العيدية عادة إسلامية عربية أصيلة، ممتدة الجذور تعود إلى قرون قديمة، وتعد إحدى أيقونات الاحتفال بالعيد في البلدان العربية، التي لازالت محتفظة بأصالة وجودها حتى اليوم ، والعيدية رمز يجسد روح المودة والمحبة والألفة والتواصل، وهي تعطى انطباعًا عاما بالحالة التي يعيشها المجتمع العربي ككل صغارًا كانوا أم كبارًا، من مودة ورحمة وألفة وتعاضد وتواصل، حيث تظل العيدية ذات قيمة معنوية بليغة مهما مرت السنوات وطال العمر، فهل مازلت تحصلين على العيدية؟ ومن الذي يعطيك إياها؟
- العيدية عادة متوارثة وتقليد في عصور مختلفة
يقول الباحث في التراث الإسلامي أحمد يحيى، لسيدتي: العيدية عادة متوارثة تهدف لإدخال الفرح والسرورعلى قلوب الأطفال والكبار، وتجعل يوم العيد من الأيام المميزة لديهم والتي لها طابع خاص مختلف عن بقية أيام السنة، والعيدية ليست بمقدار قيمتها، وبغض النظر عن نوعيتها لها تأثيرها على الصغير والكبير في تعبيرها عن التواصل وصلة الرحم، والتراحم والعطف وإرساء الود في النفوس.
يؤكد يحيى إن توزيع العيدية عادة قديمة منذ العصرالفاطمي، وكانت توزع مع كسوة العيد، خارجًا عما كان يوزع على الفقهاء وقرّاء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة الفطر من الدراهم الفضية، وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصرالخليفة صباح يوم العيد للتهنئة، كان الخليفة ينثرعليهم الدراهم والدنانيرالذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
وكانت العيدية في عصر المماليك تسمي "الجاميكية" وتم تحريفها إلى كلمة العيدية، وكان السلطان المملوكي يصرف راتبًا بمناسبة العيد للأتباع من الأمراء وكبار رجال الجيش ومَن يعملون معه وتتفاوت قيمة العيدية تبعًا للرتبة فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة وإلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة، وفي العصر العثماني أخذت أشكالاً أخرى فكانت تقدم نقودًا وهدايا، وذلك طبقًا لدراسة استاذنا عالم الآثار الإسلامية الدكتور على أحمد إبراهيم الطايش، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة .
- عيدية العيد تضفي على أجواء العيد فرحة وسعادة
من ناحيتها تؤكد الدكتورة ولاء، استشاري علاقات أسرية لسيدتي أن العيدية أحد أهم مظاهر العيد، فهي تضفي على أجواء العيد فرحة وجمالاً، وتكرس لروح المحبة والألفة في الأسرة، والتواصل والتقارب الذي يعيشه أطفال الحي في البيوت، وفي اجتماعهم مع بعضهم وتوادهم، مما يعطي الانطباع بما يعيشه المجتمع ككل من تواد وتراحم ومشاركة وجدانية.
وتقول دكتورة ولاء في نبرة باسمة يلتحفها الحنين إلى ذكريات الماضي الجميل، العيدية تفرح الكبار قبل الصغار، فنحن أيضاً نفرح إذا أعطونا أهالينا عيدية ونتسابق مع الأصدقاء في أن نجمع عيديات أكثر من غيرنا، وتتذكرعندما كانت صغيرة فقد كانت ترتدي البيجاما الجديدة في يوم وقفة عيد الفطر، وتتلقي العيدية صباح العيد من الوالد وتشتري بها الكثير من الحلوي من الشيكولاتة والملبس وتضعهم في حقيبتها الجديدة وتؤكد أنها لازالت تأخذ العيدية إلي الآن وترتدي بيجامة العيد مع أطفالها وتقوم بشراء الشيكولاتة والملبس وتوزعهم على أطفالها امتداداً لهذه العادة الموروثة.
