عند التفكير في الجسور، تمرّ في الذهن صور عدة مُتعلّقة بهذه الأبنية. تشتمل الصور على الهندسة المعمارية المذهلة، التي تُميّز بعضًا من هذه الأمكنة، أو رمزيتها التاريخية، أو حتى دورها في تسهيل تنقلات الناس وعبور الأنهار والمدن. تُجسّد الجسور أيضًا، أمكنةً رومانسيّةً، ومنصات لالتقاط أجمل الصور لغروب الشمس.
تعجّ أوروبا بالجسور؛ في الآتي، معلومات عن ثلاثة منها، هي: جسر تشارلز في براغ الذي يُصنّف بأنه الأشهر في العالم والأجمل في أوروبا وجسر السلسلة في بودابست الذي يمتلك دلالات تاريخية وجسر ستاري موست في موستار، الذي رمّم بعد الهدم بصورة تشابه النسخة القديمة.
جسر تشارلز في براغ
يُعدّ جسر تشارلز، واحدًا من الجسور الأكثر شهرةً في العالم وجمالًا في أوروبا. ويعجّ بـالسائحين والفنانين والرسامين والموسيقيين، بصورة دائمة.
يرجع تاريخ الجسر المذكور المُعدّ من من كتل الحجر الرملي، في براغ، عاصمة جمهورية التشيك، إلى القرون الوسطى. فقد شُيّد البناء التاريخي بين عامي 1357 و1402 فوق نهر فلتافا، بأمر من الملك تشارلز الرابع ليحلّ محل جسر جوديث، والأخير لم يكن قادرًا على الصمود أمام الفيضان في عام 1342. أشرف على بناء جسر تشارلز، المهندس المعماري بيتر بارلر، مع استغراق الأعمال لنحو نصف قرن، إذ فُرغ منها في عام 1402.
يبلغ طول الجسر 516 مترًا وعرضه 9.5 مترًا وارتفاعه 13 مترًا. هو يرتكز على 15 عمودًا ويتكون من 16 قوسًا.
البناء غني بالتماثيل الموزعة في صفين والمصابيح المزخرفة ولافت بزوجي الأبراج؛ أحدهما مبني على طراز عصر النهضة مع تاريخ يرجع إلى القرن السادس عشر، والآخر على الطراز القوطي المتأخر مع تاريخ يعود إلى عام 1464. يحرس البرجان طرفي الجسر الذي يوفر مناظر خلابة.
إشارة إلى أن جسر تشارلز مفتوح للعامة على مدار 24 ساعة طوال أيّام الأسبوع.
جسر السلسلة في بودابست
كان افتتاح جسر سيشيني Széchenyi Chain، الذي يُسمى أيضًا بجسر السلسلة، في عام 1849، مُناسبة بالغة الأهمية في عاصمة دولة المجر، بودابست الوجهة الجذابة للمسافرين. فقد كان الجسر هو الأول الذي يربط رسميًّا بين بودا العاصمة القديمة للمجر والواقعة على الجانب الشرقي لنهر الدانوب وبست على الجانب الغربي منه. أدى ربط الجانبين إلى اندماج المدن في نهاية المطاف لتكوين بودابست في عام 1873.
أذهل بناء الجسر الحشود بجماله، ولا يزال حتى يومنا هذا أحد أشهر رموز بودابست ويُنظر إليه على أنه صورة للتقدم والصحوة الوطنية. تظهر صورة الجسر على كل جواز سفر مجري.
من جانب بيست من النهر، ينتهي جسر السلسلة عند ساحة سيشيني، حيث قصر جريشام (مقر فندق فور سيزنز، راهنًا) والأكاديمية المجرية للعلوم. ومن جانب بودا، ينتهي جسر السلسلة عند ميدان كلارك آدم تير، حيث يمكن ركوب القطار الجبلي المائل حتى بلوغ كاسل هيل.
استغرق بناء الجسر، بإشرف آدم كلارك، المهندس المدني الاسكتلندي، من عام 1840 إلى عام 1849، علمًا أن البناء مُستلهم ومُموّل من الكونت سيشيني وسُمّي باسمه؛ في هذا الإطار، تقول الحكاية إنه قبل أن يرتفع البناء، كان الكونت المحبوب يعيش في جانب بودا، ولم يتمكن من عبور النهر في الوقت المناسب للوصول إلى جنازة والده. نتيجة لذلك، أقسم الكونت على تمويل جسر يربط بين الضفتين بنفسه، مهما كانت التكلفة الشخصية. وهكذا صار.
