قدّم لنا القرن الحادي والعشرون جيلين من المصممين، ولكن ثمة حقيقة واحدة ساطعة وهي سلطة الموضة، هذه القوة الدافعة التي ستؤدي حتماً إلى انصهار بين الجيلين، وعلى ما يبدو فإنها سطوة لا تتضاءل بل تزداد يوماً بعد يوم، والدور المستمرة للمستقبل هي تلك التي استوعبت الحقيقة، واحتضنت التغيير عبر جيل جديد من المصممين الحاملين لأفكار واقعية، تراعي هوية الدار، ولكن بمنظور مستقبلي مرن مع جهوزية للتكيف مع منعطفات جديدة في دروب الموضة. وانطلاقاً من هذه الخلاصة يمكننا فهم السبب الذي جعل المصمم درايز فان نوتنDries Van Noten يقرر الانكفاء عن التصميم في يونيو المقبل، تاركاً المجال على حد قوله لجيل الشباب؛ ليطوروا الدار وليضيفوا بصمتهم الخاصة.
بعض الدور العالمية استقدمت مصممين جدداً أو عينوا مصمماً كان يعمل مع المؤسس، ومنْ كان محظوظاً بموهبة فرد من العائلة سيفرد له مكانة؛ ليبسط جناحيه بلا منازع. الابن سر أبيه فقد يكون ظلاً له أو نقيضاً، لا يلتقي معه ولكنه يُكمله، فيشبه بذلك تعاقب الليل والنهار والحرارة والبرودة والأبيض والأسود.
يعيش في هذا العالم جيلان من المصممين في نظام بيئي واحد يفترض منهما التضافر بعيداً عن التفكير التقليدي الذي كان سائداً في تصميم الأزياء حباً بالتميّز. اليوم بات تصميم الأزياء مرتبطاً بمعايير أخلاقية، ومسؤولية جماعية تجاه الكوكب.
لقد تطورت الموضة ولم تعد مجرد ملابس تستر أجسامنا، بل هي وسيلة للتعبير عن هواجسنا ومعتقداتنا ومزاجنا ومبادئنا التي ندافع عنها.. هذه هي الموضة.. انطلاقاً من هنا يمكننا فهم أسباب التباعد ما بين جيلين من المصممين. فالمصممون الجدد يسعون إلى تصميم ملابس للجنسين معاً سعياً لترويج ما يسمى اليوم بـ Neutral Fashion لكسر الحواجز المتعلقة بالفصل ما بين الجنسين Breaking Gender Norms، فقد يذهب المصممون الكبار إلى الترويج للفكرة ذاتها عبر طرق تقليدية كتنظيم عرض موحد للجنسين، ولكن المصممين الشباب يطلقون التصاميم الموحدة للجنسين سعياً لكسر القالب التقليدي السائد في الموضة بوجود ملابس خاصة بالرجال وأخرى للنساء، وبأن هناك تصاميم خاصة بالنساء وأخرى للرجال فقط. فكان لا بد لنا من سؤال المصمم العالمي جورج حبيقة عن رأيه بما يشهده عالم الموضة من تغييرات جذرية لدى المصممين سعياً لمواكبة جيل الشباب وخوفاً من أن يبتعدوا عن الكوتور.. بمَ أجاب جورج حبيقة عن أسئلتنا؟ وكيف يخطط الأب والابن جاد حبيقة لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة؟
- كيف تصف هذا العصر الجديد للموضة؟
لقد تطورت الموضة نحو عالم خاص، ولكنه غني بتعدديته ويحتضن أشكالاً جديدة من القدوات والنجوم وأشكال الأجسام والمقاييس، ويختزن جنسيات وعرقيات مختلفة وهويات، فهذا التطور يعترف بالجمال تحت مسميات جديدة وبأشكال متعددة، فالموضة اليوم احتفاء بالأناقة والتعبير عن الذات. لقد باتت الموضة مرتبطة بالتكنولوجيا التي دخلت في صناعة الموضة من مواد متطورة وتقنيات تصنيع حديثة وتسوق إلكتروني فرض معه تجارب جديدة في قياس الملابس عبر عالم افتراضي ونظام الذكاء الاصطناعي، الذي بات يؤثر حتى في صناعة الملابس وتقرير القصات والاتجاهات المعتمدة بفعل دراسته لشخصية المستهلك وحركة السوق العالمي. لقد تغير مشهد الموضة عن الوقت الذي انطلقت منه، واليوم يجب على كل دار أزياء أن تؤمن للمستهلك تجربة متكاملة تبدأ بطريقة عرض القطع وابتكار قصة تحاكي أجيالاً مختلفة.
تابعي معنا المزيد عن 6 صيحات لفتتنا في عروض اليوم الأول من أسبوع الموضة في باريس للأزياء الراقية
- وما الجديد الذي أضافه انضمام ابنك جاد منذ توليه مهام التصميم إلى جانبك؟
لقد شكل قدوم جاد قوة دافعة لتحقيق تواصل فعال مع المستهلكين، وتمكن من استيعاب وفهم متطلباتهم، وضاعف جهوده لتقديم خط المجموعة الجاهزة بطريقة مثيرة للتجار والوكلاء وللمستهلكين على حد سواء. كما ركز جاد على المجموعة الرجالية لتشمل الدار تصاميم موجهة للجنسين، إضافة الى الحرص على تضمين عارضات ينتمين الى مختلف المقاييس والجنسيات، فالدار العصرية التي تواكب العصر يجب أن تقدم مجموعات شاملة ومتنوعة لتواكب تطلعات الشباب وشريحة كبيرة من الناس.
- وما الذي تعلمته من جاد؟
أن أتحلى ببصيرة وأفق واسع وأنفتح على أفكار ومعطيات جديدة، وأتخلى عما يعيق تطور الدار من موظفين وتقنيات وأساليب عمل قديمة، وشجعني على تطوير العمل كشركة عن طريق عمل ممنهج سعياً للارتقاء بالدار إلى مصاف العالمية.
- هل من الصعب التعامل مع بعضكما وما هي نقاط الاختلاف بينكما؟
نحن ننتمي إلى جيلين مختلفين، وهذا يشكل تحدياً وحافزاً مشوقاً في الوقت نفسه. ثمة جمالية في دمج عالمين مختلفين بتجارب متفاوتة. أعتقد بأننا نستلهم من بعضنا لما فيه خير الدار لتحقيق أعلى المستويات. وأعتقد أن أوجه الاختلاف تكمن في إدارة الوقت، فأنا من جيل عملي ينظم الوقت، وهو لا يزال كشاب يمتلك النظرة الحالمة والرؤية الإبداعية، فهو يود أن يحقق دائماً النسخة الأفضل من كل ما يريد ابتكاره وهذا يستهلك الكثير من الوقت.
- وكيف ترى تطور الموضة والمسار الذي تنتهجه اليوم؟
لم تعد الموضة تتقيد بالاتجاهات، فالأولوية تحقيق سعادة المرأة عبر ابتكار قطع تلبي حاجياتها، وتعبر عن ذوقها وميولها وأسلوب حياتها.
- وما هي استراتيجية الدار لمواجهة التحديات الجديدة خاصة في عالم الكوتور؟
في كل مجموعة نحن نروي قصة تحتضن التجدد والتقينات الجديدة لدمجها في مسارنا الإنتاجي، ونحب تجربة مواد وأقمشة جديدة ننفذ عليها تقنيات التطريز والتفصيل ونفتش عن أساليب متطورة للارتقاء بكل قطعة فتغدو تحفة فنية لا تشبه قطعة أخرى.