رائحة جسم المراهق بين التطور الطبيعي والمشكلة الصحية

رائحة جسم المراهق بين التطور الطبيعي والمشكلة الصحية
رائحة جسم المراهق بين التطور الطبيعي والمشكلة الصحية

تمر المراهقة بمرحلة شديدة الخصوصية في حياة الإنسان، حيث تمثل فترة تحول عميق على المستويات الجسدية والنفسية والاجتماعية، ومن بين التغيرات الملحوظة التي تحدث في هذه المرحلة؛ هي تغير رائحة جسم المراهق والمراهقة، ربما يلاحظ ذلك الآباء والأمهات، وحتى المراهقون أنفسهم، أن رائحة أجسامهم تتغير تدريجياً مع دخولهم مرحلة المراهقة، لتصبح أكثر وضوحاً وأحياناً أكثر قوة، هذا التغير الذي يبدو بسيطاً هو في الواقع نتيجة لتفاعلات معقدة تحدث داخل جسم المراهق بفعل التغيرات الهرمونية، والفسيولوجية، وحتى السلوكية.
في هذا التقرير، يناقش الدكتور محمد القماش، أستاذ الطب النفسي وتعديل السلوك، بشكل موسع، الأسباب العلمية وراء تغير رائحة الجسم أثناء المراهقة، وكيفية التعامل معها، وما تمثله هذه الظاهرة بالنسبة للصحة النفسية والجسدية للمراهق.

تغيّر رائحة الجسم أثناء المراهقة

طفلة مراهقة تشعر برائحة عرق مختلفة

علمياً، ما يحدث هو جزء طبيعي من النمو والتطور، ورغم أن الأمر قد يكون محرجاً للبعض، إلا أنه يمكن التعامل معه بسهولة؛ من خلال فهم أسبابه واتخاذ الخطوات المناسبة.
الأهم هو أن يدرك المراهقون أن هذه التغيرات جزء طبيعي من رحلتهم نحو النضج، وأن الدعم الأسري والمجتمعي يمكن أن يجعل هذه المرحلة أكثر سلاسة وثقة.
وعن طريق تقديم النصح والرعاية، يمكن للمراهقين أن يتجاوزوا هذه المرحلة بثقة، ويلتزموا بعادات صحية تستمر معهم مدى الحياة.

أسباب تغير رائحة الجسم خلال المراهقة

المجهود الرياضي الزائد سبب لتغير رائحة العرق

زيادة نشاط الغدد العرقية:

مع دخول الطفل مرحلة المراهقة، تبدأ الغدد العرقية المفرزة (Apocrine glands) في العمل بشكل نشط، توجد هذه الغدد في مناطق معينة مثل الإبطين، الفخذين، والأماكن ذات بصيلات الشعر الكثيفة.
تقوم هذه الغدد بإفراز عرق يحتوي على مزيج من البروتينات والدهون، وهذا العرق لا يحمل رائحة كريهة في حد ذاته، لكن عندما يتفاعل مع البكتيريا الموجودة على سطح الجلد، يبدأ في إنتاج روائح قوية ومميزة.
وتختلف هذه الروائح من شخص لآخر تبعاً للجينات، ونوع البكتيريا، والنظام الغذائي، ووفقا أيضاً لقدر اهتمامه بالنظافة الشخصية، واستخدام الأدوات اللازمة لإزالة العرق.

التغيرات الهرمونية:

الهرمونات هي المحرك الأساسي لتغيرات المراهقة، مع البلوغ، ترتفع مستويات الهرمونات؛ مثل التستوستيرون عند الأولاد، والإستروجين عند الفتيات، هذه الهرمونات تحفز الغدد العرقية وتؤدي إلى زيادة إنتاج الزيوت الطبيعية من الجلد.
كما تؤثر هذه الهرمونات على توازن البكتيريا في الجسم، مما قد يُسهم في تغير رائحة الجسم، بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن يكون لنوعية النظام الغذائي دور مهم، حيث إن تناول الأطعمة الغنية بالتوابل أو الدهون قد يزيد من شدة الرائحة.

النشاط البدني الزائد:

في مرحلة المراهقة، يزداد النشاط البدني بشكل ملحوظ؛ نتيجة لزيادة طاقة الجسم وحيوية المراهقين، هذه الأنشطة، سواء كانت رياضية أو يومية، تؤدي إلى زيادة التعرق، وبالتالي ارتفاع احتمالية ظهور الروائح القوية.

النظام الغذائي وتغير العادات:

في كثير من الأحيان، يكتسب المراهقون عادات غذائية جديدة تشمل: تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو السكريات أو حتى الأطعمة المصنعة التي قد تؤثر بشكل مباشر على رائحة الجسم، وأغلبها من خارج المنزل ومع الأصحاب.

التغير في الروتين الشخصي:

قد يتأخر المراهقون في تبني عادات النظافة الشخصية الجيدة، مثل الاستحمام بانتظام أو استخدام مزيلات العرق، مما يجعلهم أكثر عرضة لتراكم العرق والبكتيريا على أجسامهم.

