المهندسة المعمارية اللبنانية نور الزعيم: التكرار عدو المصمم

بمنطقةِ الصيفي في بيروت ذات العماراتِ، والشوارعِ الجذَّابة، استقبلت مهندسةُ العمارة الداخليَّة اللبنانيَّة نور الزعيم، في الاستديو الجديدِ الخاصِّ بها، «سيدتي». كان الإحساسُ الأوَّلي، أن الألفةَ، تملأ الاستديو المصمَّم على غرارِ منزلٍ لبناني، يجمعُ بين أرجائه التراثَ والحداثة.
تحدَّثت المهندسةُ نور الزعيم، خلال اللقاءِ مع «سيدتي، عن ولعها بمهنتها، وكيفيَّة إثراء مخزونها بالمعلوماتِ عبر السفر، والتعاطي مع مشروعاتٍ تجاريَّةٍ، وسكنيَّةٍ، وطبيَّةٍ، ورياضيَّةٍ، وركَّزت على دورِ العمارةِ الداخليَّة في التقريبِ بين أفرادِ العائلات. قالت: إن غالبيَّةَ ملَّاك المنازل، يطمحون لأن يعيشوا في بيوتٍ مريحةٍ، وألَّا يشعروا بالمللِ منها سريعاً، كذلك أن تكون منازلهم «حديثَ البلد»، إذ يمثِّلُ مكانُ السكنِ محلَّ مباهاةٍ. في الآتي، نصُّ الحوار.

لغتي هي عيناي

1. نور الزعيم (تصوير: فاتشيه أباكليان Vache Abaklian)
2 - 3: مشاريع من سجل أعمال المهندسة

هل من سببٍ مُحدَّدٍ، دفعكِ إلى دخولِ عالمِ العمارةِ الداخليَّة؟

أحبُّ كلَّ المهنِ الإبداعيَّة التي تتطلَّبُ من ممارسها الذهابَ من نقطةٍ مُحدَّدةٍ إلى مستوياتٍ متقدِّمةٍ، فضلاً عن التخيُّل والتصوُّر. هذا ما دفعني إلى دخولِ عالمِ العمارة الداخليَّة. ربما لو لم أفعل ذلك، لكنت اتَّجهتُ إلى الإخراجِ السينمائي. لغتي، هي عيناي، إذ أعبِّرُ عن كلِّ موضوعٍ بصورةٍ بصريَّةٍ، وعيناي، هما المقياسُ، وعلى أي شيءٍ، يمرُّ أمامي أن يجذبهما. إضافةً إلى ذلك، مهنتي ليس رتيبةً، فأنا أذهبُ إلى مواقعَ مختلفةٍ لأمارسها في كلِّ يومٍ، وألتقي أشخاصاً جدداً، وأطَّلع على موادَّ جديدةٍ، وموضوعاتٍ مختلفةٍ، من تصميمِ العياداتِ الطبيَّة إلى المشروعاتِ السكنيَّة والتجاريَّة، وعالمِ الضيافة، وهندسةِ المناظرِ الطبيعيَّة، وهذا مثرٍ.

لمتابعة اللقاء في نسخة سيدتي الديجيتال، اضغط(ي) هنا

التصميم للم شمل العائلة

كيف تُصمِّمين المشروعاتِ السكنيَّة، وهل تحرصين على أن تُقرِّبَ بين أفرادِ العائلةِ الواحدة، وتجعلهم يقضون وقتاً أطولَ معاً؟

