في قاعة خولة للفنون، بحي دبي للتصميم، أُقيم معرض "توتيمات"، بإشراف المصممة جرازينا سولاند، وحضور الفنانين المشاركين. من المواهب، الذين سلطوا الضوء على رؤى خاصة حول رحلاتهم الإبداعية وإلهامهم ووجهات نظرهم الفريدة، من خلال أعمالهم، التي أخذت شكل الدوائر، حيث اعتمد الطابع العام للمعرض على هذا الشكل الهندسي، بألوان ساحرة، عكست دواخل الفنانين الشباب، ونظرتهم المستقبلية، من خلال خطوط تعمدوا تركها، "سيدتي" واكبت هذا المعرض، وخرجت باللقاءات الآتية.
افتتحت المصممة جرازينا دار سولاندز في مايفير بلندن والتي تعرض إبداعاتها المتطورة، والتي بلغت ذروتها في مجموعة GRA للأثاث الفني، وهي قطع نحتية غير عادية من مواد فاخرة وألوان مذهلة. وعلى الرغم من كونها معاصرةً لكنها تلتزم بالقوة، وتذرنا بعصر مضى من الفخامة والترف.
وبعد أن عملت مع العديد من الحرفيين وورش العمل المتخصصة، أدركت جرازينا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحويل رؤاها إلى حقيقة. وهذا ما دفعها إلى تنظيم معرض، "توتم: الذي تقول عنه: "في البداية، كنت أجلس مع الشيخة خولة بنت أحمد خليفة السويدي، التي تدعم العديد من الفنانين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في مركزها الثقافي، «خولة آرت غاليري»، كنا نتحدث عن الخط والفن، وفجأة خطر لي ما يمكنني وصفه بأفضل طريقة على أنه "توتيمات" معاصرة وحديثة، وهي عبارة عن دوائر، شيء يشبه هذا، تدمج التصميم الغربي مع فنون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لم أفكر كثيراً في الأمر. واستمررنا في الحديث، وعندما غادرت، بدأت الأفكار تدور في رأسي، وألهمتني أن أعمل بهذه الطريقة؛ الأفكار تأتي فجأة دون منطق. ثم رغبت في العمل مع بعض الفنانين هنا، وفي المرة الأولى، كان حديثي مع فناني الخط فقط، لأنني كنت قد زرت المركز الثقافي. في زيارة لاحقة، ووجدت أنها سيكون من الرائع أن يعمل مصمم من الغرب مع فنانين من المنطقة، فلم لا؟ يمكننا دمج الاثنين معاً ونرى ما سيخرج. فكرت في فكرة التوتيمات، وقلت، حسناً، ماذا أعرف عن التوتيمات؟ ليس كثيراً، هي مجرد قطع خشبية منحوتة من شمال أفريقيا وأمريكا. وعندما بحثت، وجدت أن لها أهميةً كبيرةً؛ فهي تروي قصصاً، وتُستخدم كرمز للقبيلة، وأحياناً يُمنح توتيم للطفل عند ولادته كنوع من الرمز. فكرت، كم سيكون جميلاً لو روى فنانو المنطقة قصصهم على التوتيمات التي صممتها ونتعاون لصنع تعبير فني واحد جميل".
أثناء وجود جرازينا في المعرض، فكرت في شكل المساحة وأبعادها. فعادةً في المعارض، تكون الجدران والأرضية خلفية وتوضع اللوحات أو المنحوتات عليها، تستدرك قائلة: "قلت لنفسي، لماذا لا نجعل المعرض جزءاً من القصة التي نعرضها؟ ومن هنا جاءت فكرة الدوائر. إذا نظرت إلى أعمالي، سترى أنني أعمل كثيراً مع الدوائر، سواء كانت جزءاً من أثاث فني أو كعنصر زخرفي. فواصلت الفكرة على الأرضية، ورسمت هذا التصميم، بالطبع الألوان مهمة للجميع، ولكل فنان لون مميز. بدأت بمزج الألوان وتنظيمها لتبدو جميلة في النهاية. بحيث ترى أن لكل فنان توتيم يعبر عن قصته، ولكن عند دخول المشاهد من باب المعرض، وبلمحة عامة لمساحته يرى قصة كاملة موحدة. لهذا، جعلت الألوان مختلفة لكل دائرة، والقاعدة لكل توتيم تتماشى مع الدائرة التي يقف عليها، مما يمنحه صلابة واكتمالاً".
