تشير الشاعرة الدكتورة دورين نبيل نصر، في حوارها مع «سيدتي.نت» إلى أنها شاعرة مهتمّة بقصيدة النثر، رحلتها مع الشعر ليست حدثاً طارئاً في حياتها.. فقد تجلّت رغبتها في الكتابة منذ الصّغر؛ إذ كانت تميل إلى العزلة والاستماع إلى الموسيقى.. وتدفّقت في داخلها هذه الرغبة في الكتابة.
تضيف:
"تحتل القضايا الإنسانية حيّزاً بارزاً في نصوصي الشعرية؛ لأنه في الشعر تتماهى أنا المتكلّم مع أنا الجماعة.. ولا بدّ أن يكون الشاعر صاحب رؤية؛ فيُنزل نصّه الشعري من برجه العاجي ليصبح في متناول الجميع.. فالكاتب لا يمكن أن يعزل نفسه عن المجتمع؛ بل يجب أن يعي دوره فيه.. والشعر بالمعنى قد ينشغل بحركة المجتمع، ولكن هذا لا يعني أن ينغمس فيه في معظم الأحيان.. فوجع المجتمع ووجع الوطن، يشكّلان رافداً أساسياً في الكتابة".
أهمية اللغة الأم
- بدايةً، كيف تعرّفين عن نفسك للقرّاء والقارئات؟
ليس من السهل أن يعرّف الإنسان عن نفسه، لكن ما أحبّ أن أشير إليه بدايةً، أني متزوّجة ولديّ ثلاثة أولاد، وعائلتي هي المعادل الموضوعيّ لوجودي.. أستاذة جامعية أساهم في حث الطلاب على الاهتمام باللغة العربية؛ انطلاقاً من إيماني بأهمية اللغة الأم.. لولا اللغة لا توجد حضارة، من حروفها نُسج التاريخ، وبقيَت شاهداً عليه.. وأنا شاعرة مهتمّة بقصيدة النثر، أعتقد بأن الشعر يجب أن يتحرّر من قيود الوزن والقافية ويحلّق في آفاق جديدة.. كما أني متخصّصة في مادة النقد، محاضرة في هذه المادة في معهد الآداب الشرقية في بيروت.
أستاذة جامعية، أدرّس في جامعة البلمند وفي جامعة القدّيس يوسف.. شاعرة، ورئيسة فرع الرابطة للمثقّفين العرب في لبنان.. كاتبة في وكالة أخبار المرأة، عضو في تحرير المعجم التاريخي للغة العربية في الشارقة، عضو اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي الثامن للدراسات العلميّة.. حائزة على دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة القدّيس يوسف (معهد الآداب الشرقية).
من أهم الأعمال: ديوان شعري بعنوان: "نحت على الهواء".. مجموعة من الحوارات، أعدّتها وقدّمتها في كتاب دكتور شربل داغر: قصيدتي، معهم، وبلساني. قصيدة النثر "محمد الماغوط أنموذجًا" دار أمل الجديدة 2022.. رؤى التحوّلات: قراءة في شعريّة الوطن لدى الشاعر القروي، وخليل حاوي، ومحمد الماغوط (سيصدر قريباً عن دار الجيل).. بالإضافة إلى قراءات نقدية منشورة في مجلات عربية مختلفة، وأبحاث علمية منشورة في مجلات محكّمة.
- متى وكيف بدأت رحلتكِ مع الشعر والنقد؟ ولماذا؟
رحلتي مع الشعر ليست حدثاً طارئاً في حياتي؛ فقد تجلّت رغبتي في الكتابة منذ الصّغر؛ إذ كنتُ أميل إلى العزلة والاستماع إلى الموسيقى.. وتدفّقت في داخلي هذه الرغبة في الكتابة في "حصرون"، هذه البلدة الرائعة الملقّبة بوردة الجبل، تقع في قضاء بشرّي، محافظة الشمال؛ فكل ما في هذه الطبيعة البكر، يدعو الإنسان ليعبّر عن اختلاجات روحه.. أما رحلتي مع النقد؛ فبدأت منذ ثلاث سنوات، بعد أن تخرّجتُ في جامعة القدّيس يوسف (معهد الآداب الشّرقيّة).. النقد ليس سهلاً؛ إذ يجب أن يكون مبنياً على منهج سليم.. هو لا ينمو في الفراغ؛ بل إنه ينمو ويتطوّر ويصبح فاعلاً في حاضنة ثقافية تتيح له أن يؤثّر في القرّاء.
