لماذا تدوم بعض الصداقات وأخرى تختفي؟

مجموعة من الأصدقاء يستمتعون وسط الطبيعة الساحرة
مجموعة من الأصدقاء يستمتعون وسط الطبيعة الساحرة فالصداقة إحدى منح الحياة الأثيرة

كثيراً ما يرهقنا التساؤل عن لغز الصداقات الدائمة: لماذا يدوم بعضها في حين لا يدوم بعضها الآخر؟! ولماذا تقل وثاقة رباط علاقتنا مع أعزائنا بمرور الزمن وتعاقب الأيام؟ وهل يمكن أن نعيد وثاقة هذه العلاقة؟ فالصداقة أحد أثمن العلاقات الإنسانية وأجملها وأرقاها وأنقاها، ومن حظي بصديق حقيقي؛ فقد أنعمت عليه الحياة بنعيم لا يُوصف وسعادة لا تنتهي، فالأصدقاء الحقيقيون هم ملاذك الآمن في الأيام الجيدة والسيئة، ولسان الصدق الذي يعيدك لجادة الصواب؛ فالصداقات لا ترافقنا في اللحظات السعيدة فقط، بل تؤثر أيضاً في الطريقة التي ننظر بها إلى العالم الذي يجعلنا نظل نعيد التساؤل ذاته عن أسباب استدامة الصداقات في حين لا يدوم بعضها الآخر؟ بالسياق التالي "سيدتي" التقت رجاء سميح نبيه اختصاصي تنمية بشرية ودعم مجتمعي؛ لتساعدك في إيجاد إجابة حقيقية لهذا التساؤل المضني.

الصداقة علاقة إنسانية متفردة

صديقتان تتضاحكان معاً فالصداقة من العلاقات الإنسانية الرائعة التي تمنح الإنسان السعادة والثقة والسرور


تقول رجاء لـ"سيدتي": الصداقة من العلاقات الإنسانية القوية التي تؤثر في حياة الإنسان وتمنحه السعادة والسرور والأنس والراحة، وهي العلاقة الروحية التي تُبنى بأساسها على الصدق، والمحبة، والتعاون، والإخلاص، والتفاهم، والثقة ورفيقها الدائم الولاء، وهي العلاقة الودية القلبية النقية التي لا تحمل عُصبة ولا قرابة؛ فالصديق يمكن أن يكون كالأخ، ورُب أخٍ لم تلده أمك، فالصديق هو من يمنحنا القوة عندما نشعر بالإحباط ويحفزنا على التماسك والتمسك بثوابتنا الأخلاقية إذا اشتد الخطب وعم البلاء، والصديق هو الملاذ الآمن في الأيام الجيدة والسيئة وهو رفيق الدرب الذي يشاركك ويحاورك ويناقشك ويجاورك ويهديك وينجيك وينصحك ويحتوي غضبك ويستفز شقاوتك ويصدقك القول والفعل، ومهما تحدثنا عن الصداقة؛ فلن تكفي أوراق الحياة لنملأها بما يمكن أن تعنيه الصداقة لكل منا، فلا طعم للحياة بلا أصدقاء، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن أن ننكر أن تكوين الأصدقاء والحفاظ عليهم ليس بالأمر السهل؛ فاستدامة الصداقات أمر ليس سهلاً ولا يسيراً، فقد يحيط بك كثير من الأصدقاء وتعتقد أنهم أصدقاء حقيقيون، ولكن مع الوقت يتساقطون من حولك ويختفون وأنت لا تعلم السبب.

أسرار الحفاظ على الصداقة

تقول رجاء: من المعروف أنه لا تتطور كل الصداقات إلى روابط عميقة، ولكن عندما يحدث ذلك، فإنها تشترك عموماً في عنصرين رئيسيين: الرفقة والقرب.

  1. النوع الأول: ينشأ عندما يكون لدى شخصين اهتمامات أو قيم أو أنشطة مشتركة.
  2. النوع الثاني: يتم بناؤه مع مرور الوقت من خلال الدعم المتبادل والثقة.

ففي بعض الأحيان، مجرد مشاركة مجموعة دراسية أو ممارسة الرياضة نفسها يكون كافياً لإنشاء اتصال صداقة وثيق، ومن ثَمَّ استدامة الصداقات ومع ذلك، حتى أقرب الصداقات يمكن أن تواجه صعوبات وتحديات فيعتريها الوهن والضعف، على أنه لمنع الصراعات من أن تؤدي إلى المزيد من التباعد أو الانفصال النهائي؛ يوصي الخبراء بمعالجة الخلافات من خلال محادثة صادقة وغير متحيزة. بدلاً من الاتهام أو الرد بشكل دفاعي، من الأفضل التعبير عن المشاعر بوضوح وبشكل مفتوح. ومع ذلك، فإن بعض الصداقات تنتهي بشكل طبيعي مع مرور الوقت. إن مفتاح الحفاظ على علاقة طويلة الأمد هو الاتساق والثقة والاستعداد للتكيف مع التغييرات. في النهاية، ليس من المتأخر أبداً تكوين صداقات جديدة أو تعزيز العلاقات مع الأصدقاء الحاليين.
نحو المزيد تابعي الرابط التالي: كيف تحافظ على ديمومة الصداقات؟..خطوات فعَّالة ستغير حياتك

أسباب تباعد واختفاء بعض الصداقات

مجموعة من الصديقات يستمتعن بالتقاط صورة سيلفي وسط الطبيعة الساحرة حيث الصداقة تحتاج للحب والتواصل والاهتمام لكي تستمر

