تستضيف السعودية في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر المقبل، مؤتمر الأطراف الـ16 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "كوب 16" الرياض، مع إعلان إقامة منطقة خضراء وتنظيم ٧ أيام للمحاور الخاصة، في بادرة تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وخُصص ضمن أيام المحاور الخاصة التي تستضيفها المنطقتان الخضراء والزرقاء يوماً للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وذلك اعترافاً بدور التكنولوجيا والعلوم في جهود الحفاظ على الأراضي ومنع تدهورها والتصدي لتحديات الجفاف والتصحر، حيث سيشتمل على 10 فعاليات تعرض الحلول والابتكارات المتطورة.
وأصبحت التكنولوجيا في عالمٍ يتزايد فيه التحدي للحفاظ على الموارد الطبيعية، ومطلباً حيوياً لمواجهة تدهور الأراضي، الذي يهدد الأمن الغذائي ويضعف التنوع البيولوجي.
وتُعدّ التربة من أهم موارد الحياة على الأرض، ولكنها تتعرض لضغوط هائلة نتيجة الممارسات الزراعية غير المستدامة، والتغيرات المناخية التي تؤدي إلى فقدان خصوبتها وتدهورها السريع، ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تدخلات تقنية حديثة، حتى تتمكن البشرية من حماية هذه الموارد وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
وقد أثبتت التجارب العملية التي اعتمدتها دول كثيرة حول العالم إمكانية توظيف التكنولوجيا الحديثة في الجهود الرامية للتغلب على تدهور الأراضي، بما في ذلك رصد صحة التربة وتحليل بياناتها بدقة غير مسبوقة، كوسيلة لتحسين الإدارة البيئية للأراضي، وتقديم حلول مبتكرة للحد من التدهور.
تقنيات مقدمة للباحثين والخبراء الزراعيين
ومن بين هذه التقنيات التي باتت تستخدم على نطاق واسع الاستشعار عن بعد، والأقمار الصناعية، والطائرات دون طيار، حيث يمكنها أن تقدم للباحثين والخبراء الزراعيين وأصحاب المشاريع الريادية، وحتى كبار المزارعين بيانات دقيقة عن خصائص التربة، مثل الرطوبة والكثافة ودرجة الخصوبة، ليس هذا فحسب، بل يمكن توظيف هذه البيانات في الكشف المبكر عن المناطق المعرضة للتدهور، وتبرز أهمية التكنولوجيا الحيوية في تطوير البذور المقاومة للتغيرات المناخية، والكائنات الحية الدقيقة التي تعزز جودة التربة، فضلاً عن التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتحليل الأنماط وتقديم حلول ذكية ومستدامة.
التكنولوجيا حافز للحلول المستدامة
وتُعد التكنولوجيا الحديثة حافزاً أساسياً للحلول المستدامة في مجال حماية التربة والحد من تدهور الأراضي، فمن خلال تقنيات الاستشعار عن بُعد، أصبحت الحكومات والمؤسسات الزراعية قادرة على مراقبة صحة التربة بشكل أدق، فعلى سبيل المثال، تُظهر تقارير من وكالة الفضاء الأوروبية أن استخدام الأقمار الصناعية لرصد الأراضي أسهم في تقليل نسبة التدهور بنسبة تصل إلى 15% في المناطق الزراعية المتدهورة في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، ومن خلال جمع هذه البيانات وتحليلها، يمكن الكشف المبكر عن المناطق المعرضة للتدهور، ما يتيح إطلاق استجابات سريعة للحد من التأثيرات السلبية، وهو أمر بالغ الأهمية، خصوصاً أن تدهور الأراضي يتسبب بخسائر اقتصادية تصل إلى 490 مليار دولار سنوياً وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
ولتقييم صحة التربة وفهم التغيرات التي تؤدي إلى تدهورها، يمكن أيضاً الاستعانة بالتكنولوجيا الرقمية وتحليل البيانات من الأدوات الفاعلة، وبالاعتماد على تحليل البيانات الضخمة التي تجمع من مصادر متعددة، مثل محطات الأرصاد الجوية وأجهزة الاستشعار في الحقول، يمكن تقديم صورة شاملة ودقيقة عن التغيرات المناخية والزراعية التي تؤثر على خصوبة التربة.
استخدام الذكاء الاصطناعي
وقد يسهم استخدام الذكاء الاصطناعي في استكشاف الأنماط المؤثرة على التربة في تحسين إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 25%، وذلك من خلال تحديد الأسباب الكامنة وراء تدهور التربة وتقديم حلول ذكية، مثل تحسين نظام الري أو تعديل التسميد، وفقًا لتقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، وبفضل هذه التقنيات، أصبح من الممكن اتخاذ قرارات استباقية أدقّ لحماية التربة واستعادة خصوبتها، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي العالمي.
