حب الفنون.. ماذا يغذي فيك وماذا يمنحك؟

حب الفنون.. ماذا يغذي فيك وماذا يمنحك؟
حب الفنون.. ماذا يغذي فيك وماذا يمنحك؟

مما لا شك فيه أن الفنون بأنواعها المختلفة لها تأثير كبير في النفس البشرية، لكونها مرتبطة بشكل حميم بالأحاسيس والمشاعر.. وتؤدي الفنون دوراً بارزاً في التخلص من التوتر، وتعيد إلى النفس هدوءها في حالات الأزمات الشخصية، حتى أنها تستخدم في علاج بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب. انطلاقاً من ذلك، توجهنا إلى عدد من شباب الجيل الجديد، بالسؤال الآتي: حب الفنون عامة: ماذا يغذي فيك وماذا يمنحك؟ وأيها تشعر بأنه الأقرب إليك ويساعدك على المضي قدماً في طريق الحياة: الموسيقى، أم الغناء، أم الفن التشكيلي، أم الرقص بأنواعه...؟

جدة | أماني السراج Amani Alsarraj
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
تونس | منية كواش Monia Kaouach


دمج الثقافات المختلفة

سارة سميط

سارة سميط: العزف بالنسبة إلي تمرين كامل للدماغ، أتعلّم منه الصبر والانضباط الذاتي، والتغلّب على التحديات

 


سارة سميط، عازفة بيانو، من السعودية، شُغِفَت بحب الموسيقى، وبدأت ممارستها في سنٍّ صغيرةٍ، وتجلَّت فيها موهبةٌ كبيرة، تقول: «يعبِّر الفن عن مشاعري وأفكاري بطرقٍ مختلفةٍ وإبداعية، ويوسِّع آفاقي، ويجعلني أرى الأشياء من زوايا مختلفة، كما يسهم في تطوير مهاراتي الإبداعية والتحليلية، أضف إلى ذلك أن حبَّ الفنون بشكلٍ عامٍّ، يمكِّن الفرد من التواصل مع الآخرين من خلال لغةٍ فنيةٍ مشتركة، ويساعد على دمج الثقافات المختلفة».
وتضيف: «أحبُّ الموسيقى بشكلٍ عامٍّ، وتحديداً العزف على البيانو؛ إذ يهدِّئ ذهني، ويساعدني على التفكير بجميع الأمور المحيطة بي، والنظر إليها بعمقٍ، من ثمّ الوصول إلى حلٍّ لأي مشكلةٍ تواجهني، فالعزف بالنسبة إلي تمرينٌ كاملٌ للدماغ، أتعلَّمُ منه الصبر والانضباط الذاتي، والتغلُّب على التحديات، وزيادة الثقة في النفس، وكل هذا فتح لي أبواباً في العلاقات الاجتماعية، وساعدني على التعرُّف إلى شخصياتٍ مميزةٍ، أضافت لي الكثير في مجال الموسيقى والحياة عامةً».

 


صناعة الإبداع


عن بداياتها، تذكر سارة: «كان لوالدي الدورُ الأوَّل في حياتي الموسيقية، فهو عازفٌ هاوٍ محترف، وكذلك جدي، رحمه الله، كان يعزف على أكثر من آلةٍ موسيقيةٍ، فالعامل الوراثي إذاً من أهم الأسباب التي جعلت أذني موسيقيةً، وروحي تتعلَّق بالموسيقى».
وتتابع: «بدأت العزف حينما كنت في التاسعة من عمري؛ حيث لاحظ والدي شغفي بالموسيقى، فعمد إلى تدريبي وتحفيزي، وكنت أعزف آنذاك الأغنيات الشرقية على آلة الأورغ، ثم اكتشفت ميولي أكثر للمقطوعات الكلاسيكية التي تُعزَف على البيانو، وهنا اقتنيت هذه الآلة الرائعة، ثم شاركت في حفل تخرُّج طالبات المرحلة الثانوية في مسرح جامعة عفت بوصفي أول عازفةٍ، تقدِّم مقطوعاتٍ بهذا العمر، وأعدُّ هذه المشاركة الأهم لي، كونها ساعدتني على كسر الخوف من المسرح ومواجهة الجمهور».
واستطردت سارة في الحديث عن مشاركاتها بالقول: «ثاني مشاركةٍ لي، كانت سبباً بعد الله في الإعلان عن اسمي بوصفي عازفةً، في عرض أزياء والدتي المصممة منى الريحان بفندق The Ritz-Carlton في جدة، في حضور نخبةٍ من الشخصيات المهمة والمميزة، وكُرِّمتُ فيها من قِبل الأميرة لمى السديري عام 2020».
وتابعت: «بعد ذلك، وبفضل الله، شاركت في احتفالاتٍ ومعارضَ مختلفة، وصلتُ من خلالها إلى مسابقة MBC Academy التي ضمَّت 3018 مشاركاً من حول السعودية، وفزت فيها بالمركز الأول عن فئة العزف على مستوى البلاد. هذا الفوز نقلني إلى شريحةٍ مختلفةٍ من المشارَكات، أذكر منها على سبيل المثال، موسم جدة، واللقاء السنوي لمجلس القناصل الفخريين، وحفل استقبال ليزاولته بليزنر، سفيرة الدنمارك لدى السعودية، باستضافةٍ من ماجد الحكير، القنصل الفخري للدنمارك ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحكير، كما شاركتُ في حفل تدشين الشعار الجديد لنادي الهلال السعودي بفندق Four Seasons في الرياض، وأيضاً حفل تدشين منصة إبحار الإلكترونية لتسهيل دخول وتنقل اليخوت في السعودية في نادي جدة لليخوت».
يمكنك الاطلاع على الحرف اليدوية.. جهود لصون الإرث والعين على المستقبل


