ظهرت أوضاع اليوغا منذ آلاف السنين واضطلعت بدور علاجي للعوارض النفسية السلبية والمتمثّلة في: التوتر والقلق والكآبة واضطراب النوم والأرق وبعض الأمراض الصحيّة (التهاب المفاصل ومشكلات الغضروف وهشاشة العظام ودوالي الأوردة والقولون والصداع). وقد رأى خبراء "مركز بحوث اليوغا" Yoga Research Foundation في "ميامي" بـ "الولايات المتحدة الأميركية" في "اليوغا" وسيلة تعزّز نقاط ضعف الجسم وتعيد توازنه وتخلّصه من السموم من خلال مدّ وإعادة توازن العمود الفقري الذي يعتبر الجوهر الهيكلي والعصبي للجسم، إلى جانب تطبيق تقنية التنفّس والتركيز والثبات والتأمّل.
"سيدتي" اطّلعت من الاختصاصية في اللياقة البدنية سحر نجدي على القواعد الأساسية لممارسة أوضاع اليوغا وفوائدها على الصحة النفسية والجسدية.
تتطلّب ممارسة رياضة اليوغا اتّباع القواعد التالية:
1- الأخلاق: تُعرف الأخلاق في علم اليوغا بـ "العهد الأعظم"، وتشمل: نبذ العنف وعدم السرقة وعدم الطمع والعفّة والصدق، وتطبّق جميعها من خلال اتّباع أنظمة شخصية محدّدة تتضمّن الطهارة والرضا والجدّية والدراسة والإخلاص. فالطهارة تشمل الجسد والعقل، والرضا يعبّر عن القناعة، بينما تعدّ الجدّية والصرامة والإخلاص متطلّبات أساسية لممارسة هذه الرياضة.
2- أوضاع تقليدية: تتطلّب الجلسة الثابتة والمنتصبة في وضع الاسترخاء أثناء عملية التأمّل فهماً حقيقياً لقوّة جاذبية الجسم نحو مركز الأرض، إذ تعدّ عمليّة الجلوس في حالة من الاسترخاء والسكون التام مع استقامة الظهر لمدّة نصف ساعة فقط بدون الشعور بألم في الظهر أو تنميل في القدم ممارسة صحيحة لتسكين العقل وعدم تشتيت الذهن الذي قد يظهر في صورة الحركة المفرطة أو الإحساس بالإجهاد البدني ما يؤثّر على قوّة التركيز ودرجة التأمّل.
3- التنفّس المنتظم: تعتمد ممارسة اليوغا على استخدام الطاقة الحيويّة الموجودة داخل أجسامنا، ويعدّ التنفّس جزءاً أساسياً منها. فالتنفّس المنتظم يساعد العمود الفقري أن يمتدّ بصورة طبيعية، مع عملية إخراج الهواء التي تسمح بممارسة أوضاع اليوغا بدون إجهاد بدني. ومن جهة ثانية، تفيد عملية التوقّف عن التنفّس أو حبس الأنفاس لبضع ثوانٍ، أثناء التدريب، في الوصول المباشر إلى نقطة من التوازن النفسي في نهاية عمليتي الشهيق والزفير، ما يحقّق الهدوء النفسي والصفاء الذهني والاسترخاء. ويؤكّد خبراء اليوغا على أن القدرات الفردية تختلف إلى حدّ كبير في فترة "حبس الأنفاس" التي تزيد بصورة طبيعية من خلال المواظبة على التدريب بمعدّل مرّتين في الأسبوع لمدّة نصف ساعة في المرّة الواحدة. ولإنجاح عملية "حبس الأنفاس"، يجب أن يكون طول عملية إخراج النفس ضعف طول إدخاله، فإذا افترضنا على سبيل المثال أن عملية إدخال النفس تستغرق 5 ثوانٍ، فإن إخراجه لا بدّ أن يستغرق 10 ثوانٍ.
4- الجاذبية: تتمّ عبر تطبيق مفهوم الثبات المتعلّق بالقوة التي تجذب الجسم للأرض كي يكون في وضع آمن ومستقر عند الاسترخاء. ويؤكّد مدرّبو اليوغا على أن الأوضاع التقليدية، سواء أثناء الجلوس أو الوقوف في وضع مستقيم، تستخدم قوة الجاذبية لتثبيت قاعدة الجسم على الأرض بما يمكّن العمود الفقري من التمدّد بصورة طبيعية أثناء التنفّس.