ويمكن للمزارعين والحكومات اتخاذ قرارات مستدامة ومبنية على أسس علمية، بالاعتماد على أدوات تحليل البيانات المتقدمة في تحسين القدرة على التنبؤ بالمخاطر الزراعية الناتجة عن تدهور الأراضي، والتنبؤ بتأثيرات التدهور على إنتاجية الأراضي.
وفي المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 29" الذي تستضيفه العاصمة الأذرية باكو خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر الجاري، تم التركيز على أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي واستخدام النماذج اللغوية الكبيرة لمساعدة المزارعين في مختلف الأغراض الزراعية.
الزراعة الدقيقة
ويمكن تعريف الزراعة الدقيقة على أنها منهجية حديثة في إدارة الزراعة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة لتوفير حلول مخصصة ودقيقة لتلبية احتياجات التربة والمحاصيل، لزيادة الكفاءة الإنتاجية، وتقليل الهدر في الموارد الزراعية مثل المياه والأسمدة، من أجل الاستدامة البيئية والاقتصادية.
وتعتمد الزراعة الدقيقة على أدوات متطورة، مثل نظام تحديد المواقع العالمي والطائرات المسيّرة وأجهزة الاستشعار الذكية التي تجمع بيانات دقيقة حول حالة التربة والمحاصيل، لتحليل احتياجات المساحات الزراعية على مستوى الحقول والمزارع، وقياس مستويات الرطوبة والمغذيات في التربة.
وبناءً على تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، يمكن أن تسهم الزراعة الدقيقة في تحسين الإنتاجية بنسبة تصل إلى 30%، وتقليل استهلاك المياه والأسمدة بنسبة تتراوح بين 15 - 20%، لتكون بذلك أحد أكثر الابتكارات تأثيراً في تحسين كفاءة استخدام الأراضي الزراعية وتقليل الأثر البيئي.
وأشارت دراسة صادرة عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن استخدام الزراعة الدقيقة يمكن أن يقلل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 20%، بينما يخفض استخدام الأسمدة بنسبة 15% دون التأثير على إنتاجية المحاصيل.
وتسهم الزراعة الدقيقة في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الممارسات الزراعية التقليدية، ما يدعم استدامة الأراضي على المدى الطويل ويحافظ على قدرتها الإنتاجية للأجيال المقبلة.
تابعوا المزيد: الرياض تنظم النسخة الـ4 من مبادرة السعودية الخضراء ضمن مؤتمر COP16.. أبرز التفاصيل والموعد
التكنولوجيا الحيوية
وباتت التكنولوجيا الحيوية تلعب دوراً متزايداً في تحسين صحة التربة وتعزيز قدرتها على مقاومة التدهور الناتج عن التغيرات المناخية والجفاف، وتعتمد هذه التكنولوجيا على تطوير بذور معدلة وراثياً تمتلك قدرة فائقة على تحمل الظروف الصعبة، مثل الحرارة المرتفعة ونقص المياه، ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية الزراعية في المناطق المتضررة، حيث أظهرت تقارير صادرة عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن استخدام البذور المعدلة وراثيًا يمكن أن يزيد الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40% في الأراضي القاحلة.
وتُستخدم الكائنات الحية الدقيقة المعدلة وراثياً لتحسين جودة التربة من خلال تعزيز خصوبتها، وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالمغذيات، ومع أن مثل هذه التقنيات تُسهم في استعادة إنتاجية الأراضي المتدهورة، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي في المناطق التي تعاني من التصحر، إلا أنه يجب أخذ الآثار البيئية والاجتماعية المحتملة لاستخدام التكنولوجيا الحيوية بعين الاعتبار، بما في ذلك تأثيرها على التنوع البيولوجي وسلامة النظام البيئي.
التغلب على العقبات
ورغم التحديات التي قد تواجه تطبيق هذه التقنيات، مثل القيود الاقتصادية أو نقص البنية التحتية، فإن الأمل يكمن في أن الدعم الحكومي، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في الأبحاث والتطوير، ستؤدي مجتمعة إلى تجاوز هذه العقبات، وعلاوة على ذلك، سنتمكن من تعظيم الاستفادة من هذه التقنيات في تحقيق التنمية المستدامة، وتحديداً من خلال نشر الوعي وتدريب المزارعين في المناطق الريفية.
يمكنكم متابعة آخر الأخبار عبر حساب سيدتي على منصة إكس