تناغم الفن والهندسة

هبة شقير


ترى اللبنانية هبة شقير (23 عاماً)، مهندسة في مجال الحاسوب والبرمجة، أن الفنون سواء أكانت فناً تشكيلياً، أم موسيقى، أم غناء، أم رقصاً، أم غيرها... هي وسائل للتعبير الإبداعي والتواصل، وتقدّم للأفراد العديد من الفوائد والتأثيرات الإيجابية.
وتوضح قائلة: «الفن يغذّي الروح ويمنح الإنسان الراحة النفسية، ويحسّن من مزاجه. إلى جانب الهندسة، هناك شغف آخر يحكم حياتي، وهو الرسم والموسيقى. فأنا أعدّ الرسم الطريقة الأمثل والأرقى التي أعبّر بها عن ذاتي، وأشارك فيها مشاعري وأفكاري بطرق فريدة من نوعها وإبداعية، من خلال الرسم على حجارة البحر على سبيل المثال أو على الخشب، أو القماش والجدران في إطار مشروعي الخاص Artstone_hiba على إنستغرام وتويتر».
تضيف: «شغفي هو سرّ قوتي؛ لأنني أؤمن أنه لا حدود للفن، فكلما ازدهر وتعدّد تزهر الحياة ويعمّ السلام؛ إذ إنه قادر على تعزيز الفرح والحب والتخفيف من الحزن، وضبط الغضب والكراهية وغيرها من المشاعر.
تستطرد هبة: أنا أؤمن أن الفن يتمتّع بدور فعّال في عملي في مجال الهندسة والبرمجة أيضاً؛ حيث أحب استخدام مهاراتي التقنية لتحويل الأفكار الإبداعية إلى حقيقة تقنية. وأعتقد أن التلاقي بين الفن والتكنولوجيا يمكن أن يفتح الأبواب لإبداعات مدهشة للوصول إلى ما بعد المستحيل.
كما ذكرت سابقاً أن لا حدود للفن، دائماً أرغب في التقدّم وتجربة أفكار وأساليب جديدة وفريدة تتعدّد باستخدام مختلف الأدوات والتلوين، كالفحم أو ألوان الباستيل... الأكواريل والأكريليك، وحتى الألوان الزيتية وغيرها... كما تتنوّع أعمالي من مناظر طبيعية، وطبيعة صامتة، وبورتريه وMedia Mixed وغيرها.
ولكل فنان أسلوبه الخاص في عمله، فأنا أعشق الرسم الحي والعروض المباشرة... كل جزء من جسدي يعبّر عن بركان من الشغف والحماسة، فتراني أستبدل الفرشاة بأصابع يدي كلها، وتصبح ثيابي ملجأ لدمج الألوان وخلق الإبداع... هكذا أعبّر عن الفن وجماله وتميّزه».


مصدر الفرح والوفاء

إقبال الجامودي


من جانبها تقول إقبال الجامودي، طالبة مغربية في الثالث الثانوي، أحب البيانو جداً، وأعزف عليه منذ بضع سنوات بعدما درست الموسيقى في أوقات فراغي. وأستطيع أن أؤكد اليوم على التأثير الإيجابي للموسيقى في عقلي ودراستي. في الواقع، أعتقد جازمة أن العزف على البيانو كان مصدراً للفرح والوفاء. فهو لم يوفر لي منفذاً إبداعياً ووسيلة للتعبير عن الذات فحسب، بل ساعدني أيضاً على التفوق الدراسي. وأجد أن أحد أهم فوائد العزف على آلة موسيقية مثل البيانو هي أنه يمكن أن يحسن الوظيفة الإدراكية للشخص، ويزيد من الاتصالات العصبية في الدماغ. فقد أظهرت الدراسات التي اطلعت عليها، أنه يمكن أيضاً أن يعزز الذاكرة، والتفكير، والمهارات اللغوية. كل ذلك ضروري للنجاح الأكاديمي.
تضيف إقبال: «إضافة إلى ذلك، يتطلب العزف على البيانو التركيز الكامل، والاهتمام بالتفاصيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بأشياء، مثل قراءة النوتة الموسيقية، ووضع يديك بشكل صحيح، فضلاً عن التبديل كل ثانية إلى المفتاح والملاحظة الصحيحة، وهذه المهارات هي ذات قيمة في أي مجال من الدراسة».
وتتابع قائلة: «شخصياً وجدت أن العزف على البيانو ساعدني على الاسترخاء بعد حصة دراسة متوترة وطويلة، وساعدني على إدارة التوتر، وتطوير قدرات الانضباط والمثابرة. يتطلب تعلم قطعة جديدة دائماً الصبر والتفاني، والشعور بالإنجاز الذي يصاحبها مفيد للغاية، ويمكنني أن أقول الشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بدراستي وتحصيلي العلمي؛ حيث يمكن ترجمتها إلى أخلاقيات عمل قوية».
توضح أخيراً: «بشكل عام، كان للموسيقى والعزف على البيانو تأثير إيجابي ملحوظ في دراستي ورفاهي العاطفي. إنها هوايتي التي سأكون حريصة على أن تستمر معي من أجل الاستمتاع بها لسنوات قادمة».
يمكنك أيضاً الاطلاع على التراث السمعي والبصري نافذتنا إلى الشعوب


