يقيم المصمّم روبرتو كافالي في مدينة "فلورنسا" في داخل فيللا تنام بوداعة فوق التلال وتتنفّس نسائم الهواء المقبل من حدائق الورود والآس وعرائش العنب التي تحوط كلّ جانب منها. ويؤمن "ملك السحر والأناقة" أن المنزل مرآة لساكنيه، إذ يقول لزائريه: "أنا اليوم أفتح لكم بيتي وأطلعكم على أسلوب حياتي كي تعرفوا من هو روبرتو كافالي!".
ليست فيللا روبرتو كافالي المكان الرسمي الذي يستقبل فيه وزوجته الأصدقاء ورجال الأعمال ويقيم فيه الحفلات العائلية فحسب، وإنما هو المكان الذي تعيش فيه العائلة وتمارس فيه حياتها اليومية ما يجعله دافئاً وأليفاً وإن كان يحمل بعض ملامح الغرابة و"الفانتازيا" هنا وهناك.
ورغم امتلاك المصمم لبيوت عدّة حول العالم، إلا أن هذا المكان هو الأعزّ على قلبه لأنه ساحر وفيه كثير من الأصالة ويفوح من جنباته عبق التاريخ وفيه مقتنياته الشخصية التي يحبها، ولأن "فلورنسا" نفسها هي المدينة التي ولد بها وعاش في أزقتها أجمل أيّام حياته! وقد اختار هذه الفيللا توسكانية الطراز التي يعود تاريخها إلى سنة 1500 مكاناً للعيش والاستقرار، فهي جزء من تاريخ المدينة وإحدى أيقوناتها التي تحمل ملامح بيت ووظيفة متحف حيث يعود تاريخ البرج الذي هو نواة وقلب هذه الفيللا إلى سنة 1300! وقد حرص أصحابها على مرّ السنين على الحفاظ عليها كما هي، مع إضافة أجزاء أخرى حولها، وتوسّع البناء حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من فضاءات وسقوف بارتفاعات مختلفة، ولكنها متناغمة مع بعضها البعض ومع الحديقة التي تحيطها وتنتج تمازجاً رائعاً بين العمارة والفن من جهة والطبيعة من جهة أخرى، خصوصاً مع التماثيل الحديدية والزجاجية التي تنتشر حولها، وأحدها هدية من صديقه الفنان الإيطالي الكبير أرتورو دي مونيكا Arturo Di Monica.
يعيش كافالي في هذه الفيللا مع زوجته إيفا وإخوته منذ سنة 1974، وقد اختار الديكور الذي يناسب مزاجه وذوقه وأسلوبه، وأشرف على كلّ صغيرة وكبيرة بنفسه، وجاءت النتيجة مزيجاً متضاداً ومتجانساً في الوقت نفسه، حيث يقف المعاصر جنباً إلى جنب مع "الأنتيك" والتقليدي مع المقتنيات والتذكارات الغريبة التي جلبها أثناء رحلاته حول العالم. وبين هذا وذاك، ثمة لوحات وتماثيل ثمينة تحمل تواقيع أشهر الفنانين في العالم. أمّا الأثاث الخشبي فقد حرص على أن يكون من الطراز الفلورنسي التقليدي، مع أرائك وكراسٍ من المخمل والحرير والفرو مزيّنة ببصمة كافالي وتحمل تضاداً بالألوان والأحجام يبدو رائعاً ومثالياً بطريقة غير مألوفة!
وتتوسط جدار إحدى غرف المعيشة لوحات الفنان الإيطالي الشهير جيوفاني بولديني Giovanni Boldini، ويعلو إحداها الموقد الذي ما يزال يحمل عبق التاريخ بحجارته القديمة التي جمعت من تلال "فلورنسا". وتتوزّع في الممرّات والزوايا تماثيل من الخشب والعاج والحجر والمرمر يعود أغلبها إلى القرون الوسطى، فيما تغطّي الأنسجة الحريرية المصنوعة باليد والمطرّزة بالرسوم والصور بعض الجدران والمناضد، وتكثر على المناضد والأرضيات وفي الحديقة والمداخل قطع الزجاج والكريستال التي تأخذ شكل زهريات وكواكب وأجسام حيوانات وأشجار، وهذه الأخيرة تشكّل بعضاً من لمسات زوجته إيفا والتي تشاركه البيت والعمل منذ أن تعرّف إليها واقترن بها سنة 1977 عندما كان حكماً في مسابقة جمال العالم وكانت ملكة جمال النمسا سنتذاك. ومن يومها تحوّلت إلى مساعدته التي لا يستغني عنها، علماً أنّها تصغره بسنوات عدّة ما يجعل لمساتها أكثر جرأةً وشبابيةً.
ولكن، يبدو أن ذوقي الزوجين قد تطابقا أكثر في المطبخ الواسع الذي يحتلّ ركناً هاماً من البيت. فقد حرصا على أن يبقى محتفظاً بكل ملامحه القديمة وبطريقة مدهشة تعيد الناظر إلى سنين بعيدة إلى الوراء وتجعله يعيش الأجواء التاريخية التي تغلّف المكان، خصوصاً مع موقد الطعام الذي يعمل على الحطب والذي بقي هكذا بدون تغيير، مع ماكينة صنع السجق الحديدية التي تدار باليد. أمّا المنضدة الخشبية التي تتوسّطه فهي واحدة من إبداعات الفنان الإيطالي ماريو سيرولي، فيما تحتضن الجدران مجموعةً من الأيقونات الروسية الثمينة ذات الرسوم التقليدية والألوان البهيجة، كما تتوزّع على الأرفف والنوافذ مجموعة كبيرة من الزهريات الزجاجية من إميل غاليه Emile Gallé.
الكلاسيكية والمعاصرة
من يدخل فيللا كافالي، لا بدّ أن يبحث في كلّ غرفة وزاوية وركن عن بصمة هذا المصمّم الذي تربّع على عرش الموضة وما يزال، وهي موجودة في الملامح العامّة للديكور الذي يجمع بين الكلاسيكية والمعاصرة في توليفة مدهشة، وأيضاً في التفاصيل الصغيرة وأهمها الألوان البرية المتوحّشة المأخوذة من نقوش وطبعات جلود الحيوانات والأسمر الدافئ والتي تميّز الأنسجة والأقمشة التي يعتمدها في تصميم ثيابه، وفي التواجد الكبير للفرو حيث تستقبلك سجادة كبيرة من فرو حيوان المنك في مدخل الفيللا وفي بعض القاعات، مع سجادات ووسائد من فرو الخراف المنغولية وفرو الدببة والأرانب، وما أن تتخطّى الصالة الرئيسة باتجاه الحديقة الداخلية حتى تفاجئك بصمة أخرى تؤكّد عشق كافالي للحيوانات ورعايته لها، حيث تنتصب أقفاص خمسة ضخمة تحمل ببغاوات خمس غريبة الشكل، وتزداد دهشتك حين تعرف أن هذه الفيللا تحتضن أيضاً قردين وكلباً كبيراً وقطّة وكلبين صغيرين من نوع "مالتيس"! وهنا، يقول كافالي مجيباً على استفسارنا: "أنا أحب الحيوانات التي تتعرّف عليّ وتشعر بحبي"، ويضيف ضاحكاً: "أشعر بالسعادة عندما تحبني هذه الحيوانات ولا تحب غيري، فالببغاء على سبيل المثال تعضّ كل من يقترب منها، ولكن مزاجها يتغيّر تماماً عندما تسمع صوتي وتبدأ بمناداتي وتقبيلي عندما أقترب منها!".