- إلى من تتوجّهين في الشعر والنقد؟
في الواقع، يتوجّه الكاتب عادة أو المتكلّم إلى المتلقّي (القارئ)، ويكون التفاعل بينهما عبْر المرسلة (النص).. بالتالي من دون المتلقّي لا قيمة للكتابة.. المتلقّي المباشر هو القارئ المتذوّق للشعر، وإن كان القارئ الضمني موجوداً في النص.. هنا يُترك للناقد التحليل وتحديد أطراف التراسل في النص، من خلال فكّ شيفراته وملء الفراغات الموجودة فيه؛ فالمتلقّي هو الأساس في عملية الكتابة في الشعر وفي النقد.. لكن في الشعر، قد تكون القصيدة جوّانيّة؛ فيخاطب الشاعر نفسه ليعبّر عن اختلاجاته، وهذا ما يُعرف بالمناجاة.. أما في النقد؛ فالأمر مختلف؛ لأن النقد يظل يطمح إلى أن يكون ذا طابع تنويريّ تعليميّ يتوجّه إلى شريحة أوسع من القرّاء.. مما يطرح الإشكاليّات التالية: هل يجب أن يتخفّف النقد من لغته المعقّدة وانشغالاته النّخبويّة البارزة ليصل إلى معظم القرّاء؟ هل يقدّم النّاقد تنازلاً؛ إذ يصبح تنويريّاً منشغلاً بالهموم العامة؟
- هل أنتِ مختلفة عن غيركِ؟ كيف؟
كل إنسان يختلف عن غيره، له ما يميّزه في سلوكه وطريقة تفكيره، لكن الأهم أن يحافظ على هذا الطفل الموجود في داخله.. وأنا في أعماقي تقبع تلك الطفلة التي ما ألبث أن أفترق عنها حتى أعود إليها.. هذه الطفلة تشدّني إلى قلب الحياة.. فأضحك وألهو وأستلقي فوق سرير كان يهدهدني منذ الصّغر.
- متى تكتبين؟ وما هي العوامل التي تؤدي إليها؟
لا وقتَ محدّداً للكتابة، هي كالزائر الذي يأتي على غفلة.. في النقد نتحدّث عن لحظة الكتابة أو لحظة التّلفّظ.. في لحظة الكتابة تسقط الرّقابة، ومتى ألحّت علينا تلك اللحظة استسلمنا لها؛ إذ تجسّد حالة معيّنة يمرّ بها الكاتب، ومتى خرج من تلك الحالة، انتهت اللحظة.. وإلّا تحوّل على حدّ تعبير بول فاليري إلى نجّار يستطيع أن يصنع كرسيّاً في اللّحظة التي يريد.. أما العوامل التي تؤدّي إلى الكتابة؛ فمتعدّدة، من أبرزها الحزن.
في الواقع، إن الألم يسقي تربة القصيدة؛ إذ يقول إلياس أبو شبكة: "اجرَحِ القلبَ واسقِ شعرَكَ منهُ فَدَمُ القلبِ خمرةُ الأقلامِ".
كسر الأشكال التقليدية
- ما هو الأسلوب المعتمد عندكِ في الشعر؟ القصيدة؟ والنثر؟
أكتب قصيدة النثر لأنها قصيدة حرّة، جوّانيّة تحضّ فكر المتلقي على اكتشاف مضامين النص الشعري وأبعاده.. قصيدة النثر منحت الشاعر حريّة أكبر كي يعبّر عن نفسه؛ إذ كسرت الأشكال التقليدية (الوزن والقافية) في محاولة لتوحيد الشعر والنثر في فن واحد.. قصيدة النثر كائن حيّ مستقلّ، "مادتها النثر وغايتها الشعر"، غير نمطيّة الخصائص، تأخذ من الشعر جوهريّته لتضيف إليه وتُغنِيه.. غير أن اهتمامي بقصيدة النثر لا يعني إهمالي للقصيدة العموديّة التقليدية أو قصيدة التّفعيلة.. فلكل نوع خصائصه وجمهوره؛ حتى يكون الشعر شعراً، يجب أن تكون الوظيفة الجماليّة هي المهيمنة، سواء أكانت القصيدة كلاسيكية أم قصيدة تفعيلة أم قصيدة نثر.
