خديجة الخرتيت: من مصلحة مجتمعاتنا الاستفادة من طاقة المرأة

خديجة الخرتيت، مؤسسة منصة FUJN الرقمية لتمكين النساء وتوظيفهن
خديجة الخرتيت، مؤسسة منصة FUJN الرقمية لتمكين النساء وتوظيفهن

من المغربِ إلى السعوديَّة، فالولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة، حملت خديجة الخرتيت معاناةَ المرأةِ الأمِّ التي يقودها شعورها بالخوفِ من التقصيرِ تجاه عائلتها إلى تضييعِ الفرصِ المهنيَّة، والتضحيةِ بأحلامها وشغفها. من هذا المنطلقِ، أسَّست الخرتيت منصَّة FUJN التمكينيّة الرقميّة، لتكون قاعدةَ دعمٍ نفسي ومهني واجتماعي ومادي، لعديدٍ من النساءِ في العالم.
الخرتيت، تحدَّثت لـ «سيدتي» عن تجاربها الحياتيَّةِ الشخصيَّةِ والمهنيَّة التي قادتها إلى تأسيسِ المنصَّةِ بعد أن أجبرها تشخيصُ ابنها بـ «التوحُّد الشديد» على إيقافِ مسيرتها المهنيَّة، ليكون دورها بوصفها أماً أولويتها في الحياة.

خديجة الخرتيت

 

                                         خديجة الخرتيت، مؤسسة منصة FUJN الرقمية لتمكين النساء وتوظيفهن
 

عرِّفينا على خديجة الخرتيت، وما الخلفيَّةُ العلميَّةُ والثقافيَّةُ والاجتماعيَّةُ التي أتيت منها، وخوَّلتكِ حملَ كلِّ هذه القضايا بقوَّةٍ وإصرارٍ؟

وُلِدتُ في المغرب، ولاحظت منذ سنٍّ مبكِّرةٍ أن النساءَ شجاعاتٌ، ومحبَّاتٌ، لكنْ لديهن إمكاناتٌ غير مستغلَّةٍ، كما أن التعليمَ، كان عنصراً مفقوداً في حياتهن! بعد تخرُّجي في إحدى أفضلِ الجامعاتِ في بلادي، انضممتُ إلى تجربةٍ أكسبتني منحةَ "فولبرايت" التي استخدمتها للحصولِ على الماجستير في إدارةِ الأعمال من الولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة. تولَّيتُ وظائفَ مع شركاتٍ متعدِّدةِ الجنسيات، واكتشفتُ عبرها نقاطَ القوَّةِ والضعفِ لدي، لذا عدتُ، وملأتُ ثغراتي في المهاراتِ بدرجةِ ماجستير في علومِ التمويل وبرنامجِ المحلِّل المالي المعتمد CFA. في ذلك الوقتِ، تمَّ اعتمادُ نحو 10000 امرأةٍ فقط في العالم بوصفهن CFA، وكان من الجيِّدِ تمثيلُ النساءِ العربياتِ والمسلماتِ والإفريقياتِ في هذا المجتمعِ العالمي. بعد ذلك ذهبتُ للعمل في بنك UBS في سويسرا، وفي 2012 عُيِّنت أوَّلَ سيدةٍ تنفيذيَّةٍ لمنصب «الرئيسُ التنفيذي» لبنكٍ استثماري في المملكةِ العربيَّة السعوديَّة، وطن للاستثمارات والأوراق الماليَّة.
إثر كلِّ تلك الإنجازاتِ، ومع الأسفِ، تمَّ تشخيصُ ابني بـ «التوحُّد الشديد». في تلك اللحظةِ، كان الدورُ الأهمُّ، هو دوري بوصفي أماً، وعليه عُدت إلى أمريكا، وبدأت رحلةَ الدفاعِ عن الرعايةِ الصحيَّةِ لطفلي وذوي الاحتياجات الخاصَّة، وعقب 30 شهراً، ربحت المعركةَ، وحصل ابني على مكانٍ بأفضلِ مدرسةٍ للتوحُّد في بوسطن. تلك اللحظةُ، أعادت لي الأملَ، وحقَّقت جودةَ الحياةِ لابني، فقرَّرتُ ردَّ الجميلِ للآخرين.

