بالقرب من «ترافالغار سكوير» الساحة اللندنية الشهيرة، وفي شارع «وايت هول بليس» التاريخي في قلب العاصمة الذي ينبض بالحياة، يقع «فندق كورينثيا لندن» Corinthia Hotel ، حيث يبرز ببوابته الفخمة المزدانة بالتماثيل والجداريات البيضاء ذات الطراز الفيكتوري الذي لا تخطئه عين، فيما تقود سلالمه الحجرية زائره نحو قاعة الاستقبال التي توصله بدورها إلى المعالم الداخلية لأكثر فنادق «لندن» رفاهيةً وترفاً وجمالاً. ففي أرجاء تصميم داخلي فريد تتوزّع لمساته على 294 غرفة تحتلّ طبقات أربع فارهة من ضمنها 43 جناحاً، يعدّ الأكبر بين كل فنادق «لندن»، ويحظى بشرفات تطلّ على «عين لندن» و«ساعة بغ بن» ومعالم «ويست منستر» و«جسر امباكمنت» ونهر «التيمز»، وتطل من حوله رؤوس البنايات التراثية التي ينام بين جنباتها تاريخ هذه المدينة العريقة.
إن الإقامة في إحدى غرف هذا الفندق، أو تناول وجبة طعام في أحد مطاعمه الشهيرة، أو احتساء فنجان شاي في إحدى صالاته لهي متعة بصرية فريدة وفرصة للتعرّف إلى الفن الكامن خلف تصاميمه الداخلية وديكوراته وصالاته المزيّنة التي تتوسطها الأعمدة الفكتورية، ونوافذه الأليفة التي تغمر المكان بضوء النهار الطبيعي. ولا عجب في هذا التفرّد في الديكور، حين نعرف أن أكبر شركات التصميم الداخلي العالمية قد تعاونت معاً وكمّلت بعضها البعض للوصول إلى هذه التشكيلة المميزة التي يمكن أن تتحوّل إلى مدرسة فنية قائمة بذاتها تقدّم حلولاً عصرية في كيفيّة التعامل مع بناية تراثية عريقة وتحويلها إلى أخرى حديثة تحاكي متطلّبات القرن الحادي والعشرين، بدون أن تفقد أصالتها وخطوطها المعمارية القديمة.
هنا سكن جورج كلوني.. وهنا نزلت ريهـانا
وقد تعامل المصمّمون مع هذه البناية بحنو ومحبة، وحاولوا ألا يؤثّروا على كلّ ملمح تاريخي تحمله أو يخدشوا خصوصيتها، فهي أيقونة لندنية يعود تاريخها إلى سنة 1885، وقد بنيت في البداية كفندق يحمل اسم «ميتروبول» العالمي، وبقيت هكذا لمدة خمسين سنة. وقد سكن في جنباتها أشهر النجوم والمشاهير والسياسيين الذين كانوا يفدون إلى «لندن» في تلك السنين، ولكنّها تحوّلت أيّام الحرب العالمية الثانية إلى وزارة للدفاع. وها هي تعود مرّة أخرى إلى فندق أسّسته عائلة بيساني المالطية الشهيرة كي تستقطب المشاهير والنجوم والأمراء ونخب المجتمع... ففي هذا الجناح، نام النجم جورج كلوني، وفي الجناح الآخر أقامت النجمة ريهانا...وهكذا هو حال الفندق يودّع ويستقبل أناساً يبحثون عن العراقة، ويختارون الأماكن المعاصرة التي يفوح منها عبق الماضي وحكايات الزمن الذي مضى!
عراقة التاريخ ورفاهية الحاضر
أجريت على المبنى الفكتوري القديم أعمال ترميم دقيقة ومضنية من أجل تحويله إلى فندق معاصر يحمل هويته الخاصّة، وقد تعاونت لإنجاز هذه المهمة مجموعة من شركات الديكور وأعمال التصميم الداخلي العالمية، من بينها شركة «جي أي ديزاين انترناشونال» GA Design International التي وضعت التصميم الرئيس للفندق بالإضافة إلى المنتجع (سبا) والصالة الرئيسة ومطعم «نورث هول»، مستوحية تصاميمها من البيوت الإنكليزية العريقة، مع لمسات من الحداثة تتمثّل في الزخارف المصنوعة من خشب البلوط المطعّم بالجلد والحرير واعتماد فنون تزيين الجدران باستخدام خليط من الجص والرخام الهندي. وقامت الشركة كذلك بالحفاظ على فكرة الفناء الأصلي للفندق الذي يأتي على شكل هلال مع صفّين متقابلين من الأعمدة التي توصل إلى صالات المناسبات و«اللوبي لاونج» Lobby Lounge ، كما نصب المصممون في الشركة مرايا معتّقة تعكس الضوء الطبيعي الذي يتدفّق من خلال نوافد السقف الثلاث الكبيرة.