ثراء التعبير الإنساني
عبرت جرازينا عن دهشتها، وهي ترقب تطور الفن في الإمارات، وهذا التنوع في توجهات الفنانين، تعلّق قائلة: "الناس في الغرب لا يدركون ما يحدث هنا. أعتقد أنه كلما تم عرض هذا الفن ليس فقط محلياً ولكن على مستوى عالمي، سيدرك الناس مدى روعته، هناك الكثير مما يحدث هنا ويستحق المشاهدة. إنه ليس فقط للنظر، بل إنه جميل ويستحق الاستثمار فيه. بدءاً من الأعمال الثقافية التقليدية القديمة إلى الأعمال الحديثة. الشباب في هذه المنطقة منفتحون على الثقافات الأخرى، ما يجعلهم يتحدثون لغة مشتركة. وفي الوقت نفسه يحافظون على التقاليد والحرف الأصلية".
أما عن تداخل الألوان في المعرض، كما تقول المصممة سولاند: "عندما تنظر حولك، ترى أن أعمال الفنانين مختلفة. الجميع يستخدم الألوان، باستثناء الفنان السوري نوار شرطوح، الذي عبر عن داخله باللونين الأبيض والأسود. أحببت هذا. وأعتقد أن العالم يعتمد على الألوان التي كانت ضرورية لتوزيع التوازن بين الأعمال الفنية، والقصص التي تقف وراء هذه الأعمال، أُقدّر العناصر الفردية، لكني أحب جمعها معاً لتكوين بيان كامل، وآمل أن يكون هذا تحقق هنا.
لقاءات مع فناني المعرض
"توتيم" معرض يجتمع فيه التصميم الغربي مع الفن الشرق أوسطي وشمال أفريقي لتشكل روايات بصرية تتجاوز اللغة. يعزز المعرض التنوع والروابط بين الثقافات. من خلال عرض هذه التعاونات، والذي يذكرنا بدور الفن القوي في بناء جسور التفاهم والاحتفاء بالإنسانية المشتركة.. "توتيمات" هو أكثر من مجرد معرض؛ إنه احتفال بالوحدة والتنوع والتعبير الفني. وثراء التعبير الإنساني.
سحر غفامي: "يوشي" طفلة في داخلي
سحر غفامي،لجأت لتجسيد وجه طفلة على أحد التوتيمات باللون الأحمر، تقول عن الوجه الذي ابتدعته: "هذه شخصية من خيالي اسمها "يوشي". وهي ببساطة، تمثل طفولتي الداخلية. تمثل جميع المشاعر والمغامرات التي يستمتع الأطفال بالقيام بها. وهنا هي فقط صورتها الشخصية، ولكن عادةً ما أُجسد أشياء مختلفة في لوحاتي، قد أدعها تخوض في مغامرات، وتلعب مع قطتها، وفي الغالب أحب أن أُظهر تعابيرها على وجهها. إنها تبدو متجهمةً قليلاً، لكنها ليست غاضبةً. هي بشكل أساسي شجاعة ومغامرة، وتُحب الاستكشاف، ولا تُحب اتباع كل القواعد أو الابتسام للكاميرا. هي طفلة تفعل ما ترغب فيه. وأعتقد أنه من المهم للأطفال أن تُتاح لهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم، ومحاولة فهم من هم، ولديهم الحرية للاستمتاع بكل نشاط يريدونه".
تخصصت سحر في التعليم، وتعمل في علم نفس الأطفال، لذلك ابتكرت هذه الشخصية من دواخل طفلة، وعلّقت على المعرض قائلة: "أعجبني حقاً لأنه يُتيح للجميع جلب التوتيم الخاص بهم وبأسلوبهم الفني، الأمر يشبه تجمع واتحاد فنانين يحكون قصص دواخلهم بالألوان".
