المصمم الإماراتي هشام المظلوم: كل حلل الجمال الممكنة في حروف "ديواني"

جدارية «حروفيات»، وتظهر المشربية في الجدار، وبساطة الأثاث في المكان
جدارية «حروفيات»، وتظهر المشربية في الجدار، وبساطة الأثاث في المكان

كانت كاميرا «سيدتي» أمامَ البابِ المهيبِ بينما تصدحُ من خلفه موسيقى غايةٌ في الرقي والعراقة. عرفنا لاحقاً أنها تخصُّ «ديواني»، هذا المبنى لمالكه المصمِّم الإماراتي هشام المظلوم في الشارقة، الذي أهدى الفوزَ بجوائزه إلى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلسِ الأعلى حاكم الشارقة، راعي وداعمُ الحركةِ التشكيليَّة والفنيَّة، لدوره والشارقة في الحفاظِ على الثقافةِ والفنونِ العربيَّة والإسلاميَّة وإبرازها. وبملامحَ عربيَّةٍ غارقةٍ بالضيافةِ الأصيلة، استقبلنا المصمِّم على مائدةٍ، تحكي روعةَ الكرمِ الإماراتي، وعُمقَ تلك الحروفِ التي تتراقصُ على أنغامِ موسيقى «ديواني».

إعداد: لينا الحوراني
التصوير الضوئي : بابك مهرفشار Babak Mehrafshar

 

غرفة الطعام الراقية ببساطتها، تزينها جدارية «رباعيات الخيام»
                   غرفة الطعام الراقية ببساطتها، تزينها جدارية «رباعيات الخيام»


«ديواني» كلمةٌ، تنطوي على دلالاتٍ متعدِّدةِ المعاني، منها الديوانُ، والديوانيَّة، والمجلسُ الذي ترتاحُ به، وتجدُ فيه السكينةَ وأنت تتأمَّل جمالَ الحروف، وهي ترتدي كلَّ حلل الجمالِ الممكنة. كذلك، «ديواني» اسمٌ لأحدِ أنواع الخطِّ العربي، لكنَّ الأجمل، أن مَن ينطقُ اسمَ المبنى «ديواني»، يصبح هذا المبنى مكانه على أنغامٍ موسيقيَّةٍ مؤلَّفةٍ بشكلٍ خاصٍّ له. كما قال المظلوم.
يعود الفضلُ للاستشاري المهندس الإماراتي عبدالله الشامسي في التصميمِ المعماري للمبنى، وترجمةِ أفكارِ مالك «ديواني»، خاصَّةً في المشربيَّات التي تخفِّفُ من حرارةِ الفيلا، وإيجادِ علاقةٍ مشتركةٍ بين العمارةِ المعاصرة، والخطِّ العربي، والحرفِ أيضاً، لينال مبنى «ديواني» ثلاثَ جوائزَ دوليَّةً على مستوى العالم، أولاها جائزةُ لوب للتصميم Loop Design Awards لأفضلِ تصميمِ عمارةٍ معاصرةٍ، أمَّا الجائزةُ الثانية، وهي رؤية Vision Architizer، فجاءت بتصويتٍ عالمي، وكانت لأفضلِ تصويرٍ فوتوجرافي لمبنى معاصرٍ، في حين اختصَّت الثالثةُ بالتصويرِ المعماري في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، إلى جانبِ جائزةٍ محليَّةٍ لأفضل مسكنٍ معماري من دائرةِ التخطيط والمساحة في حكومةِ الشارقة عامَ 2024.
ويتَّصف المبنى بامتداده على مساحةٍ واسعةٍ، تضمُّ مسبحَ البيت، والحدائقَ من حوله، أمَّا واجهةُ «ديواني» الرئيسة فمخطوطةٌ بالخطِّ الكوفي المربَّع للآية القرآنيَّة «وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين»، وقد خطَّها الخطَّاط زهير عفانة من الأردن، ونُفِّذت في إحدى الدولِ العربيَّة على 80 قطعةَ حجرٍ مصمتٍ بسماكة عشرةِ سنتيمتراتٍ مربَّعةٍ. يتابعُ المصمِّم هشام شرحه: «هي في الوقتِ نفسه، تمثِّل المشربيَّة في فنِّ العمارةِ الإسلاميَّة القديمة، إضافةً إلى الجمالِ الذي تضفيه منقوشةُ الآيةِ في الفترة المسائيَّة باستخدامِ الخلفيَّات اللونيَّة من الإضاءةِ التي تختلفُ حسبَ المناسبة، إن كانت وطنيَّةً أم دينيَّةً، حيث تبدو العلاقةُ بين المبنى، والخطِّ، والموسيقى، والضوءِ تبادليَّةً ومتناغمةً». يضيفُ: «في هذا المشهدِ الرائعِ الذي استخدمتُ فيه خطوطاً مثل الثلثِ، والنسخِ، والإجازةِ، والديواني، والكوفي، يُخيَّل للمشاهدِ أن الحروفَ نفسها، هي التي تُطلق هذه الموسيقى الرائعة! بل إنها تتراقصُ أيضاً على أنغامها، لتظهرَ منها ألوانٌ مختلفةٌ، تتغيَّر حسبَ الوقتِ، ودخولِ الشمس إلى المكان». ويقولُ: «كان معي الفنَّان خالد الساعي منذ الانطلاقةِ الأولى للمبادرة بتكوينِ هذا الصرحِ المتكامل من البوَّابةِ الخارجيَّة إلى أدقِّ تفاصيله، وقد تمَّ استخدامُ كلِّ التقاناتِ الممكنة من القديمةِ إلى المعاصرة، إلى جانبِ استخدامِ كلِّ مدارس الخطِّ على مرِّ الزمان، لتحقيقِ فكرةِ المبنى في العمق، إذ إن الحرفَ العربي، هو منزلٌ للغةِ القرآن الكريم لغة الضاد». نقترح عليك قراءة اللقاء مع مصمم الديكور حاتم الأحمد