5- التركيز: لا تنجح اليوغا في تحقيق توازن الطاقة الداخلية في الجسم بدون ممارسة فعلية لعنصر التركيز، فهذا الأخير يمكّن الفرد من الحصول على لحظات من السكون والهدوء النسبي بين الطبقات النشطة في المخ أثناء التدريب. وفي هذا الإطار، يشير علماء النفس إلى أن ممارسة التأمّل قد تجعل المرء أكثر وعياً بذاته من خلال التعرّف على نقاط القوة والضعف في شخصيته، بما يجعله أقل أنانية وأكثر اكتساباً للتجارب العملية وأسرع تقييماً للظروف المحيطة بصورة واقعية.
شروط خاصة
ثمة شروط معيّنة تتمتّع بها رياضة اليوغا، أبرزها:
- المكان: يجب أن تُمارس اليوغا على سطح منبسط في مكان ذي حرارة معتدلة يتمتّع بمساحة تكفي عند الاستلقاء على الظهر ومدّ الذراعين للأعلى فوق الرأس.
- الأدوات: يحتاج ممارسو اليوغا إلى سجادة لمنع الانزلاق وبطانية أو وسادة للوقوف على الرأس أو الكتفين، بالإضافة إلى مرآة للنظر فيها أثناء ممارسة الأوضاع المختلفة من اليوغا، خصوصاً في الوضع المستقيم. ولا بدّ أن تستقرّ المرآة على الأرض في وضع عمودي بطول الجسم.
- الملابس: لا بدّ من ارتداء ملابس خفيفة وقطنية، ويُفضّل أن تكون عبارة عن "تي شيرت" وبنطلون واسع مريح، فضلاً عن الجوارب للحدّ من الشعور بالبرودة بعد ممارسة التمرين.
- الوقت: يوصى بالتدريب في أوقات محدّدة، ويمنع بعد تناول الطعام مباشرةً أي عندما تكون المعدة مملوءة تماماً أو في وقت متأخّر من الليل عندما يكون الجسم مرهقاً.
- المدّة: لا تحتاج اليوغا تخصيص ساعات من الوقت بقدر ما تحتاج إلى الانتظام في التدريب. وفي هذا الإطار، ينصح المتخصّصون بعشرين دقيقة إلى نصف ساعة كبداية، تزداد تدريجياً إلى أن تصل إلى ساعة كحدّ أقصى في المرّة الواحدة.
النظام الغذائي
يعتمد النظام الغذائي لرياضة اليوغا على توازن الاتجاهات الثلاثة المتمثّلة في: الطاقة الداخلية والنشاط البدني والصفاء الذهني. ويتأثّر بطبيعة المناخ والسن والبنية الجسدية والحالة الصحيّة للفرد، فمن يعيش في مناخ بارد سيكون بحاجة إلى نوعيّة مختلفة من الغذاء عن تلك الموصوفة في الهند (موطن اليوغا) منذ ألف عام والواردة في نصوص اليوغا القديمة. وهناك عدد من المجموعات الغذائية التي تعدّ المرشد العام في النظام الغذائي المرتبط باليوغا، أبرزها:
-أطعمة النشاط والطاقة: تشمل المأكولات المتبّلة أو الساخنة والعضوية (الخضر والفاكهة) والأسماك المحتوية على أحماض "أوميغا 3" واللحوم الحمراء منزوعة الدهن والحلويات المصنوعة من الدقيق الأسمر وسكر الفركتوز والحبوب الكاملة (الشوفان ورقائق الذرة)، فضلاً عن المشروبات المحتوية على الكافيين (القهوة والشاي).
- أطعمة التركيز: يحتاج المخّ إلى أغذية تحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة نظراً إلى تعرّضه للهجوم التأكسدي الضار الناتج عن فرط استهلاكه للأوكسجين بدرجة تفوق أعضاء الجسم الأخرى. كما يحتاج إلى مجموعة فيتامينات "ب" B المركّبة لأهميّتها الحيوية في نموّ وتطوّر الجهاز العصبي المركزي وبعض المكوّنات الدهنية (دهون أوميغا 3 و6) الضرورية في تغذيته الصحيّة. وفي هذا الإطار، يعدّد الخبراء في "معهد يوغا كاليفورنيا" بعض النصائح الغذائية المساعدة على زيادة التركيز وسرعة الاسترخاء أثناء ممارسة الأوضاع التقليدية لليوغا، أبرزها:
- اهتمّي بتناول كبد الدجاج لاحتوائه على مضادات الأكسدة من فيتامينات "أ" A و"اي"E و"ب" B المركّبة ومعادن الحديد والزنك.