ويقع المنتجع الصحي في الفندق «أي سبا» ESPA ضمن طبقات أربع، على مساحة تصل إلى 3300 متر مربع، نفّذته «جي أي ديزاين انترناشونال»
GA Design International مستخدمةً الرخام الهندي والإيطالي ذي اللونين الأسود والبني الأشقر المزيّن بأعمال فنية من خشب البلوط و«الكروم» المصقول و«البيوتر»، وغطيت جوانب من الجدار بألواح مقوّسة تحمل زخارف ناعمة تتخلّلها أضواء دافئة تضفي جواً من الألفة، قبل الدخول في ظلام «السبا» المتوهّج بانعكاسات الرخام.
إيحاءات دافئة
شركة «ديفيد كولينز ستوديو» David Collins Studio العالمية تولّت بدورها مهمة تصميم مطعم «ماسيمو» Massimo و«أويستر بار» Oyster Bar المتخصّص بمأكولات البحر المتوسط البحرية، بالإضافة إلى مطعم «باسوون» Bassoon الذي تمتلئ أرجاؤه بالنوتات الموسيقية التي تزاوج بين الموسيقى وفن التصميم، وتزيّنه آلة البيانو بطول أمتار سبعة، فيما تحوطه غرفة موسيقية متخصصة بفن «آرت ديكو»Art Deco ، بالإضافة إلى أبواب من الزجاج المعشّق ولوحات جدارية لموسيقى الجاز بريشة الفنان ويليام جونسون تضفي على المكان إيحاءات دافئة، مع لوحات جدارية مستوحاة من تراث روما ومطعّمة بالخشب وملوّنة بالأزرق الداكن والأخضر النقي ولوحات موزاييك من «البيوتر» والنحاس مصنوعة باليد، ليكون هذا المطعم نموذجاً عن رؤية «فندق كورينثيا» الخاصّة في الجمع بين العراقة والحداثة. أمّا مجموعة «بيسد أببون» Based Upon فقد تولّت مهمّة الأعمال الفنية المعدنية التي تشكّل نموذجاً مصغّراً من نهر «التايمز» مع المباني الهندسية الرائعة التي تصطفّ على جانبيه، وصمّمت الشركة كذلك الألواح التي تغطّي أبواب المصعد في ردهة الفندق باستخدام خليط من اثني عشر معدناً تمّ صقلها بطريقة فنية خاصة تناسب المكان.
القمر المكتمل يضيء جنبات المكان
كلّ ما في ديكورات الفندق تعمل على توفير بيئة منشّطة وغنية بصرياً، تمزج الفن بالمتعة، ولعل أوّل ما يلفت الانتباه في «اللوبي لاونج» هو الثريا (الإضاءة السقفية) الهائلة التي تتدلّى في وسط الصالة والتي تحمل اسم «القمر المكتمل» Full Moon من تصميم الفنان الفرنسي شفيق قاسمي، والتي تعتبر الأكبر من نوعها في العالم، حيث يبلغ قطرها 4. 15 متراً وتزن طنين وتحمل1001 قطعة كريستال مع كريستالة حمراء في الوسط تحمل توقيع الشركة الفرنسية الشهيرة «باكارا». ويعتبر تصميم الثريا فريداً من نوعه، حيث تنار قطع الكريستال باستخدام «ضوء الصمام الثنائي» LED، الذي تمّ إخفاؤه بعناية داخل قطع الكريستال من أجل توهّج سحري يشعّ في قلب الفندق ويضيف متعة بصرية، وكذلك الحال مع حوالي 250 لوحة وعملاً فنياً معظمها لفنانين من بريطانيا. وتشكّل هذه اللوحات جسراً يربط هذا المبنى العريق بحداثة القرن الواحد والعشرين.
الأجنحة السبعة: الجوهرة في تاج المكان
لعل جوهرة التاج بالنسبة لفندق «كورنثيا» لندن هو أجنحته السبعة الفاخرة Penthouse بمساحات تتراوح بين 43 و50 متراً مربعاً وبتصميمات مستديرة في الهواء الطلق. ولكل من هذه الأجنحة طابعه المميز وأثاثه الخاص المصنوع يدوياً، كي يتوافق مع مزاج هذه الأجنحة التي استوحت أسماءها وديكوراتها من شخصيات بريطانية كتشرشل والليدي هاملتون، إضافة إلى مخاطبة الأمير والنجم والكاتب والمستكشف والموسيقي والسياسي وقد زوّدت بشرفات خارجية واسعة مع إطلالات استثنائية.