 

أعمال تطبيقية وتشكيلية

«ديواني» يحتوي في داخله على مجموعةٍ مميَّزةٍ من الأعمالِ التاريخيَّة، تصل إلى 200 عملٍ إبداعي لروَّاد الخطِّ العربي والفنَّانين، يبلغ عددهم نحو 85 خطَّاطاً وفنَّاناً. يستدركُ المظلوم: «نفَّذنا عدداً من الجداريَّات بتقنيَّة الفسيفساءِ على جدرانِ المبنى الداخليَّة، وخارجه، منها جداريَّةٌ للخطَّاط نجا المهداوي، تبدو مثل موسيقى بصريَّةٍ تجريديَّةٍ، وجداريَّةٌ للفنَّان عبدالقادر الريس، تحملُ إشاراتِ حرفِ الثلث، وحرفِ الهاء».
ومن الأعمالِ الضخمةِ القماشيَّة، يضمُّ «ديواني» عملاً لمحمد العجلان من السعوديَّة، يتغنَّى فيه بالشارقةِ عاصمة الثقافةِ والفنِّ في العالم العربي، وآخرَ مميَّزاً للخطَّاط الإماراتي حسين السري الهاشمي، كما تمَّ تكليفُ عديدٍ من الفنَّانين من العالم بأعمالٍ فنيَّةٍ خاصَّةٍ، تتناسب مع حيِّزٍ مدروسٍ في المبنى، لتكون النتيجةُ تناغماً مذهلاً بين القديمِ والجديدِ، التقليدي والمعاصر، والعملِ التطبيقي والتشكيلي.

 

هشام المظلوم

المصمم الإماراتي هشام المظلوم

"«ديواني» وثيقة حية موسوعية لفن الخط عامة،
وليس فقط الخط العربي"

 

أثاث كلاسيكي عصري

يُخيَّل إليك عندما تدورُ في جنباتِ البيت ناظراً إلى الأثاث، أنها ساحةٌ للاستخدامِ حسبَ الحاجةِ القصوى فقط، فلا إكسسواراتٍ، ولا قطعاً أثريَّةً، أضيفت إلى المكان. العيونُ تلمح الحروفَ التي تتعلَّق على جدرانِ الفسيفساء، وعلى اللوحاتِ القماشيَّة، والأثاثِ، والطاولاتِ الخشبيَّة أيضاً. كلٌّ يأخذ مكانه في تلك الأوركسترا المتناغمةِ التي تعزفُ ألحانَ «ديواني» من تأليفِ الموسيقي الإماراتي إبراهيم الأميري، وكأنَّها سيمفونيَّةٌ شرقيَّةٌ بإيقاعاتٍ غربيَّةٍ معاصرةٍ، تأخذك إلى قرونٍ سبقت الميلاد، وتنقلك إلى طقوسٍ، اقترنت بالحياةِ والخصب في تناقضٍ عكسي مع الفناء، شاركت فيها آلاتُ النبل مثل المعزفِ الموتر، والقصابة، والقيثارة.
ما يدهشُ زائر «ديواني» حقاً، أنه فيلا عائليَّةٌ مسكونةٌ من قِبل عائلةٍ، تتكوَّن من ستَّة أشخاصٍ (والدان وأربعُ شابَّاتٍ). البناتُ شاركن والدهن في خياراته التصميميَّة، واطَّلعن على كلِّ خطوةٍ، وأبدين رأيهن في تنفيذها، لذا عند النظرِ إلى غرفهن، تجد كلَّ شيءٍ يميلُ للهدوءِ، والترتيبِ داخل الخزانة، ولا توحي التسريحةُ إلى أن فتاةً تقطنُ الغرفة، التي تحكي بجدرانها ولوحاتها جانباً من قصَّة «ديواني»، كذلك الستائرُ التي تنضمُّ حروفها إلى روح الفيلا.
تابعي اللقاء مع الفنان التشكيلي الأمير سلطان بن فهد آل سعود

