يتعرّض المرء، خلال ساعات الصوم، إلى عدد من التغييرات الفسيولوجية. لعلّ أكثرها وضوحاً تلك التي تظهر في الجهاز الهضمي، ولاسيما الكبد والبنكرياس وخلايا المعدة، بالإضافة إلى التبدّلات الكيميائية التي تطرأ على نسبة مكوّنات الدم وبعض مركبات الجسم كتغيّر نسبة السكر في الدم ومحتواها من الدهون و"الكوليسترول". وتفيد دراسة نشرتها "الصحفية الماليزية للتغذية" Malaysian Journal of Nutrition مؤخراً أن للصوم تأثيراً كبيراً في إنقاص محيط الخصر الذي يستخدم لتقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم وداء السكري. وتشير نتائجها إلى تحسّن محتوى الدم من "الكوليسترول" الكلّي بصورة عامّة و"الكوليسترول" منخفض الكثافة.
"سيدتي " تطّلع من رئيس قسم طب الأسرة ومدير عام التدريب بمجموعة مستشفيات السعودي الألماني في جدة الدكتور أحمد عبد المنعم عن مدى تأثّر أعضاء الجسم بالصوم.
يعتبر الصوم تجربة روحية وجسمانية تستلزم من الصائم الإعداد الجيّد لها، بالإضافة إلى كونها فرصة تمكّن الصائم من اختيار نمط سليم للحياة، وذلك بالتخلّي عن العادات الضارّة بالصحة. وبصورة عامّة، يعمل الصوم على تنقية الدم والجسم من السموم والشوائب، ما يؤدي إلى تحسّن صحّة الأنسجة وسرعة تجديد الخلايا وزيادة نشاطها.
ومما لا شك فيه أن هناك بعض التغييرات التي تصيب الصائم أثناء فترة الصوم والتي يتوقّف مداها على طول فترة الصوم المتواصل، فضلاً عن سنّ الصائم. فمن المعروف، من الناحية الطبية، أن الجسم يدخل في حالة الصوم بعد مرور حوالي 8 ساعات متواصلة منذ تناول الوجبة الأخيرة، بينما تستمر ساعات الانقطاع عن الطعام أو الشراب أثناء شهر رمضان من 12 إلى 19 ساعة حسب اختلاف التوقيت الزمني بين البلدان، ما يؤدي إلى ظهور بعض التغييرات الفسيولوجية، أبرزها:
1- تغييرات في جهاز الهضم
تبيّن دراسة صدرت حديثاً عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية بلندن أن الصوم خلال شهر رمضان يؤثر على أجزاء الجهاز الهضمي، خصوصاً:
- الكبد: يعدّ بمثابة المتحكّم الرئيس في مخزون الطاقة المتمثّل في مادة "الغليكوجين" المدخرة داخله. ففي أثناء الصوم، يقوم الكبد بتحرير كميات من "الغلوكوز" الموجود مسبقاً فيه على شكل مخزون "الغليكوجين"، وذلك لإمداد الجسم بالطاقة اللازمة أثناء فترة انقطاع الطعام والشراب عن الجسم.
- البنكرياس: يقلّ إفراز "الأنسولين" أثناء الصوم، وهو الهرمون المسؤول عن خفض نسبة السكر في الدم، بينما يزداد إفراز باقي الهرمونات المسؤولة عن خروج مخزون الكبد والعضلات من "الغلوكوز"، وبالتالي رفع مستواه في الدم لإبقائه طبيعياً أثناء ساعات الصوم.
- المعدة: يقلّ الحامض المعدي مع تناقص تناول الطعام أو الشراب عن الحدّ اليومي المعتاد، ما يسمح لخلايا المعدة بالتجدّد واستعادة نشاطها بعد فترات من الإجهاد الناتج غالباً عن فرط وسوء التغذية، كما تتحسّن وظائف الهضم كثيراً بعد الصوم خصوصاً في حال المعدة المصابة بعسر الهضم.
- الحويصلة الصفراوية (كيس المرارة): تعمل الحويصلة على تركيز محتوياتها من العصارة الصفراوية استعداداً للوجبة التالية، ما يحسّن أداءها الوظيفي.
- الأمعاء الدقيقة: يلاحظ الأطباء نقصاً في إفراز العصير المعوي الهاضم أثناء الصوم، ما يؤدي إلى إراحة الأمعاء وتجديد خلاياها، بالإضافة إلى فوائد الصوم في تنظيم الحركة الطبيعية للأمعاء.
- الأمعاء الغليظة: تلعب الأمعاء الغليظة دوراً هاماً بعد الكلى في الحفاظ على توازن الماء داخل الجسم، بالإضافة إلى دورها الفعّال في امتصاص الماء من الطعام المتناول، ما يجعل الصوم فرصة مثالية لزيادة كفاءة حركتها وقدرتها على القيام بوظيفتها على أكمل وجه.
2- تغييرات الجهاز الدوري: يحقّق الصوم فوائد عدّة للقلب إذ يعمل على تنقية الدم، ما يمنح القلب دماً نقياً ونظيفاً، كما يسمح له بالراحة. فمن المعروف أنه في الحالة الطبيعية، يقدّر معدّل نبضات القلب بنحو 80 نبضة في الدقيقة الواحدة، بينما يختلف هذا المعدّل اختلافاً كبيراً أثناء الصوم إذ يزداد في بداية فترة الصوم، ثم يبدأ في التباطؤ بعد يوم أو يومين إلى أقل من 60 نبضة في الدقيقة الواحدة، ليعود بعدها ويثبت على 60 نبضة طوال فترة الصوم. ويكون هذا النقص في عدد نبضات القلب بمثابة فترة راحة لهذا الأخير يجدّد من خلالها نشاطه وحيويته.
3- التغييرات التي تحدث في الدم: يلاحظ الخبراء زيادة عدد كريات الدم الحمراء في الفترات الأولى من الصوم، لتتناقص بعدها، ثم تصل إلى نسبتها الطبيعية، بالإضافة إلى نقص درجة قلوية الدم عن الحال الطبيعية أثناء الصوم، مؤدياً نحو ميل بسيط نحو الحموضة إلى الأعراض التي تظهر خلال الأيام الأولى من الصوم والتي تتمثّل، في: التعب، والصداع والنعاس. وفي هذا الإطار، توضح دراسة نشرتها "الصحيفة الطبية لأكاديمية العلوم الإسلامية" Medical Journal Of Islamic Academy of Sciences أن صوم شهر رمضان يقلّل من عمليات أكسدة الدهون، حيث تعتبر أكسدة الأحماض الدهنية و"الكوليسترول" منخفض الكثافة بخلايا جدران الشرايين التاجية خطوة رئيسة في حدوث تصلّب شرايين القلب. وبالتالي، يعمل الصوم على حماية الأوعية الدموية وجدران الشرايين التاجية والحفاظ على صحة القلب بصفة عامة.