 

"العالم يحتاج إلى منصة، لا تطرد فيها النساء من العمل أو التعليم بغض النظر عن ظروفهن"

 

إذاً، هذه التجاربُ الحياتيَّةُ، قادتكِ إلى إنشاءِ المنصَّة؟

عندما عدتُ إلى الولاياتِ المتحدة، كان عليَّ أن أترك فرصَ عملٍ عاليةَ الأجرِ في مجالِ الخدمات المصرفيَّة الاستثماريَّة، وبناءً عليه، وجدتُ نفسي مضطرةً لإعادةِ التفكيرِ في حلولٍ لمتابعةِ أعمالي، لذا أنشأتُ شركتي الاستشاريَّةَ من المنزل، وأصبحتُ عضوَ هيئةِ تدريسٍ مساعداً في جامعاتٍ أمريكيَّةٍ، وصرتُ أدرِّسُ عبر الإنترنت، ما ساعدني في عدمِ مغادرةِ سوق العمل، دون أن أهمل رعايةَ ابني. كذلك، وظَّفتُ نساءً بظروفٍ مشابهةٍ، وعملنا بشكلٍ جيِّدٍ مع هذا النظام، وكبرنا معاً باستخدامه. لقد قادني هذا إلى نتيجةٍ مفادها بأنَّ العالمَ، يحتاجُ إلى منصَّةٍ، لا تُطردُ فيها النساءُ من العملِ، أو التعليمِ بغضِّ النظرِ عن ظروفهن.
تشعرُ النساءُ، خاصَّةً العاملات، بالذنبِ داخلهن على الدوامِ على الرغمِ من أداء واجباتهن تجاه أطفالهن، إذ يرين أن كلَّ ما يقدِّمنه غير كافٍ، لذا يبتعدُ كثيرٌ منهن عن العملِ في سبيلِ تربيةِ أطفالهن، وهذا ما يسمُّونه بـ «عقوبة الأمومة». من جهتنا، نعتقدُ في Fujn، أن هذه العقوبةَ قد تختفي، أو يتمُّ تقليلها مع الإمكاناتِ التي يوفِّرها نظامُ التحكُّمِ الرقمي عن بُعدٍ، والمرونةُ في العمل.
يمكنكم متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

 

التعرف على احتياجات المرأة

 

خديجة الخرتيت، مؤسسة منصة FUJN الرقمية لتمكين النساء وتوظيفهن


ما الذي يميِّزُ Fujn في ظلِّ وجودِ كثيرٍ من المنصَّاتِ الهادفةِ إلى تمكينِ ودعم النساء حالياً؟

نحن في المنصَّةِ، لا نقومُ بـالمساعدةِ، بل بالتمكينِ، وتطويرِ القدرات، وتقديمِ أدواتٍ حقيقيَّةٍ للنموِّ، ثم إنَّ Fujn تبدأ من الأهدافِ النهائيَّة، ومن التعرُّفِ على احتياجاتِ المرأةِ ورغباتها، وتوصي بالمساعدةِ سواءً في تطويرِ المهارات، أو تأمينِ الخبراءِ والموجِّهين، أو توفيرِ الوظائفِ ومجموعاتِ الدعم. إنه حلٌّ مترابطٌ، وليس مجرَّدَ قائمةٍ من الخدمات.
يتكوّن فريق FUJN من 25 شخصاً، منهم 22 امرأةً، وأنا مؤسِّسةُ المنصَّة، ويتمُّ توسعةِ الفريق في عدة دول. حتى اليوم، نظَّمنا أكثر من 400 دورةٍ تدريبيَّةٍ، ونشرنا مئاتِ المقالات، والموادِّ الصوتيَّة. نقومُ بتنشيطِ العلاقاتِ مع عديدٍ من منصَّاتِ التوظيفِ في جميعِ أنحاء العالم لإدراج وظائفها في Fujn's Job Room، وحالياً بدأنا التعاونَ مع حكوماتٍ لدعمِ برامجَ مخصَّصةٍ، كذلك بدأنا أوَّلَ تعاونٍ مع جامعةٍ إفريقيَّةٍ مرموقةٍ، ونقوم بنقاشاتٍ مع إداراتِ المسؤوليَّةِ الاجتماعيَّةِ لشركاتٍ مختلفةٍ مثل Meta، وGoogle Cloud، وDell لتمويلِ تنميةِ مهاراتِ النساء وتوظيفهن.