هند راشد: عبرت عن الفرح في دائرة
هند راشد، فنانة تشكيلية إماراتية، وضعت بصمتها على هذه الأشكال الفنية الدائرية، بمصداقية نقلت فيها ما يختلج في صدرها من أحاسيس، وتابعت: "كل ما خططته هو من روح الطبيعة، وتحديداً أحببت أن أنقل روح الفرح في الداخلي والألوان أداة اتصال تستخدم للإشارة إلى العمل والتأثير في الحالة المزاجية، حيث ترتبط ألوان معينة بزيادة ضغط الدم وزيادة التمثيل الغذائي، كما أن بعضها يسبب الإجهاد للعين؛ ويُعرف علم نفس الألوان بأنه تأثير اللون في الحالة المزاجية والمشاعر والسلوكيات، إضافةً إلى تأثيره في الشخصية، كما أن اللون يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرتك على تذكر المعلومات ومعالجتها. ومن المرجح أن تحتفظ بالمعلومات المعروضة بالألوان أكثر من الأبيض والأسود".
تعشق هند الرسم بالفرشاة على قطعة الخام، وتجد أنها الطريقة الأكثر صفاءً لنقل احاسيسها، تعلّق: "كثيرون باتوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتحقيق هذه الغاية، صحيح أنه يمكن أن يرتب الأفكار، لكنني لا أحب الاعتماد عليه".
نوار شرطوح: دبي زهرة وردية نبتت وسط أحاسيس الرمادية
يقف نوار شرطوح، أمام توتيماته، التي امتازت باللونين الأسود والأبيض، دوناً عن جميع من حولها، وأما عن سبب اختياره لهذين اللونين، كما يقول، "يعود هذا لسببين، الأول أكاديمي، فدراستي طباعة وغرافيك، السبب الثاني هو ارتباطي بالخامة نفسها ولونها الطبيعي، أحسست أنه يمكنني التعبير عن ذاتي من خلال هذين اللونين، حيث أجد أن الرماديات، أقرب إلى نفسي من الغوص في وليمة ملونة، وهذا لا يعني أنني ضد اللوحة اللونية، لكنني حاولت أن أبرز جماليات، تبرز الإنسان ودواخله النفسية".
لفتنا في توتيمات نوار، التي أبدعها بالمشرط، كما يقول، بدءاً من ذلك الرأس المنحني في الأعلى، مروراً بتلك الخطوط الدقيقة السوداء، وليس انتهاء بتلك الوردة الزهرية اللون التي خرجت من السواد، يعلّق نوار: "أرسم من داخلي، ولوحتي موجهة للإنسان، وليس لبيئة معينة، فأنا أعبر بشكل أو بآخر عن الطابع الإنساني، كانت تنتابني حالة من اليأس في فترة ما، تداخلت في نفسي أحاسيس رمادية، وقد أخرجت هذه الزهرة الوردية في اللوحة، بعد قدومي إلى دبي، في حالة انغماس لا شعوري مع العمل، خلق نوع من الأمل صار يضاف على خطوط لوحاتي".
غالب حويلا: أُعيد صياغة الخط بعد فلسفته
غالب حويلا، فنان خط عربي من لبنان، بدأت رحلته مع فن الخط منذ 10 سنوات، يجد أن توتيم الدائرة، هو الشكل الوحيد الموجود في الطبيعة، فيما الأشكال الهندسية الأخرى أوجدها الإنسان، يتابع قائلاً: "أحقق فكرة الاكتمال الفني في مساحة هندسية معينة، بشكل فطري، وفي العصر العباسي تحديداً هم أول من وضعوا جميع الأحرف العربية في دائرة، من هنا أتتني الفكرة، وترجمتها، وعبرت من خلالها عما في داخلي، ورغم أن الخط أيقونة، لكنني أُعيد صياغته، أضع في داخله الفكر والفلسفة والبحث، وأستخدم الخط كطريقة تعبيرية، وليس كأداة للقراءة.
يدعو غالب إلى معرض "توتيمات" قائلاً: "لا يقتصر المعرض على تكريم تقاليد وابتكارات كل فنان فحسب، بل يُعد أيضاً رمزاً للوحدة العالمية من خلال الفن".