في قلبِ الرمالِ العربيَّة حيث تهمسُ رياحُ الصحراءِ بحكاياتٍ قديمةٍ، تقفُ أبوابُ المملكةِ العربيَّة السعوديَّة حارسةً للتقاليدِ والفنِّ. كلُّ بابٍ بمنزلةِ لوحةٍ فنيّةٍ، تعبِّرُ عن التاريخِ، والهويَّة الشخصيَّة، مزيَّنةً بمجموعةٍ متنوِّعةٍ من الألوانِ، والتصاميمِ المعقَّدة. هذه الأبوابُ المزخرفةُ بأنماطِها الساحرة، وألوانِها الغنيَّة، تجسِّدُ جوهرَ ثقافةٍ، تحتفلُ بعظمةِ الماضي، وفنِّ الحاضر.
مع غروبِ الشمسِ، وإشراقِها الدافئ، هذه الكنوزُ المرسومةُ، تنبضُ بالحياةِ بجمالٍ هادئٍ، فيما تعكسُ ظلالُها النابضةُ بالحياةِ الروحَ الغنيَّة ومتعدِّدةَ الأوجه للمملكةِ العربيَّة السعوديَّة. هذه الأبوابُ ليسَت مجرَّدَ مداخلَ، وإنما قصصٌ حيَّةٌ، ترحِّبُ بكلِّ مَن يمرُّ عبرَها إلى عالمٍ حيث تمتزجُ التقاليدُ، والفنُّ في احتفالٍ بالروعةِ الثقافيَّة.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
الثقافة والجذور
تشتهرُ الأبوابُ القديمةُ في السعوديَّة بزخارفِها الغنيَّة، مع أكثر من 30 نمطاً متميِّزاً، تمثِّلُ مناطقَ مختلفةً مثل نجد، والرياض، وسدير. ويتميَّزُ بعض الأبوابِ بزخارفِها وجمالِها، منها أبوابُ المجلس، والمداخلُ الرئيسة. استُوحِيَت التصاميمُ من البيئةِ المحيطةِ بالمجتمع، فكانت الأشكالُ مستلهمةً من النباتاتِ، والأزهارِ البريَّة، وسعفِ النخيلِ حيث كانت متوافرةً، ومن الشمسِ وأشعَّتها، والجبالِ التي صُوِّرَت على شكلِ مثلَّثاتٍ، ونُحِتَت على الأبواب.
واستُخدِمَت الصباغُ الطبيعيَّة من الأخضرِ، والأرجواني، والقرمزي، والأصفرِ من شجرِ الأكاسيا وبذورِها، وكذلك الرمَّان. ومع مرورِ الزمنِ، تمَّ استيرادُ الصباغِ من الخارج، وخلطُها بموادَّ محليَّةٍ مثل الدبسِ، وقشرِ الرمَّانِ، والسكَّرِ لحمايةِ الألوانِ على الأبواب، وجعلِها أكثرَ إشراقاً. وكانَ الرمَّانُ، يُطبَخُ ساعاتٍ طويلةً حتى يُستَخدم بوصفه غِراءٍ لهذه الألوان. ولم تكن هذه الأبوابُ بمنزلةِ نقطةٍ محوريَّةٍ في المنازلِ العائليَّةِ فحسب، بل وبمنزلةِ متعةٍ ثقافيَّةٍ للزوَّارِ أيضاً، كونها تقدِّم تجربةً جماليَّةً، أقربَ إلى لوحةٍ فنيَّةٍ.
فن الحرف
عند رؤيةِ بابٍ مزيَّنٍ، يشعرُ الضيوفُ بالترحيب، ويلمسون الجماليَّاتِ، ويستمتعون بالاسترخاءِ، وكأنَّهم يستمعون إلى أغنيةٍ، أو يقرؤون قصيدةً، أو ينظرون إلى لوحةٍ فنيَّةٍ. وكان لكلِّ مدينةٍ معلِّمٌ كبيرٌ متخصِّصٌ في فنِّ تزيينِ الأبوابِ الخشبيَّة، ومَن يُتقِنُ هذا الفنَّ، يستطيعُ أن يعرفَ الخلفيَّة الثقافيَّة للبابِ بمجرَّد النظرِ إليه. وكانت الأبوابُ المزخرفةُ بمنزلةِ متعةٍ ثقافيَّةٍ للضيوفِ، الذين كانوا يستمتعون بجمالِ تلك الأبوابِ، ونقوشها، وألوانها. وتنتقلُ زخارفُ، وتصاميمُ الأبوابِ الخشبيَّة في السعوديَّة من جيلٍ إلى جيلٍ، وتشتهرُ منطقةُ نجدٍ بأبوابِها المبتكرةِ ذات الحسِّ الفنِّي العالي، وتدخلُ في التصاميمِ أنماطٌ هندسيَّةٌ مثل المثلَّثاتِ، والدوائرِ، والمربَّعاتِ، والخطوطِ المتشابكة، وزخارفُ نباتيَّةٌ كالوردِ، وأوراقِ الشجرِ، وسعفِ النخيلِ، وعناقيدِ العنب. والبابُ السعودي المسماري، كان يُصنَعُ من جذوعِ النخيل، وتُزيِّن واجهتَه مساميرُ مقبَّبةٌ. والأبوابُ الحجازيَّةُ ذات تصميمٍ مميَّزٍ، تحملُ زخارفَ، ونقوشاً إسلاميَّةً محفورةً، وبعضُ تلك الأبوابِ، صُنِعَ من لوحَين ثقيلَين من خشبِ الساجِ المزيَّنِ بنقوشٍ محفورةٍ. ويحتوي بعضُ هذه الأبوابِ على فتحةٍ للرؤية، أو أبوابٍ صغيرةٍ في وسطِها. ومن الأبوابِ الشهيرةِ كذلك في السعوديَّة البابُ المسماري، وبابُ المقطعِ، وأبو صاير، وأبو خوخة، والبابُ البغدادي، والبادوري. واليوم، يستمرُّ تقليدُ تزيينِ الأبوابِ والنوافذِ الخشبيَّة في السعوديَّة مع جيلٍ جديدٍ، يقدِّرُ الجمالياتِ، والأنماطَ التاريخيَّة من الماضي.
يمكنك أيضًا الاطلاع على أعمال الفنانة التشكيلية السعودية صالحة تاج
رمزية الألوان
قد يكون اللونان الأكثر قوَّةً الأحمرُ والأزرق. وإذا كان الأحمرُ الأكثرَ شيوعاً، لكونه يمثِّلُ الحياة، فإن الأزرقَ، يُعدُّ لونَ السماءِ والماء. بدورِه، يدلُّ اللونُ الأخضرُ على النموِّ، والتجديدِ، والحياةِ الجديدة. ويُقالُ: إنَّ الأصفرَ، يوحي إلى دفءِ أشعَّةِ الشمس، لكنَّه يُعدُّ أيضاً لونَ الصحراء.