تعملُ Fujn كما ذكرتم على تسريعِ وتيرةِ سدِّ الفجوةِ بين الجنسَين، أين تكمن هذه الفجوة؟

للفجوةِ بين الجنسَين مظاهرُ عدة، منها فجوةُ صنعِ القرار، وفجوةُ التمويل، وفجوةُ الثروة، وفجوةُ الأجور، وأخيراً، والأهمُّ فجوةُ الثقة، إذ إنَّ ثقةَ النساءِ في قدرتهن على تحقيقِ أمورٍ عظيمةٍ أقلُّ بكثيرٍ من ثقةِ الرجال، وهذا يجبُ أن يتغيَّر!

رسالةُ Fujn الموجَّهةُ للنساءِ تقول: تجرَّئي على إعادةِ تصوُّرِ إمكاناتكِ، إلى أي مدى ترين النساءَ العربيات جريئاتٍ ومقداماتٍ اليوم؟

تفاجئني كثيرٌ من النساءِ العربياتِ بذكائهن، ومثابرتهن، وأصالتهن، وشجاعتهن، وهناك عديدٌ من النقاطِ المضيئة، وقصصِ النجاحِ التي يمكننا الاستفادة منها لتتبعها نساءٌ أخريات. التحدي يكمن في كيفيَّةِ جعل هذه الحركةِ ديمقراطيةً، حيث تستفيدُ النساءُ في العالم العربي من تحسينِ المهاراتِ، والأدواتِ الرقميَّة، وجميعِ النظمِ البيئيَّةِ قيد الإنشاءِ لتمكينهن.

هل باتت مجتمعاتنا اليوم مؤهلةً لاحتواءِ كلِّ هذه الطاقةِ التي تتمتَّعُ بها المرأة؟

سأجيبُ بنعم، لأنني متفائلةٌ، ومن مصلحةِ مجتمعاتنا الاستفادةُ من طاقةِ المرأة. أستطيعُ أن أرى بوضوحٍ التزاماتٍ ثابتةً من الحكومتَين السعوديَّة والمغربيَّة، على سبيل المثال، لإطلاقِ وتمويلِ وإدارةِ برامجَ طموحةٍ مصمَّمةٍ لدعم إدماجِ المرأة، أو إعادةِ دمجها في القوى العاملةِ، وريادةِ الأعمالِ، والاستقلالِ الاقتصادي، والشمولِ المالي، لذا أشعرُ بأن بعض الدولِ العربيَّة قد تسيرُ بوتيرةٍ أسرع من أخرى غربيَّة.

لكنَّكِ بنيتِ منصَّتكِ من الولاياتِ المتحدة تحت تصوُّرِ بناء عالمٍ من الاحتمالات للمرأة، هل الاحتمالاتُ في الغربِ مختلفةٌ؟

كلا، لا أعتقدُ أن الإمكاناتِ في الغرب، تختلفُ عن إمكاناتِ المرأةِ في الشرق. على العكسِ من ذلك، أعتقدُ أن الشرق الأوسط وإفريقيا، يمثِّلان إحدى مناطقِ المستقبلِ في العالم، وقد تكون الاحتمالاتُ فيهما أكثر وفرةً ممَّا هي عليه في الولاياتِ المتحدة. 60% من السكانِ العرب، تقلُّ أعمارهم عن 25 عاماً، لذا تخيَّلوا كم سيكون عددُ الخدماتِ والمنتجاتِ التي سيحتاجُ إليها هؤلاء الشباب. هذه إمكاناتٌ للمرأةِ لبناءِ شركاتٍ ناشئةٍ، وقيادةِ الشركاتِ، والحكوماتِ، والاضطلاع بعديدٍ من الأدوارِ لخدمتهم.