عند الاشتغالِ على تصميم داخلي خاصّ بمشروعٍ سكني، يعودُ لعائلةٍ، أحرصُ كثيراً على خصوصيَّة كلِّ فردٍ في المكان، وأصمِّم مساحته ضمن المنزل بصورةٍ، تُلبِّي تطلُّعاته وذوقه. كذلك، أُفرِدُ مساحاتٍ لالتقاءِ الكلِّ معاً مهما كانت الأعمارُ متفاوتةً، سواءً في بدايةِ اليوم، أو في نهايته. عليه، يتَّخذُ تصميمُ غرفةِ المعيشةِ أهميَّةً، وأيضاً مكانُ تناولِ الطعام، والمطبخُ إذا كانت مساحته، تسمحُ بدمجِ جلسةٍ به حتى يشارك الزوجُ والأولادُ الأمَّ في قضاءِ الوقتِ معاً به، خاصَّةً عندما تكون الأمُّ منشغلةً في تجهيزِ الطعام. أمَّا في تصميم شققِ المتزوجين حديثاً، فأهتمُّ كثيراً بأمرِ تحوُّل الثنائي إلى عائلةٍ منذ البداية، وأركِّزُ على تقديمِ خياراتِ التحكُّم بالمساحة أي فتحها، وإغلاقها عبر العوازل بصورةٍ، تصبح مناسبةً للأطفالِ فيما بعد، إلى جانبِ استخدامِ موادَّ، تراعي حضورَ هؤلاء. بصفتي مهندسةً وأماً لطفلٍ، أشتغلُ على تصميمِ المشروعاتِ بما يسهمُ في جمع أفرادِ العائلةِ معاً.

حلة جديدة لمواد التصميم

يشهدُ عالمُ موادِّ الديكورِ تطوُّراتٍ تقنيَّةً وجماليَّةً، حدِّثينا عن الموادِّ الأبرز التي تعرفُ التجدُّد؟

تجدُ الموادُّ المعادُ تدويرها رواجاً في الوقتِ الراهن، منها الزجاجُ، والريزين، والورقُ، والخشب، والموادُّ البلاستيكيَّة الشائعةُ المستخدمةُ في الطباعةِ ثلاثيَّة الأبعاد، والقابلةُ لإعادةِ التدوير، لكنْ لا يُغفَل عن الموادِّ الطبيعيَّة الأساسيَّة من خشبٍ، ورخامٍ، وحديدٍ، فهي لا تزالُ في الطليعة، وتُستَخدم بأساليبَ جديدةٍ، وبصورةٍ تجمع أكثر من مادةٍ منها معاً في المشروعِ الواحد، ليظهرَ الأخيرُ في حلَّةٍ جديدةٍ، أو تظهر الموادُّ الطبيعيَّة بصبغاتٍ جديدةٍ، تواكبُ الموضة.

ما موقفكِ من موادِّ التصميمِ المقلِّدة للخشبِ والرخامِ وغيرهما؟

لكلِّ مادةٍ طبيعيَّةٍ مستخدمةٍ دورٌ محدَّدٌ، تقومُ به في المساحة، إذ يرتبطُ حضورها بأحاسيسَ معيَّنةٍ، وبطاقةٍ مختلفةٍ تبثُّها. في المقابل، أرى أن الموادَّ المقلّدة، تؤثِّرُ سلباً في إظهارِ عملي. صحيحٌ أن هذه المواد، تراعي الميزانيَّة، وقد تكون أسهلَ في التركيب، لكنني أتهرَّبُ منها، خاصَّةً أن اللمس جزءٌ لا يتجزَّأ من التصميم، وهذا الأخيرُ لا يقومُ على الجماليَّات فحسب. عليه، لا أستخدمُ بديلَ الخشب، أو بديل الرخام إلا عند الضرورة.

المنازل الذكية

ما التصميمُ المستقبلي، وإلى أي حدّ يمكن تطبيقه في الشقق؟

لا يتعلَّقُ التصميم المستقبلي بجماليَّاتٍ مُحدَّدةٍ فالمنزلُ قد يكون مصمَّماً وفق طرازِ الريترو «الرجعي»، لكنه يكون مستقبلياً، أي يكون منزلاً ذكياً، يمكن التحكُّم به بالهاتفِ النقَّال. بمعنى آخر، أبوابُ المنزل، وإضاءته، وأجهزته مسيَّرةٌ عبر تطبيقاتٍ محدَّدةٍ، ويمكن فتحها، وإغلاقها، وتشغيلها من خلال شاشةٍ. أفرادُ الجيلِ الجديد، يفضّلون هذه الخيارات، ويطلبونها في مساكنهم.