- واظبي على تناول أسماك السلمون والتونا لمرّات ثلاث في الأسبوع لاحتوائها على فيتامينات "اي"E المضادة للأكسدة و"ب 6" B6 و"ب 12" B12 ودهون "أوميغا 3".
- أعدّي وجبة خفيفة من المأكولات البحرية بأنواعها المختلفة (الحبّار والروبيان) لاحتوائها على معادن الفوسفور والزنك واليود.
- احرصي على تناول بعض أنواع الخضر الطازجة والمطبوخة (السبانخ بالحمص والجزر والبندورة والبصل والثوم والبطاطا الصفراء) لاحتوائها على "البيتاكاروتين" المضاد للأكسدة وبعض الفيتامينات والمعادن الهامة كحمض الفوليك وفيتامين "ب 6" B6 ومعدن اليود.
- واظبي على تناول الأنواع المختلفة من البقول (العدس واللوبياء الجافة وحمص الشام) مرّة في الأسبوع كحدّ أدنى لاحتوائها على "السيلينيوم" المضاد للأكسدة والمعادن الهامة (الحديد والماغنسيوم والنحاس والبورون والزنك وحمض الفوليك).
- استخدمي زيوت البذور عند إعداد وجباتك الغذائية، فبذور الكتّان والسمسم مصادر غذائية غنيّة بحمض "أوميغا 3" وفيتامين "اي" E.
- أضيفي بعض التوابل الشرقية (الصعتر والكمون والشمر والريحان) إلى الطعام لاحتوائها على مكوّنات مضادة للأكسدة.
- واظبي على شرب الشاي الأخضر والأسود لاحتوائهما على فينولات عدّة مضادة للأكسدة وطاردة للسموم.
- أطعمة الصفاء والراحة: تشمل هذه المجموعة الأطعمة والمشروبات السكرية (الفاكهة المجفّفة وحلوى القرع العسلي والمهلبيّة وعصائر الفاكهة الطبيعية الطازجة وخصوصاً عصير القصب)، فهي تسرّع اندفاع "الأنسولين" داخل الجسم، ما يساعد مكوّن "التربتوفان" على سهولة وسرعة وصوله إلى المخ ليتحوّل إلى الموصل العصبي "السيروتونين" المحسّن لحالة الجسم المزاجية. كما أن المذاق السكري في الطعام يعمل على تنشيط بعض مركّبات "الإندروفين" في المخ التي تفيد في صفاء الذهن، وتمتاز بتأثيرها العلاجي في القضاء على الآلام طبيعياً.
خطوط إرشادية عامة
1- ابدئي دائماً بممارسة الأوضاع البسيطة التي تهيّئ الجسم تدريجياً لوضع الجلوس أو الوقوف حسب خطة التمرين.
2- لا بدّ من تنويع الحركات في كل تمرين، فالانحناءات الخلفية يجب أن تتبع بانحناءات أمامية، والأوضاع القوية لا بدّ أن تصاحبها أوضاع أكثر هدوءاً واسترخاءً بما يسمح بتعديل الانحناءات الموجودة في العمود الفقري.
3- الوقوف على الرأس ليس وضعاً مناسباً للمبتدئين، علماً أنه وضع مهدّئ ومريح تتمدّد فيه الرقبة وتسترخي، ما يخفّف من ألم أعلى الظهر والرقبة ويقاوم الصداع.
4- يجدر استخدام إحدى تقنيات التركيز في حال التشتّت الذهني أثناء التمرين، أبرزها: التأمّل البصري أو التركيز على النفس للعودة سريعاً وبلطف إلى حالة السكون والاسترخاء.
5- الاستماع إلى أنواع معيّنة من الموسيقى الهادئة بهدف المساعدة على الاسترخاء والاندماج والتركيز على جوانب التمرين.