المسبح، ويفصله عن مدخل الفيلا ذلك الحاجز الفسيفسائي التشكيلي الملون حيث جدارية الفنان الجرافيتي «السيد»،
وهي تزين حوض «ديواني» خارجياً بألوان زاهية صادحة
جانب من الفيلا، وتظهر فيه روعة دخول الضوء إلى المكان

 

غاية في الاحتراف

يحتوي «ديواني» على مخطوطٍ صغيرٍ، ومصحفٍ، ومرقعاتٍ وفرماناتٍ بشقَّيها التقليدي والمعاصر، كما تجد عملاً فنياً عريقاً لقطعةٍ من «كسوة الكعبة». كلُّ ذلك تمَّ تنفيذه بشكلٍ محترفٍ للغاية. هناك أيضاً أعمالٌ على العاج، وأخرى منحوتةٌ على الخشبِ، وعلى الجلساتِ، والستائرِ، والنوافذِ، والزجاج، ويكفينا عند مقبضِ باب دخولِ «ديواني» أن نجد عملَ «البسملة» العبقري لأحمد القرة حصاري، و«خطوطَ» نظيف، وسامي بيك، وأحمد الكامل، وأبجديَّة وتشريحات ابن مقلة، و«بسملةَ» راقم أفندي على شكلِ طائرٍ، وأعمالَ خضير البورسعيدي، وعصام عبدالفتاح، وجمال الكباسي، إلى جانبِ خطوطٍ وتصاميمَ بالخطِّ المغربي. يعلِّق المظلوم: «باختصارٍ، «ديواني» وثيقةٌ حيَّةٌ موسوعيَّةٌ لفنِّ الخط، وليس فقط فنَّ الخطِّ العربي، إذ يشملُ شتَّى أنواعِ خطوط الأممِ الأخرى، فالخطُّ ممارسةٌ فنيَّةٌ وثقافيَّةٌ واجتماعيَّةٌ على أنغامِ موسيقى خاصَّةٍ، ما يعكسُ حضارةً بكاملها، وكلُّ ذلك يتجلَّى في «ديواني».»
في الطابقِ الثاني، وقفنا في الواجهةِ الأماميَّة للفيلا التي استُخدِم فيها حجرٌ محفورٌ بالخطِّ الكوفي المربَّع. التقطنا صوراً تذكاريَّةً، عكست فيها الشمسُ جماليَّة الحروفِ على ملابسنا بتمايلٍ، أثارته تلك النسماتُ الخفيفة، وموسيقى «ديواني» التي تصدحُ في المكان.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال على الرابط

"الحروف تتعلق على جدران الفسيفساء، وعلى اللوحات القماشية، والأثاث، والطاولات الخشبية"


«ديواني» باختصار

يقعُ مبنى «ديواني» في إمارةِ الشارقة. فاز المبنى بثلاثِ جوائزَ عالميَّةٍ، هي: لوب للتصميم، ورؤية أرجايز، والتصوير المعماري، وجائزةٍ محليَّةٍ من دائرة التخطيط والعمارة في حكومة الشارقة. يبلغ ارتفاعُ واجهةِ المبنى 25 متراً، وعرضها ثلاثةَ أمتارٍ، وعليها مجسَّمٌ بالحجر «آيةٌ قرآنيَّةٌ»، هو الأوَّلُ من نوعه في العالم. يعكس المبنى فنَّ الخطِّ العربي والعمارةِ المعاصرة، ويضمُّ أكثر من 200 عملٍ، شارك فيها ما يزيدُ عن 85 خطَّاطاً وفنَّاناً، مزجوا الحرفَ والخطَّ العربي بالعمارة.
هو «منزل عمارة الخط»، ونموذجٌ حي لألق الفنِّ وإبداع المصمِّم الإماراتي هشام المظلوم.سيعجبك مصممة الديكور دارا عماد خضر: خيالُ المرأة فيه شيءٌ من الجنون الجميل

لقطة في الطابق العلوي تظهر فيها لوحة «حروفيات» للفنان ضياء العزاوي من العراق