طبيبة في ورطة
سيدتي أبدأ رسالتي بتعريف نفسي، أنا طالبة طب في السنة الأخيرة، حيث نكمل تدريبنا في المستشفى، وكنت أساعد من كان يستنجد بي، ولو كان على حساب نفسي، ولا أحب أن «أكسف» أو أجرح أحدًا. وفي يوم اتصلت بي أمي لتقول إن أختي في حالة وضع، فذهبت لأرى إذا كانت أختي تريد شيئًا، وعندما دخلت على أختي طردتني الممرضة بكل «قلة ذوق» أمام أختي، ومع هذا خرجت دون أن أقول أي شيء لسببين؛ أولاً لأنني التمست لها العذر، حيث إنها تقوم بعملها مهما كانت قليلة الذوق معي، وثانيًا لخوفي على أختي.
انتظرت أختي في صالة خارجية، وبعد 5 دقائق جاءت زوجة أخي التي تعمل في نفس المستشفى، والتي كانت علاقتي بها غير جيدة، وطردتها الممرضة أيضًا، ولم تتحمل زوجة أخي، وافتعلت مشكلة، وأحضروا الأمن، وطردونا خارج القسم، مع أنني لم أفعل شيئًا،
ورجعت زوجة أخي إلى البيت قبلي، وقالت لأهلي إنها مظلومة، وإنني وقفت أتفرج من دون مساعدتها، وإن شخصيتي ضعيفة في الخارج، ولأنها جاءت تبكي لأهلي فهم كالعادة صدقوها، وأنا لم أجد من يخفف ألمي.
هذا الموقف أثّر فيَّ جدًّا، وهدم ثقتي بنفسي، مع أنني غير ضعيفة. شعرت بأن كرامتي أهينت، وبأنني طردت وأنا لم أفعل شيئًا. كما أنني ظهرت بصورة سيئة أمام العاملين في المستشفى. كنت دائمًا حريصة على سمعتي. وفضلاً عن ذلك كله تأثرت علاقتي بأختي، وتغيبت عن عشاء سلامتها.
يضيق صدري كلما تذكرت الموقف، وأصبحت أكره نفسي أكثر من ذي قبل، وأنا أريد الهرب ولا أعرف إلى أين؟ هل من نصيحة؟
الحائرة أماني
عزيزتي لمست شيئًا من المبالغة في ردود أفعالك لموقف يتكرر كثيرًا في حياة كل الناس. كم من مرة يفاجأ المرء بسلوك عدائي من شخص ما فتتجمد انفعالاته للحظة، وحين يتذكر الموقف يتمنى أن يعود الزمن لكي يقول للمعتدي كلامًا يردعه. ولكن تلك المواقف تعلمنا الكثير عن الآخرين وعن أنفسنا. أتصور أنه كان بإمكانك أن تقولي للممرضة المعتدية بهدوء إنك طبيبة على وشك التخرج مثلاً. وبإمكانك أيضًا أن تتغاضي عن سلوكها؛ لأنها تلك هي طريقتها في أداء عملها، ولم تكن عدوانًا خاصًا مصوبًا نحوك. كل ما هنالك هو أنها ممرضة فاشلة؛ لأن التمريض أساسه الصبر والرحمة واللباقة.
أما زوجة شقيقك التي اتهمتك بالضعف فهي تعبّر عن رأي، والرأي لا يلصق بنا. إحساسك بالإهانة سوف يمضي بمرور الزمن، ولكن صلة الرحم مع أختك أهم وأبدى. وتخلفك عن عشاء سلامتها يستوجب منك زيارة وهدية واعتذارًا.
لست ضعيفة، وسوف تثبت لك ممارسة مهنة الطب أن الطبيب الذي يبذل من وقته وجهده وعلمه الكثير لمداواة المرضى هو أقوى أنواع البشر. تفاءلي بالمستقبل، وحاولي أن تكوني أكثر تسامحًا مع هفوات الآخرين. تذكري دائمًا أن الأصل في الأشياء هو الخير.