تمثيل المرأة في المؤتمرات التكنولوجية

شاركتم في عددٍ من الفعالياتِ بالعالمِ العربي أخيراً، منها ستيب في السعوديَّة، وجيتكس في المغرب، ما أهميَّةُ وجودكم في هذا النوعِ من الفعاليات؟

لقد عهدنا إلى أنفسنا في الفريقِ بمهمةِ تمثيلِ المرأةِ في مؤتمراتِ التكنولوجيا. قد تكون Fujn المنصَّةَ التقنيَّةَ الوحيدةَ في العالم التي صمَّمتها نساءٌ، أسَّستها نساءٌ، ونفَّذتها نساءٌ. في Step2022 في الرياض، وكذلك في جيتكس إفريقيا بدأنا عديداً من العلاقاتِ مع شركاءِ الأعمالِ، والمستثمرين المحتملين وبدأنا شراكاتٍ رفيعةَ المستوى مع عددٍ من الحكوماتِ، والجامعاتِ المرموقةِ، وشركاتِ التكنولوجيا ذات الأسماءِ الكبيرة.

كيف وجدتم ردودَ الفعلِ العربيَّةَ على رسالتكم؟

لقد تلقَّينا ترحيباً كبيراً من النساءِ الزائراتِ لهذه المؤتمراتِ على منصَّتنا، وفوجئنا أيضاً باهتمامِ الشركات.
أبرزُ ردودِ الفعل، كانت من الأمينِ العامِّ لمنظمةِ التعاون الرقمي، الأكاديميَّةُ السعوديَّةُ ديمة اليحيى، فعندما زارت جناحنا، كانت متحمِّسةً لرؤية منصَّةٍ تقنيَّةٍ ناشئةٍ، تقوم بنسبة 100% على النساء، وتأثَّرنا بوصفها لـ "Fujn" بأنها مصدرُ إلهامٍ. كذلك شاركت تغريدتها مع جميعِ أصحابِ المصلحةِ المهمِّين. اليحيى هي أيضاً مؤسِّسةُ "Women Spark"، ولكونها الأمينَ العامَّ لمنظمةِ التعاون الرقمي، كانت مشاركتها مهمَّةً جداً بالنسبة لنا، لأن Fujn تنجزُ مهمتها رقمياً، ودون الرقميَّة، لم نكن لنتمكَّن من تقديمِ المهارات، والعملِ المرن عن بُعدٍ، حيث إن شعارنا خلال الحدثِ كان «الرقمية + الدافع = ازدهارُ المرأة».
نتذكر معاً مشاركة المنصة في مؤتمر ومعرض ستيب السعودية 2022.

خلال زيارتكم الرياض، كيف وجدتم المشهدَ العامَّ في السعوديَّة، ومنجزاتِ المرأة؟

غادرتُ المملكةَ العربيَّة السعوديَّة عام 2014، وعدت إليها في 2022 للتحدُّثِ والعرضِ في # step2022. حقاً لقد أبهرني التقدُّمُ الذي تمَّ تحقيقه في ثمانية أعوامٍ، وسألخِّصُ تقييمي لهذا التغييرِ باستخدامِ خطابِ الأميرة ريما بندر آل سعود بمناسبةِ استضافةِ «معرض إكسبو 2030» العالمي. تقولُ: «إن التطوَّر الذي حدثَ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ في السنواتِ الثماني الماضية، هو أكثرُ من التطوُّرِ الذي تمَّ في الثمانين سنةً السابقة».
أنا أتَّفقُ معها في ذلك، وأعتقدُ أن السلطاتِ السعوديَّة، تخدمُ سكانَها، والنساءَ بشكلٍ جيِّدٍ من خلال التحفيزِ على النموِّ، ورعايةِ المساعي في مجالاتٍ مختلفةٍ.

كلمةٌ أخيرةٌ؟

سأقتبسُ من جاسيندا أرديرن، رئيسةُ وزراء نيوزيلندا قولها: إن «جميع الفجواتِ بين الجنسَين خارجيَّةٌ، ومفروضةٌ على النساء، باستثناءِ فجوةِ الثقة. لا يمكن لأحدٍ أن يساعدهن في إغلاقها إلا هن أنفسهن». لذا أنصحُ كلَّ امرأةٍ بقراءةِ قصصِ النساءِ الأخريات الملهمات، فمن خلال ذلك، ستحصلُ على كثيرٍ من الأفكارِ حول كيفيَّةِ التغلُّبِ على شكوكها الذاتيَّة.
وبالحديث عن تجارب النساء والأمهات بالتحديد، ننصحكم بقراءة هذا الحوار مع مؤسسة نادي الأمهات منار منشي: "قلب الأم دليلها"

 

                                                           خديجة الخرتيت، مؤسسة منصة FUJN الرقمية لتمكين النساء وتوظيفهن