التصميم الإسكندنافي

على صعيدِ طرزِ الديكور، التصميمُ الإسكندنافي الخالدُ، يعرفُ مظهراً جديداً أخيراً. ما رأيكِ في هذه الحلَّةِ الجديدة، وهل تتبعين طرزاً محدَّدةً في مشروعاتكِ السكنيَّة بالشققِ تحديداً؟

في استديو التصميمِ الخاصِّ بي، آخذُ فكرةَ صاحبِ المشروع، و«الستايل» الذي يرغبُ فيه، مهما كانا، وأطوِّرهما. لناحيةِ التصميمِ الإسكندنافي، هو شائعٌ نتيجةً لألوانه «الرائقة»، وأشكاله غير المستقيمة، وطابعه الزن zen «التأمُّلي». ومع اهتمامِ الناسِ المتزايد بعلمِ الطاقة، والفنج شوي، وتأثيراتِ الألوانِ في نفسيَّات الأفراد، يذهبُ أصحابُ المنازلِ مذهبَ الإسكندنافيَّة حالياً.

النباتات الداخلية

إلى أي حدٍّ تجعلين الطبيعةَ تدخلُ المنزل، وكيف تفعلين ذلك؟

في حضورِ مساحاتٍ خارجيَّةٍ ضمن مشروعاتِ الفلل، أو المنازلِ المستقلَّة بذاتها، يسهلُ دمجُ الطبيعةِ بالسكن، لكنْ في شققِ المدينة، أركِّزُ على إدخالِ الضوءِ الطبيعي عبر تكبيرِ فتحاتِ النوافذ، واستخدامِ النباتات الداخلية بطرقٍ مبتكرةٍ، تتجاوزُ أمرَ توزيعِ الأصيص في زوايا الغرف. قد تحلُّ النباتاتُ، مثلاً، من خلال العوازلِ المستخدمةِ في المساحاتِ المفتوحة.

«حديث البلد»

حدِّثينا عن الأمورِ المتكرِّرة التي يطلبها أصحابُ المشروعاتِ السكنيَّة منكِ في منازلهم، وكيف يمكن تحقيقُ التوازنِ بين رغباتِ العميلِ، والرؤيةِ الإبداعيَّة للمصمِّم؟

أرى أن التكرارَ عدوُّ المصمِّم، وعلى الأخير أن يبتكرَ في مشروعاته، وأن يقرأ بين السطور، وأن يتجدَّد، وأن يتعاملَ مع كلِّ أمرٍ مرغوبٍ من صاحبِ المشروع وفقَ منظورٍ آخر، وأن يُنفِّذه بطريقةٍ مبدعةٍ. أغلبُ ملَّاك المنازل، يطمحون لأن يعيشوا في بيوتٍ مريحةٍ، وألَّا يشعروا بالمللِ منها سريعاً، وأن تصبح مساكنهم «حديثَ البلد»، إذ يمثِّلُ مكانُ السكنِ محلَّ مباهاةٍ. إضافةً إلى ذلك، منازلنا العربيَّة مضيافةٌ، لذا هناك اهتمامٌ بمجالس الضيوف، وأماكنِ الولائم، إلى جانبِ التدريس، والعائلاتِ الكبيرة، وهو ما يختلفُ تماماً عن منازلِ العائلاتِ الغربيَّة.

مشروعات وتحديات

ما المشروعاتُ التي تعملين عليها في العامِ الجاري 2025؟

أعملُ على مشروعاتٍ سكنيَّةٍ وسطَ بيروت، ومشروعِ Airbnb في اليونان، ومداخلِ بناياتٍ بمنطقةِ الروشة في العاصمة، إضافةً إلى ملعبٍ لرياضة البادل، وقصرٍ في الشوف بجبل لبنان. أنا منفتحةٌ على كلِّ جديدٍ بكلِّ ما يحمله من تحدِّياتٍ.