يتخذ مسار التقنية في المملكة العربية السعودية منحىً تصاعدياً تسارعياً، تعززه الجهود الحكومية وحرص القطاعات المعنية على مواكبة التحولات العالمية، وتأتي في هذا السياق العديد من المبادرات لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار والتطوير في مجال تقنية المعلومات، ومن المبادرات التي شكلت علامة فارقة ضمن هذا المسار مبادرة "الكراج"، الذي يمثل بيئة عمل مبتكرة تجمع بين حاضنات ومسرعات الأعمال لدعم الشركات التقنية الناشئة ومساعدتها على النجاح والنمو.
وللتعرف أكثر إلى هذه المبادرة ودورها في دعم الشركات الناشئة تحدثنا إلى رائد الأعمال الدكتور الوليد البدر أحد مؤسسي شركة ذكاء ميد، إحدى الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي يحتضنها الكراج إلى جانب عدد كبير من الشركات الأخرى، وتعرفنا معه إلى تأثيرات الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي بما يساهم في تقديم حلول مبتكرة في مختلف المجالات وفي مقدمتها القطاع الصحي.
نموذج دعم فريد
في بداية حديثه أكد الدكتور الوليد البدر على أهمية المبادرات التي تدعم الشركات الناشئة وبالأخص شركات التقنية انطلاقاً من الدور الكبير والتأثير المهم لعمل هذه الشركات، وقال: "السوق السعودي يعد واحداً من أكبر الأسواق المحتملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووجود مبادرات تقدم الدعم لشركات التقنية يعني تمهيد الطريق لتحقيق نجاحات أكبر على المستويين المحلي والعالمي".
وأشار البدر إلى أن الكراج هو "نموذج فريد يجمع بين حاضنات ومسرعات الأعمال وأكثر، يقدم مختلف أنواع الدعم للشركات التقنية الناشئة المحلية والدولية والشركات الصغيرة والمتوسطة ليساعدها على النجاح والنمو وذلك بالتعاون بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وتم الإعلان عن المبادرة ضمن فعاليات معرض 2022 LEAP في الرياض"، وأضاف: "الكراج يضم اليوم ما يزيد على 300 شركة ناشئة، بالإضافة إلى قاعات للاجتماعات والفعاليات".
قطاع صحي مبادر ووقائي
يقول الدكتور الوليد البدر: "نسعى لأن يكون القطاع الصحي مبادراً ووقائياً أكثر من أن يكون علاجياً بعد حدوث المشكلة والمرض، وذلك للمساهمة في بناء قطاع صحي أفضل من خلال الذكاء الاصطناعي AI "، وتابع قائلاً: "لكي نقوم بعمل قطاع طبي وقائي يجب أن نكون قادرين على التشخيص الدقيق جداً لبيانات المرضى بشكل دائم ومستمر للمرضى، الأمر الذي كان صعباً قبل الذكاء الصناعي لأنه يتطلب تكلفة عالية جداً، وعدداً كبيراً جداً من الأطباء".
وأكد البدر: "تقنياتنا الجاهزة حالياً هي عبارة عن خوارزميات ذكاء صناعي تقوم بقراءة الأشعة الطبية واكتشاف جميع الملاحظات فيها، والتي نعتبرها حجر الأساس لبناء التشخيص والخطط العلاجية بنسبة دقة تجاوزت دقة الطبيب الاستشاري".
وأضاف: "يفيد الذكاء الصناعي في دعم رؤيتنا للقطاع الصحي وهي أن يكون هذا القطاع مبادراً، وقائياً، وتشاركياً، حيث يساعد على التشخيص والخطة العلاجية وتوقع نتيجة العلاج، وينطلق التشخيص من بيانات ضخمة لتشخيصات سابقة".
تعرفوا أيضاً إلى أبرز قدرات الحواسيب المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
شعب طموح
وشدد رائد الأعمال السعودي أن: "الشعب السعودي شعب طموح وذكي، ويسعى لقيادة التقدم في المجال التقني، خصوصاً مع دعم وتوجه من الدولة لتوطين هذه التقنيات وتصديرها للخارج، بصناعة سعودية".