إثبات القدرة على الإبداع والتّميّز

مريم المزغنّي

مريم المزغنّي: الفن هذّب ذوقي وأطلق العنان لخيالي وأرشدني إلى مواطن الجمال في داخلي

 


تتحدّث الشابة التونسية مريم المزغنّي (16 عاماً)، أولى تعليم ثانوي، عن حبّها للفنون عامّة، قائلة: «ساعدني الفنّ على اكتشاف مواهبي، وهذّب ذوقي، وفسح لي المجال لأثبت قدرتي على الإبداع والتّميّز، وأيقظ فضولي الفكري، وأطلق العنان لخيالي، وأصبح وسيلتي المفضّلة للتّعبير عمّا يخالجني من أحاسيس ومشاعر، وأرشدني إلى مواطن الجمال الكامنة داخلي والموجودة في الطّبيعة والكون.

 


حب الموسيقى


تبيّن مريم أنّها بدأت الغناء بصفة تلقائيّة، فكانت تنطلق في غناء مسترسل يظهر خامات صوتها كلّما تخلو إلى نفسها أو تجتمع بصديقاتها أو تحضر مناسبة عائليّة، مضيفة: «أحاول دمج الموسيقى في حياتي اليوميّة والدّراسيّة».
توضّح مريم أنّها انخرطت في معهد خاصّ للموسيقى لتتمكّن من المبادئ الموسيقيّة، ولتتعلّم قواعد العزف على آلة «الجيتار»، ثم شاركت في عروض موسيقيّة جماعيّة نظّمها معهد الموسيقى، فشاهدت تصفيق الجمهور الطّويل، وإعجابهم الشّديد؛ مّا حثّها على المواصلة وبذل مزيد من الجهد لتمضي قدماً في طريق الغناء، ولتحقّق مستقبلاً فنّياً راقياً، وهي تنوي التّخصّص في تعليم جامعي موسيقي جاد، يمكّنها من الاحتراف الملتزم في وقت لاحق.


الانضباط والمثابرة


تقرّ مريم باستفادتها من تجربتها الموسيقيّة، فزيادة على المتعة والبهجة التي تعيشها أثناء العزف والغناء، منحتها الموسيقى صفاءً ذهنيّاً ونقاءً روحيّاً، وانعكس ذلك إيجاباً على نمط حياتها، فامتثالها المتكرّر لمواعيد التّمارين جعلها تلتزم بالتّخطيط وتقسيم الوقت، حتّى توفّق بين زمنها المدرسي وزمنها الموسيقي، فاكتسبت مهارة ترتيب الأولويّات، وطبّقتها أيضاً في دراستها وحياتها الخاصّة.
وتستطرد مريم بالقول: «أسهمت تجربتي الموسيقيّة في اندماجي داخل المجتمع؛ إذ تعلّمت من العزف الجماعي رفقة فريق متجانس ومتناغم الانضباط والمثابرة والتركيز، وهي شروط لازمة لإنجاح كلّ عمل مشترك، كما جعلتني أدرك أنّه من واجبي أن أضع هدفاً لنفسي، وأنّ من حقّي أن أحاول وأكرّر وأسقط ثمّ أنهض إلى أن أبلغ ما أريد».
كما تطرّقت مريم أيضاً إلى ما لاحظته من تغيير في سلوكها وطباعها بعد تعاطيها للموسيقى. فلم تعد تلك الفتاة التي تغضب وتتشنّج بسرعة، وتشتكي من أبسط المشاكل، أو تتحدّث بارتباك وتوتّر، فقد منحتها الموسيقى طاقة تحمّل كبيرة، وأكسبتها نضجاً فاق عمرها، وفي الوقت نفسه رهّف من أحاسيسها، تتابع: «أصبحت ليّنة صوتاً وفكراً وتعاملاً، كما حمّلتني الموسيقى مهمّات ورسائل إنسانيّة، فجعلت منّي فتاة متسامحة مع عائلتي وأصدقائي، وجعلتني لا أبخل في مساعدة من يحتاج إلي، ولا أحكم على غيري ولا أتسلّط وأستبدّ برأيي».
يمكنك أيضاً التعرف على «الفيقرز».. هواية شبابية جديدة نابعة من الثقافة اليابانية