أنا وصديقاتي
سيدتي أعاني من مشكلة في حياتي الشخصية، وهذه المشكلة تسبب لي المشاكل في حياتي الأسرية والاجتماعية.. إنني أمتلك الكثير من الصديقات، ولكنني قد فقدت الثقة فيهن جميعًا بسبب الخيانة المتتابعة منهن.. إنني أمتلك المهارة للاستماع لهن، والإدلاء لهن بالنصائح وحل مشاكلهن.. ولكنني أعاني من الوحدة وعدم قدرتي على حل مشاكلي الشخصية، رغم قدرتي على حل مشاكل الآخرين ببراعة. اعتدت قديمًا أن أحكي لصديقاتي، ولكنهن أفشين أسراري، وتعمدن إيذائي بشكل كبير أوصلني إلى أن أفقد الثقة في جميع من حولي، ومن وقتها انعزلت تمامًا عن تجمعات النساء... ومن هنا بدأت مشاكلي مع أمي الغالية.. فإنها حقًّا امرأة رائعة، ولكن فرق السن الكبير بيني وبينها يجعلها لا تتمكن من فهمي جيدًا، وبدأت هي بإبعادي عن أي صديقة جديدة أحاول الاقتراب منها؛ لكي لا تؤذيني صديقة مرة أخرى.. وهذا جعلني أشعر بالتحكم الزائد في حياتي الشخصية.. ولكي أريحها فقد قررت أن أنعزل بنفسي تمامًا عن الحياة الاجتماعية.. فكرت في أن أجعل أمي صديقتي، ولكنها بدلاً من أن تحل لي مشاكلي وتتفرغ لسماعي، فقد أبرزت لي عيوبي، وبدأت في أن تلفت أنظاري لها بشكل كبير، ورغم هذا لم تساعدني في أن أصلح من نفسي، فقد جعلتني أحس بأنني ناقصة وكثيرة العيوب، وتسبب ذلك في خلق عقدة بداخلي!أتمنى أن تساعديني بنصيحة.
ابنتك ص. ع
عزيزتي في مثل عمرك تتحكم المشاعر في إحساسنا بالحياة وفي سلوكنا نحو الآخرين. ففي أول الشباب لا نحب بحساب، ولا نثق بحساب، ولا نحزن أو نفرح بحساب. ونحن حتمًا لا نختار الأصدقاء بحساب. احتياجنا للانتماء ولتبادل الأسرار والخبرات يدفعنا إلى الاقتراب من البعض الذي لا يحترم الثقة ولا يصونها. ولا شك أن تجاربك مع فتيات اعتبرتهن صديقات ولكن تنكرن للصداقة قد علّمك الحرص. الحرص واجب بحيث لا تنتهي العلاقة بإحساسنا بالخذلان والخيانة. ولكن دعيني أنبهك إلى أن الإنسان الذي لا يتمكن من الاحتفاظ بأسراره الشخصية لا يمكن أن يتوقع أن يحتفظ بها غيره. فهناك أسرار وأسرار من الأفضل أن يحتفظ بها الإنسان لنفسه... اختيار الصديقات يأتي مع مراحل النضج والتجربة، والأساس يجب ألا يكون العثور على مستمع جيد للأسرار والمشاكل، وإنما الإحساس بالارتياح والاكتمال والقدرة على الأخذ والعطاء في إطار العلاقة. يجب ألا تُقبلي على صديقة بهدف ما يمكن أن تمنحك تلك الصديقة، وإنما ما يمكن أن تضيف إليك صداقتها وتضيف إليها صداقتك .
رغبة والدتك في حمايتك مفهومة، ولكنها في غير محلها؛ لأن كل إنسان يحتاج إلى النزال مع الحياة والتجربة؛ لكي يشتد أزره، وتتسع مداركه، ويكتسب صلابة وحكمة. أما علاقتك بالوالدة فهي بحاجة إلى تطور. هي تنظر إليك وكأنك طفلتها، وأنت تنظرين إلى نفسك على أنك إنسان بالغ مكتمل، والحقيقة هي أنك خليط من الاثنين. فارق العمر بينك وبينها ليس عائقًا للتفاهم، بل إن خبرتها يمكن أن تفيدك كثيرًا، ولكن انتقادها الدائم لك في غير محله، إلا إذا كانت تثني على فضائلك بقدر إشارتها إلى عيوبك.
أنصحك بأن تضعي رأسك على كتفها، وسوف تبهرك النتائج، لا تعامليها معاملة الند، وإنما عامليها كمستودع الحب والأمان، واشكريها إذا انتقدتك، واطلبي مشورتها في أمورك الصغيرة.
سوف تأتيك الصداقة الحقة في المستقبل، وسوف تشعرين بثراء التجربة، فلا تتعجلي ولا تفقدي الأمل بهذه السرعة. المستقبل يحمل لك الكثير من الرضا والمسرة.