وأضاف: "تعمل السعودية بقيادة قادتنا الطموحين ذوي الرؤية الثاقبة، على أن تكون رائدة عالمياً في التقنية وخصوصاً تقنيات الذكاء الصناعي، حيث قامت بإنشاء أكبر مسرعة أعمال والتي هي الكراج والتي تضم العديد من الشركات الناشئة عالمياً في الذكاء الصناعي، وهذه الشركات نقلت مقراتها الإقليمية للرياض".
أبرز التحديات والنصائح
توجه الدكتور الوليد البدر ببعض النصائح لرجال ورواد الأعمال في هذا السياق، قائلاً: "أرى بأن الذكاء الاصطناعي ليس فقط "ترند" أي نزعة أو توجه شائع لفترة محددة، بل هو الحاضر والمستقبل، فإذا لم تقم بالتأقلم والتدرب على استخدامه، والتعلم والاستثمار فيه، ففي الكثير من المجالات قد يغرقك هذا الموج العالي".
أما أبرز التحديات التي تواجه هذا النوع من الشركات فهي وفق قوله: "أبرز التحديات هي تكلفة الـ GPU وهي شرائح فائقة السرعة تقوم بتدريب وتشغيل خوارزميات الذكاء الصناعي، كذلك مهم جداً الحصول على كمية بيانات عالية".
وعن أهم العناصر التي أدت لنجاح مشروعه قال: "أهم العناصر هي توفيق الله، ودعم الأهل، براعة وخبرة فريقنا الطبي وفريقنا التقني الذكي والطموح، أيضاً دعم برامج رؤية 2030 لنا ممثلة في NTDP والكراج، ودعم وزارة الاتصالات".
عن الذكاء الاصطناعي: الخيل من خيالها
تحدث البدر عن مميزات عالم الذكاء الاصطناعي قائلاً: "يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقديم مجموعة من الحلول والأفكار لمختلف التحديات وقطاعات العمل، وهو يساهم من خلال معالجته للمعلومات وتقديم الإجابات والتحليلات في التغلب على الكثير من المشكلات المعقدة، وزيادة كفاءة الأعمال واتخاذ قرارات أكثر ذكاءً من خلال التنبؤ بالبيانات، واقتراح أفضل مسار للعمل في المستقبل، كذلك يُمكن تدريب الذكاء الاصطناعي لتنفيذ المهام بدقة وبسرعة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الكفاءة التشغيلية من خلال أتمتة الأعمال".
وقال: "بات هناك تكامل اليوم بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري، بطريقة لا تؤثر على دور الإنسان الفعلي والواقعي، بل إن تقنية الذكاء الاصطناعي أتت كأداة لتسهل دور الإنسان وتعينه على تأدية المهام بسرعة وفعالية ودقة كبيرة"، وأضاف: "الدخول في هذه التقنيات يتطلب استمرارية ومعرفة لما تريد الوصول إليه من خلال تحديد هدف واحد واضح، وتجمع فريق عمل طموح وذا مهارات عالية، متخصصاً في الجانب الذي تسعى للتطور ضمنه والذي يتوافق مع مجال دراستك وتخصصك العلمي".
وأشار البدر إلى أن "لكل تحول جانب آخر قد يحمل بعض السلبية وأن للذكاء الاصطناعي كأي تقنية أخرى سبقته، جوانب قد تتحول باتجاه السلبية إذا لم يتم إدراكها والتعامل معها بحكمة". وتابع حديثه بالقول: "أتفق مع الكثيرين أن الذكاء الصناعي قد يبدل العديد من الوظائف، ولكن على الجانب الآخر سيتيح العديد من الوظائف الأخرى، وعلينا أن نعامل الذكاء الصناعي مثل الحصان، من يستطيع توجيهه بالطريقة الصحيحة يقوم بإنتاجية عالية في جميل المجالات، فالخيل من خيالها".
في السياق ذاته اقرأوا أيضاً أبرز ما جاء في حوارنا مع البروفيسورة سلوى الهزاع، كبير الاستشاريين في طب وجراحة العيون قالت فيها: التوازن الرقمي لمستقبل أكثر إنسانية