الرائحة بين الثقافات والجينات

الطفل المراهق يكثر من التعرق

من المثير للاهتمام أن تتأثر رائحة الجسم بالعوامل الوراثية والثقافية، فمثلاً تختلف الرائحة الطبيعية للجسم بين الأعراق المختلفة. الدراسات تشير إلى أن الأشخاص من الأصول الآسيوية يميلون إلى إنتاج كمية أقل من العرق والرائحة، مقارنة بأولئك من الأصول الأوروبية أو الإفريقية، وهذا مرتبط بجين يعرف باسم ABCC11.
علاوة على ذلك، تختلف المواقف الثقافية تجاه رائحة الجسم الشخصية. في بعض الثقافات، يُنظر إلى الرائحة الطبيعية للجسم كجزء من الهوية الفردية، بينما في ثقافات أخرى، تُعتبر مصدر إحراج، ويُتوقع التحكم فيها بوسائل مثل مزيلات العرق والعطور.

كيفية التعامل مع رائحة الجسم في المراهقة

أدوات للنظافة الشخصية والمحافظة على رائحة الجسم

تعزيز النظافة الشخصية:
تعليم المراهقين أهمية النظافة الشخصية هو المفتاح الأول للتحكم في الرائحة، يجب تشجيعهم على:

  • الاستحمام يومياً، خاصة بعد ممارسة النشاط البدني.
  • استخدام صابون مضاد للبكتيريا.
  • تغيير الملابس الداخلية والجوارب يومياً.

متى أطلب من طفلي الاهتمام بنظافته الشخصية؟ وهل سن البلوغ هي الوقت المناسب؟

استخدام مزيلات العرق ومضادات التعرق:

  • مزيلات العرق: تعمل على تقليل رائحة الجسم عن طريق تثبيط نمو البكتيريا.
  • مضادات التعرق: تقلل كمية العرق التي تنتجها الغدد العرقية، مما يقلل التفاعل بين العرق والبكتيريا.

اختيار الملابس المناسبة:
يفضل اختيار الملابس المصنوعة من الألياف الطبيعية؛ مثل القطن، ما يساعد على تهوية الجسم، وتقليل التعرق، مقارنة بالألياف الصناعية التي تحبس العرق.
اتباع نظام غذائي صحي:
تقليل استهلاك الأطعمة الغنية بالتوابل والدهون، وزيادة تناول الفواكه والخضروات الطازجة التي تحتوي على مضادات الأكسدة، مما يساعد في تحسين رائحة الجسم من الداخل.
التحدث بصراحة مع المراهق:
تغيير رائحة الجسم قد يكون محرجاً للمراهق، لذا من المهم أن يُناقَش الموضوع بحساسية ومن دون إشعاره بالخجل. يمكن تقديم النصائح كجزء من حديث عام عن التغيرات التي تحدث خلال المراهقة.

تأثير هذه التغيرات على الصحة النفسية

لا تقتصر آثار التغيرات في رائحة الجسم على الجانب الجسدي فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية والاجتماعية للمراهق، ويمكن أن يشعر المراهق بالإحراج أو القلق من ملاحظة الآخرين لرائحته، إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بحكمة، قد يؤثر ذلك على ثقته بنفسه وعلاقاته الاجتماعية.

دور الأهل والمعلمين

من المهم أن يكون الأهل والمعلمون على دراية بهذه التغيرات، وأن يتعاملوا معها بحساسية، فبدلاً من انتقاد المراهق، يمكن تقديم النصيحة بأسلوب إيجابي يهدف إلى التوجيه والتشجيع، والأفضل شراء الأدوات الصحية الجيدة التي تزيل رائحة العرق.
التنمر بسبب الرائحة، فقد يتعرض بعض المراهقين للتنمر إذا كانت رائحة أجسامهم قوية، أو إذا لم يتبنوا عادات النظافة الجيدة، التنمر يمكن أن يترك آثاراً عميقة على نفسية المراهق، مما يجعل من الضروري التدخل ودعم الطفل المتضرر.

هل تغير رائحة الجسم مؤشر على مشاكل صحية؟

في بعض الحالات النادرة، قد تكون رائحة الجسم القوية دليلاً على حالة طبية، مثل:

  • فرط التعرق، وهي حالة ينتج فيها الجسم كمية كبيرة من العرق.
  • التهاب الغدد العرقية التقيحي، وهي حالة مزمنة تسبب التهاب الغدد العرقية.
  • مشاكل الكبد أو الكلى، قد تؤدي إلى انبعاث روائح غير طبيعية من الجسم.

لهذا إذا لاحظ الأهل أن رائحة الجسم لدى المراهق قوية بشكل غير عادي، أو مستمرة رغم الالتزام بعادات النظافة، فمن الأفضل استشارة الطبيب.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.