تقول رجاء: في الوقت الذي نعتقد فيه أن الأصدقاء الذين نكوِّنهم سيستمرون مدى الحياة، فإن هذا ليس هو الواقع دائماً بالنسبة لمعظم الناس؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات أننا نفقد نحو نصف الصداقات التي لدينا ونستبدل بها صداقات جديدة، وهذه هي الأسباب:

بعد المسافة

قد تكون أنت أو صديقك انتقل كل منكما لمكان سكن مختلف عن الآخر يبعد جغرافياً عنك بمسافة كبيرة تستدعي سفراً مثلاً، وبالنسبة لبعض الناس، فإن الالتزام بصداقة بعيدة المدى ليس شيئاً يمكنهم التعاطي معه، ولا يمكن أن يكرس لاستدامة الصداقة، حيث تتطلب الصداقة التقليدية طويلة المدى الجهد والتواصل والرغبة العامة في البقاء على اتصال، ومع متطلبات الحياة الواقعية (العلاقات والوظائف والأطفال) التي تستهلك حياتنا وميل الناس إلى البقاء مرتاحين ضمن روتينهم التقليدي؛ فليس من الصعب أن نرى كيف يمكن أن تتحول صداقتك من علاقة وثيقة ذات معنى في الحياة الواقعية إلى مجرد صداقة على فيسبوك.

أنماط الحياة المختلفة

توضح رجاء: عادةً ما نكوِّن علاقات مع الأشخاص الذين نرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً كزملاء الدراسة أو العمل أو في نشاط مشترك، وبمجرد أن يتغير ذلك الشيء الذي جمع بينكما، تقل احتمالية بقاء صداقتكما سليمة ومستمرة. ومع تطور الحياة، ينمو الناس ويتغيرون بشكل طبيعي، فيكتشفوا أن مساراتهم لا تتقاطع كثيراً فتفتر العلاقة ويقل توهجها، ومن ثَم يحدث التباعد حتى تختفي الصداقة مع الأيام.

العلاقات الأخرى

في حين أننا نحب أن نعتقد أننا قادرون على تحقيق التوازن بين أنواع العلاقات المختلفة في حياتنا؛ فإن الحقيقة هي أن بعض العلاقات ستحظى بطبيعة الحال بالأولوية على حساب غيرها. سنختار قضاء الوقت مع شركائنا بدلاً من أفضل أصدقائنا. ستفوز الأنشطة اللامنهجية لأطفالنا على ليالي مشاهدة الأفلام مع رفاق دربنا، وفي الوقت الذي تبدو فيه الصداقات مرنة ومتفهمة بطبيعتها؛ فإنها ستذبل حتماً إذا لم يتم تخصيص الوقت والثبات لتغذيتها. عندما يشعر أحد الأصدقاء بأنه يأتي في المرتبة الثانية دائماً، فمن الطبيعي أن يبحث عن نظام دعم يضعه في أعلى قائمة الأولويات.

اختلاف سقف التوقعات

كل منا لديه مجموعة مختلفة من التوقعات عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية، بما في ذلك الصداقة، وفي حياتنا العامة سيبذل كل منا المزيد من الطاقة والجهد للتواصل من أجل استدامة الصداقات، وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن قضاء الوقت معاً أكثر أهمية من الرد على رسالة نصية من الفور، يعتقد الآخر أن مجرد الرسائل النصية أو مواقع التواصل الاجتماعي كافية بوصفها وسيلة للتواصل، وفق هذا السياق عندما لا تتوافق احتياجاتنا وتوقعاتنا من أصدقائنا -أو عندما نكون عند مفترق طرق- فقد نشعر بالتقليل من شأننا أو عدم التقدير. ومن ثَم نكتشف أن ما اعتقدنا أنه صداقة وثيقة يعتبره الشخص الآخر مجرد معرفة، ومن ثَم تتلاشى العلاقة مع الوقت.

الابتعاد عن الآخرين

في بعض الأحيان لا تكون الظروف الخارجية أو الابتعاد بسبب السفر أو حتى ظهور علاقة جديدة بحياتك هي التي تؤثر في صداقاتك، بل نظرتك لعلاقتك مع هذا الصديق ومدى التحولات والتغيرات التي تحدث للعلاقة أو له هو شخصياً التي لم تكن تدركها؛ فقد تكتشف أن هذا الصديق في الواقع أكثر سمية مما كنت تعتقد، أو أنه ليس على قدر المسؤولية والمكانة التي وضعته فيها، ومن ثَم تكتشف أن هذا الصديق لا ينتمي إلى حياتك ولا يشبه عالمك، وأنه لم يعد يضيف قيمة إيجابية إلى حياتك؛ فيكون من الجيد الابتعاد.
بالنهاية مع مرور الوقت والعناية والتفهم من قبل طرفي علاقة الصداقة، من المفترض أن تدوم بعض الصداقات إلى الأبد، لكن الكثير من أصدقائنا سيغادرون حياتنا. من المهم أن ندرك أن هذه عملية طبيعية وعادية -لا يوجد خطأ في فقدان صديق. فقط لا بُدَّ أن نتعلم ما يمكننا تعلمه من الوقت الذي نقضيه معهم، وأن نعتز بما وثقناه من ذكريات.

 

وإذا تابعت الرابط التالي فستتعرفين إلى: أبرز أسس بناء الصداقة العميقة