لأبجديتك الخاصة: عيناك، أهدابك، شفتاك، شعرك، قامتك، مشيتك.
لمسة يديك، رنوة عينيك، انفراج شفتيك عن ابتسامة، أو انضمامهما في تصميم، طريقتك الخاصة في الكلام، الجملة المتكررة: يدك وجبينك وخصلات شعرك.
أيضًا الجملة الحزينة: حين ترتجف يداك وشفتاك، حين ينحني ظهرك وكتفاك، حين ينتشر اللون الأصفر في خدك، وحين تشرق الجملة المرحة: يلعب ذيل الحصان في شعرك، تبتسم عيناك قبل شفتيك، أبجدية جسدك عند المرح: الخطوة التي تكاد ترقص، النور يشيع في الوجه، والحاجبان والأهداب تدب فيها حيوية فرحة، وكل شيء فيك يرتد إلى طفولة عاقلة، طفولة تشرب حكمة السلام والأمان والفرح.
حين تكونين لاعبة لاهية، ضاحكة، منطلقة، لا تفقدين هالتك. تظلين نقية القلب محترمة، لم يحدث أبدًا أن شابت مرحك بذاءة، أو عابت لهوك البريء حماقة أو سخافة.
لأبجديتك التي علّمتني الكلام –ومن داوم على الاجتهاد في محاولة وصفك سوف يصير ذات يوم- لحروف العطف والجر والعلة، لمفعول جمالك المطلق، أهدي هذه الكلمة.
هذه أطول جملة كتبتها في حياتي، أو لعلها أطول جملة في تاريخ الكتابة. وأنا أطلب الصفح منك ومن كل قارئة عن كل هذا الاستطراد، وهذا العدد الكبير من الاعتراضية. ولكن ما حيلتي؟ إن انطباعك في قلبي، انطباع أبجديتك في كياني، يتدفق كالسيل. لكأن كل هذا الكلام تنهيدة طويلة لا تريد أن تنتهي.
حبك علمني الأبجدية، أبجديتك علمتني الكلام.. علمتني الضياع أيضًا. إن الشعور بالحب أساسًا مقامرة، مخاطرة غير محسوبة. شراب لذيذ في أوله سرعان ما ينقلب إلى خطى مختلة وعقل ذاهب وينتهي بخُمار مخيف.
لكن ما يعزيني ويشجعني رقتك. إنها تطمئنني؛ لأن السلام يشع منك والأمان يسعى كطفل ممسك بذيل ثوبك، إن كلام عينيك وقور ورشيد وعاقل، ثم فجأة يستمد به وبك المرح فتغدين مهرة واثبة وقطيطة لاعبة، ساعتها لا أخاف؛ لأن أمومة ما تظل عالقة بطفولتك اللاهية، فلا أخشى منها نزقًا.
كل هذه تدريبات على محاولة وصفك، وإني أحب أن ألفت نظر كل من تقرأ هذه السطور أني مازلت أحاول ترجمة أبجديتها إلى كلمات، وأني مازلت في بدء المحاولة، فتخيلي يا عزيزتي القارئة كم الجمال الذي يمكن أن يتجلى في هذه الصفة إذا تمكنت من اللغتين: لغة المحبوبة جسدًا وروحًا، مفردات وجودها الجميل، ولغتنا نحن التي نكتب بها ونحاول أن نحسنها ونجوِّدها ونطوِّعها لوصف ذلك الشيء البليغ الذي أبدع الرحمن في صوغه، ذي الأبجدية التي تبوح وتفصح، وتوحي وتهمس، وتومئ وترمز. لكني سأجتهد ما وسعني الجهد في أن أصوغك يومًا ما صياغة صادقة معبرة، ليس في تعبيرها قصور.
سأظل أكتبك حتى أموت، وكنت أكتبك منذ أن ولدت وربما -أو على الأقل- منذ أن أمسكت القلم. قد يسقط القلم من يميني نهائيًا دون أن أصل لذلك الهدف ولكن، من يدري، قد أصل يومًا ما للطريقة المثلى في تعشيق حروف وكلمات أبجديتك.. فأراك تتشكلين أمامي وأمام الناس. ساعتها
سأرتاح، وليسقط القلم كما يشاء.