- أين تكمن القضايا الإنسانية والاجتماعية في قصائدكِ؟
إن القضايا الإنسانية تحتلّ حيّزاً بارزاً في نصوصي الشعرية؛ لأنه في الشعر تتماهى أنا المتكلّم مع أنا الجماعة.. ولا بدّ أن يكون الشاعر صاحب رؤية؛ فيُنزل نصّه الشّعريّ من برجه العاجي ليصبح في متناول الجميع.. فالكاتب لا يمكن أن يعزل نفسه عن المجتمع؛ بل يجب أن يعي دوره فيه.. والشعر بالمعنى قد ينشغل بحركة المجتمع، ولكن هذا لا يعني أن ينغمس فيه في معظم الأحيان.. فوجع المجتمع ووجع الوطن يشكّلان رافداً أساسيّاً في الكتابة.
- هل تتناولين قضايا نسائية في الشعر؟
إن محور المرأة بارز في شعري، لاسيّما المرأة الأم.. عندي قصيدة بعنوان: "قصيدة أخشى أن أهديها لأمّي"، تصوّر واقع المرأة في ظلّ المجتمع الذّكوريّ.. والأم في هذه القصيدة هي رمز لكل امرأة عربية.. المرأة كائن مرهف الإحساس، يجب الاعتناء بها ودعمها؛ لتكون عضواً فاعلاً في المجتمع.
- ما هو عدد الدواوين الشعرية؟ وأيها أقرب اليكِ؟ لماذا؟
الكتب التي ينتجها الأديب هي بمثابة أبنائه، والمحبّة لا تتجزّأ.. لكن ديواني الشعري "نحت على الهواء" هو نقطة ضعفي؛ لأن فيه تتجلّى تحوّلات الذات ومرورها بمراحل مختلفة.. كما أن هذا الديوان يضمّ مجموعة من قصائد الرثاء لوالدي.. فيه بوح ورحلة في هذا الوجود.
- ما هي الأعمال المستقبلية؟
أنتظر صدور كتابي: "رؤى التّحوّلات" عن دار الجيل، كما أنني أحضّر ديواني الشعري الثاني الذي يحمل عنوان: "سأحمل قصيدتي وأمضي".. كذلك سيصدر لي قريباً كتاب بجزئين، يجمع كلّ قراءاتي النقدية على مدى ثلاث سنوات.
- ما رأيكِ بالساحة الشعرية اليوم؟
الساحة الشعرية اليوم تعجّ بالكتّاب، تشبه الحديقة المليئة بالأزهار والورود من كافّة الأشكال والأجناس والألوان.. للزّائر القرار في اختيار ما يريد.
- حدّثينا عن دورين السيدة.. ما هي هواياتكِ وكيف تقضين يومك؟
كما ذكرتُ في البداية، أنا امرأة متزوّجة حريصة على الاعتناء بزوجي وأولادي؛ لأننّي أؤمن بقدسيّة العائلة.. يومي مزدحم بالعمل، لاسيّما أن مهنة التدريس تتطلّب مجهوداً كبيراً حتى في المنزل.. لكن هذا الأمر لا يعيق رغبتي في القراءة والكتابة والعمل في مجال النقد.. أنا ناشطة عبْر منصّات التواصل الاجتماعي؛ إذ نناقش أسبوعيّاً أعمال شعراء أو روائيّين؛ مما يبقيني في حالة تهيّؤ لمواكبة التّجديد في كل أنواع الكتابة الأدبيّة.
ما هي الكتب في العلوم الإنسانية التي تساعد في تطوير الشخصية من خلال هذا الرابط.