي تقاوم الانهيارات وليس فقط كذلك بل إنها تسعى إلى الثبات والصعود في الوقت ذاته.
ومن تلك الأسواق التي قاومت الانهيار وبدأت بالاستقرار سوق المال في المملكة العربية السعودية، وربما لم يكن هذا صدفة بل من المؤكد أنّ ثبات السوق وحتى ارتفاعه في تلك الظروف ولو أنّ هذا الارتفاع طفيف وعلى فترات طويلة له أسبابه التي تؤكده وتغذيه ليستمرعلى ما هو عليه.
لمعرفة حقيقة هذا الارتفاع وأسبابه توجهنا لبعض العاملين بالسوق السعودي من ذوي التجربة والخبرة بالعمل فيه.
قبل انهيار الأسواق
كان هذا الرأي الذي أفادنا به (عبد العزيز بن سالم) وهو أحد العاملين ومرتادي السوق حيث قال: لابد أنّ كل الأسواق قد تأثرت بالأزمة المالية العالمية، بل إنها جميعها وبدون استثناء قد تراجعت ولكن بطبيعة الحال قد اختلفت نسبة التراجع من سوق لأخرى، فبالنسبة للأسواق الريادية العالمية فقد تأثرت الشركات بشكل مباشر بتراجع الأرباح في نهاية العام الماضي, أو حتى في بداية العام الحالي, أو من خلال نتائج الربع الأول على الأقل، فيما تلاها بالتأثر الأسواق المحلية وهي أسواق تعتمد بالدرجة الأولى على الأسواق الريادية، أما بالنسبة للسوق السعودي وسبب تلك الحالة من الاستقرار التي ينعم بها الآن فربما يعود السبب لأنّ السوق تشبع بالهبوط في فترات سابقة قبل انهيار الأسواق العالمية وبالتالي فقد أصبحت قابلية السوق للصعود أكثر من قابليته للهبوط حيث إنه كان في كثير من الأحيان ونظراً لتدنيه يشكّل فرصة جيدة من قِبل بعض المستثمرين للدخول فيه مما يساهم في صعوده ودعمه بعكس اتجاه الأسواق العالمية، وبالتالي فنحن نراه الآن في حالة من الاستقرار ويميل إلى الصعود في كثير من الأحيان، حتى ولو كان هذا الصعود طفيفاً وبسيطاً.
نتائج الشركات الحقيقة
هناك رأي آخر ولكنه يصب في نفس الاتجاه وهو أنّ السوق فعلاً تميل إلى الاستقرار وأحياناً الصعود، وكان صاحب هذا الرأي هو (محمد العتيبي) المحلل الفني في السوق السعودي فقد قال: يعتبر السوق السعودي في الوقت الحالي ومن وجهة نظري الشخصية من أفضل الأسواق وأكثرها أماناً، لا شك أنّ السوق عانى من ظروف سيئة كثيرة في الأوقات السابقة سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العالمي إلا أنه من الواضح جداً أنه اتجه في وقت سابق وقبل الكثير من الأسواق إلى الاستقرار، والسبب يعود في رأيي أنّ السوق قد عانى قبل أن تعاني باقي الأسواق، وبالتالي فقد أعاد رصّ صفوفه قبلهم وتجاوز أخطاءه وقام بتصحيحها مما ساعد على أن تكون الفيصل هي نتائج الشركات وقوتها الفعلية، ولا أريد أن أقول إنّ الشركات لدينا شركات قوية أو أنها أقوى من الأزمة ولكني أقول إنها على الأقل تستطيع أن ترتقي بالمؤشر لمستويات جيدة أفضل من تلك التي في الأسواق العالمية أو المحيطة.
خطوات الحكومة
يقول (عبد الله الغامدي) وهو متداول قديم في السوق السعودي وبعض الأسواق الخليجية:عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، ربما تكون السوق في الماضي قد تعرضت لما يشبه الزلزال إن صح التعبير، وربما كان حجم الخاسرين والمتضررين كبيرا جداً بل وأكثر من غير المتضررين، ولكن الأكيد أننا استفدنا من هذه التجربة وخرجنا منها بحال أفضل من تلك التي دخلنا بها، والدليل على كلامي أنّ آثار الأزمة المالية كانت على السوق السعودي بالتحديد أقل منها على الأسواق العالمية وحتى العربية، وربما يرجع السبب في ذلك للخطوات التي اتخذتها الحكومة وإدارة السوق لتجاوز وعبور الأزمة الماضية, وهي التي ضربت السوق السعودي بالتحديد، مما ساهم في إزالة الكثير من السلبيات ومحاربتها والقضاء على معظمها قبل بداية الأزمة المالية العالمية، وبالتالي فإنّ روح الثقة بين المتداول من جهة وبين الحكومة أو إدارة السوق من جهة ثانية قد ارتفعت بعد أن أُغلقت أكثر من شركة وتمت محاسبة من يخالف سواء من الشركات أو من المتداولين أنفسهم, واعتماد حالة الشفافية كأسلوب للتعامل بين جميع الأطراف في السوق هذا بالإضافة للرقابة الدائمة والمشددة، كل ذلك أدى لأن نستعد للأزمة قبل أن تصلنا، فتخيلوا معي مثلاً لو أنّ الأزمة المالية العالمية قد حدثت عندما كانت السوق السعودية لاتزال مليئة بالسلبيات والتجاوزات عندها ماذا سيكون الوضع؟ وهل ستصل السوق لمرحلة الصعود برغم كل الأخبار العالمية السيئة؟ وهل ستسير ولو ليوم واحد وفق المتوقع وضمن التحليل الفني؟ أنا من ناحيتي أعتقد أنّ الكارثة كانت لتكون أكبر بكثير لو أنّ ما حدث حدث قبل أن نقوم بتجاوز أخطائنا والعمل على حلها.
(ماجد بن سلطان) له رأي من نوع آخر وفي اتجاه مضاد تمام وهو المتداول بالسوق السعودي والمشرف على مجموعة من المحافظ حيث يقول:"إنّ السوق الآن في حالة يرثى لها، وهي ليس لديها ما تخسره، وما يحدث الآن هو ارتدادات خجولة لأسهم بعض الشركات بسبب هبوطاتها الحادة والمتكررة، وليكون السوق قوياً أو اتجاهه صاعدا لابد أن يسير في مسارات معينة ودقيقة نستطيع بعدها أن نقول بأنّ السوق قد تعافى, وأنه يسير نحو الصعود، ولكن ومن وجهة نظري فإنّ السوق لا تزال في حالة من عدم الاستقرار المستمد بشكل مباشر من حالة عدم الاستقرار العالمية".