وفي عام 1836، وافق البرلمان المجري على إنشاء الجسر، وبدأ الكونت سيشيني في جمع الأموال من بعض النبلاء. وقام جورجيوس سيناس، وهو مصرفي من فيينا، بتمويل جزء كبير من البناء. اليوم يمكن رؤية شعار سيناس على سفح الجسر.
يُمثّل جسر السلسة، في الوقت الراهن، أحد الأماكن الأكثر زيارةً في دولة المجر. تقف التماثيل الحجرية العائدة لأسود، على كلا الجانبين، علمًا أن المشي المتواصل عبر جسر السلسلة يستغرق نحو 10 دقائق، لكن هناك أماكن كثيرة جديرة بالتوقف فيها على طول المسار لالتقاط الصور. يبلغ طول الجسر الإجمالي 380 مترًا والطول المركزي 201.6 مترًا وعرض الطريق 14.5 مترًا وعرض طريق المشاة 2.2 مترًا.
شكّل الدانوب، وهو أحد الأنهار الشهيرة في أوروبا، تحدّيات للمهندسين خلال بناء الجسر، إذ كان غالبًا متجمدًا خلال أشهر الشتاء. لكن، قام المهندس المشرف آدم كلارك وفريقه ببناء السدود للمساعدة في التعامل مع الجليد. كما صنعت الأجزاء الحديد من الجسر في إنجلترا فنُقلت إلى المجر بوساطة البارجة. أثناء رفع السلسلة الأولى للجسر، انكسر أحد الروابط وتحطم 400 طن من الحديد في النهر - ما كاد يقتل الكونت سيشيني، الذي كان يراقب العمل من قارب، إلا أن الأخير نجا.
جسر ستاري موست في موستار
ستاري موست، جسر حجري مُقوّس، يمتدّ على نهر نيريتفا في موستار، بـالبوسنة والهرسك. يُلخّص الجسر المذكور تاريخ البلاد، في تحفة معماريّة واحدة. كانت تطوّرت مدينة موستار، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر كمدينة حدودية عثمانية، وخلال الفترة النمسوية المجرية في القرنين التاسع عشر والعشرين. اشتهرت مدينة موستار منذ زمن طويل ببيوتها التركية القديمة وجسر ستاري موست القديم الذي بُني في عام 1557، بأمر من السلطان العثماني سليمان الأول، ليحلّ محل الجسر الخشبي المُعلّق. وقد طُلب من خير الدين، وهو تلميذ المهندس المعماري العثماني العبقري سنان، إعداد الخطط، وبدء البناء على الفور. استغرق العمل نحو تسعة أعوام، وفُرغ منه في عام 1566. بسبب المتطلبات الصارمة والتوقعات الكبيرة، يُقال إن خير الدين استعدّ لجنازته، يوم إزاحة الستار عن الجسر وإزالة الدعامات الداعمة له، إذ لا يعتمد الجسر على أساسات، بل على دعامات حجرية تثبته على جدران المنحدرات.
كان الجسر يرتفع 30 مترًا و24 مترًا فوق النهر، فيما القوس يعلو 12 مترًا. وهو يحيط بطريق أنيق يبلغ عرضه 13 قدمًا. تحرس الأبراج طرفي الجسر. عند اكتمال الجسر، كان أوسع جسر مقوس في العالم. لقد اعتبره من رأوه أعجوبة هندسية بعد وقت قصير من اكتماله، وظل قائمًا لأكثر من 400 عام. إلا أنه في صراع التسعينيات، دمّرت غالبية أجزاء المدينة التاريخية والجسر القديم. ففي 9 نوفمبر 1993، انهار جسر ستاري موست، وهو الجسر الأكثر شهرة في البوسنة والهرسك، بعد استهدافه أثناء حصار موستار.
بعد الحرب، شُكّل تحالف دولي لإعادة بناء الجسر ومركز مدينة موستار. نُفّذ المشروع، تحت إشراف اليونسكو، باستخدام المواد والتقنيات عينها العائدة إلى الجسر الأصلي. بدأ البناء في عام 2001 واكتمل في عام 2004. ثمّ، أدرج ستاري موست والمركز التاريخي لمدينة موستار ضمن مواقع التراث العالمي في عام 2005.
يعدّ الجسر المُعاد بناؤه ومدينة موستار القديمة رمزًا للمصالحة والتعاون الدولي والتعايش بين المجتمعات الثقافية والعرقية والدينية المتنوعة.