- هل مازلت تحصلين على عيدية؟
- هل يقتصر توزيع العيدية على الأطفال؟
سماح علي - ربة منزل تقول: كنت يتيمة الأب، وكنت أتمنى من صغري أن يكون بجانبي والدي رحمه الله مثل كل الأطفال، لكن كانت أمي تحاول أن تكون بمنزلة الأب إلى جانب دورها الحيوي والكبير في حياتنا، تعوضنا عن هذا النقص، وعندما كبرت وتزوجت لم توقف أمي هذه العادة، فما زالت تعطيني العيدية أنا وأبنائي، كما أنني أحمد لله أن عوضني بزوج حنون عوضني عن ما فقدته من حنان الأب، حتى إنه يقوم بإعطائي هو أيضاً العيدية إلى الآن، فيعتبرني ابنة له ولذلك فأنا وأبنائي الصغار ما زلنا نحصل على العيدية معاً ولا أخجل من ذلك.
تقول إنجي سراج - مهندسة زراعية : كنت أنا وإخوتي ننتظر بفارغ الصبر لحظة توزيع العيدية بعد صلاة العيد من والدي من النقود الورقية الجديدة، لأنها تعطي الشعور بالاهتمام والتقدير لنا كأطفال، فقد كان والدي يستعد لهذه اللحظة قبل العيد للذهاب إلى البنك وتغيير النقود الورقية القديمة بأخرى جديدة، وكانت السعادة كبيرة وكنا نتردد في صرفها في البداية للحفاظ عليها ولكن في النهاية تصرف كلها، ولازلت حتى الآن أنا وزوجي نأتي بالنقود الورقية الجديدة لإعطائها لأبنائنا، وبالتأكيد لي نصيب من هذه النقود الجديدة، ولكني لا أسميها عيدية فقد مر الزمن وكبر الأبناء !
مي عزام - محامية تقول: لا زلت حتى الآن أتلقى العيدية من والدي رغم أنني أعمل بالمحاماة، كما أنني أعطي العيدية لأبناء شقيقتي فهما بمثابة أبناء لي، وتتذكر وتقول لسيدتي: أيام الطفولة حينما كانت العيدية قليلة، كانت تعطيني السعادة كثيراً، وكنا نتسابق انا وشقيقتي إلى المحلات مع الأطفال لشراء الألعاب والحلوي مع أطفال الجيران والأصدقاء فنشتري بها مالذ وطاب.
- تقاليد إعطاء العيدية في العيد
ريماس محمود – صيدلانية تؤكد لسيدتي : نبدأ أول أيام العيد بصلاة العيد مع الأهل والجيران، ثم نحصل على العيدية من والدي، وقد كان لنا طقوس خاصة للحصول على العيدية قد كان والدي، رحمة الله، كان يضعها في جيب جاكت له معلق في الدولاب وكان يتركنا بإشارة منه أن نذهب وكل منا يأخذ المظروف المخصص له، وقد كانت عادة جميلة، بعد ذلك تبدأ رحلتنا السعيدة فى اللف على جدي وأعمامي للحصول على العيدية فقد كانوا يسكنون على مقربة من منزلنا، إلا أننا عقب وفاة والدي ظلت أمي على هذه العادة تضع نفس المظروف في جاكت والدي رحمه الله، ربي يبارك في عمر أمي علمتنا الكثير والكثير، وأنا الآن أتلقى العيدية من زوجي الحبيب مع أبنائنا بالرغم أنني أعمل لكنها عادة نسعد بها كثيراً.
تؤكد ريماس أنها وأخواتها وصديقاتها كن ينتظرن العيدية بسعادة كبيرة لشراء لعبة معينة أو الدخول للسينما مع الأصدقاء من الجيران والأقارب، أو حتى للاستمتاع بها بشراء الحلوى والآيس كريم أو أي طريقة أخرى.
- العيدية في الإسلام
يقول الشيخ محمد السعدي الأزهري إمام بالأوقاف ومن علماء الأزهر الشريف لسيدتي: إن إعطاء الأطفال "العيدية" مستحب فى الإسلام لإدخال الفرحة عليهم، وهذا الأمر سنة حسنة وليس بدعة، فدائما ما ننادي بإدخال السرور على الأبناء في هذه الأوقات، حتى نحقق المعنى الحقيقي للأعياد ما دام في دائرة المباح، وهي من باب التهادي التي حث عليها الدين الإسلامي والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم " تَهَادَوْا تَحَابُّوا "ويُعد من باب التقارب والتآلف بين الناس.
