أحسن الاختيار وتوكل


دعونا نكن أكثر واقعية عن كيفية السؤال، والاستفسار عن شريك الحياة بأسلوب عملي وراقٍ، فالموقف محير؟ فعندما يتقدم شخص ما للزواج فبطبيعة الحال لابد من السؤال عنه، ومهما سألنا ومهما جمعنا من معلومات وسلوكيات إيجابية فإن العيوب لا تظهر إلا من خلال العشرة، ولو كان المتقدم أحد الأقارب فالوضع الطبيعي أن الأهل لن يسألوا عنه؛ لأنه فرد من العائلة، وبالتالي سلوكياته وأخلاقه ووضعه الاجتماعي والاقتصادي واضح لديهم، ويتم الزواج، ومع ذلك فقد يشاء الله أن ينجح أو يفشل، أما لو كان الاختيار من خارج نطاق العائلة والأصدقاء والمعارف فتتواصل عملية البحث، التي قد تستمر لأشهر، وأثناء استفسارنا قد نصادف شخصًا حدث له موقف سلبي أو إيجابي مع المتقدم، وبالتالي كيف سنتأكد بأن رأيه واقعي ومجرد من العوامل النفسية والظروف الشخصية التي مرت به مع ذلك الإنسان.

وهناك فئة لو سألناها ترفض الإجابة؛ إما لعدم الرغبة في الإحراج أو عدم فضح الأسرار أو حرصًا على أواصر الصداقة التي تربطها بعائلة المتقدم، وقد نعيش تضاربًا في الآراء؛ فهناك من يثني عليه وهناك من يذمه، ومهما حاولنا التريث والتمعن في اختيار العريس المناسب فسيظل تحقيق السعادة الزوجية مرتبطًا بعوامل كثيرة، متى توفرت استمتعنا فيها بالراحة والاستقرار، فقرار الزواج من أهم القرارات التي تتحكم في مستقبل وحياة الإنسان، وعلى كل شاب وشابة أن يعرفا أن التكافؤ من أهم العوامل في إنجاح الحياة الزوجية، من حيثُ فارق السن والتوافق الاجتماعي والعلمي والثقافي والمادي والنفسي؛ حتى تتكون مساحة كبيرة من الحوار، وبالتالي يتوفر رصيد كبير من التفاهم، فالاختيار عملية ليست سهلة، ويعتبر الخطوة المبدئية التي تمهد بعدها لدراسة الشخصية واختبار المشاعر والطباع والميول، ومن ثم اتخاذ قرار الارتباط النهائي، وعلى كل منهما أن يحسن الاختيار؛ حتى لا يدخل في تجارب غير مأمونة‏، فبعد دراسة مشروع الزواج من جميع الجوانب والزوايا، وبعد التأكد من استيفاء أغلب الشروط اعقلها وتوكل، وسيأتي الحب الحقيقي بعد الزواج؛ لأن الحب في النهاية ليس قرارًا يصدره المرء بكامل وعيه إنما هو تراكم بطيء للمشاعر، يبدأ تلقائيًا، ويتفاعل ذاتيًا في أعماق الإنسان، فينمو ويقوى مع حسن المعاشرة، ولكي يحدث ذلك لابد من احترام الاختلافات بين الزوجين؛ لأنها وضع صحي فلا يحاول أي طرف أن يجعل الآخر شبيهه، فغالبًا ما تكون المسافة شاسعة بين المفروض والواقع، ولذلك تبدو الأزمات أكثر صعوبة، وتثور بداخلهما علامات الاستفهام، فهما لم يتوقعا أن المشاكل بينهما طبيعية لاختلاف وتكوين كل منهما، لكن عندما تتم معرفة طبيعة هذه الاختلافات سيشعر الزوجان بأن كثيرًا من مشاكلهما بدأت تتلاشى، وخلقت جوًا من المودة والألفة والسكن، وفي كل الأحوال علينا قبل التسليم التام بضرورة حسن الاختيار أن نثق بأن الله تعالى هو من يكتب لنا السعادة أو الشقاء، والحياة الزوجية مثلها مثل العمر والرزق والصحة والمرض،‏‏ كلها من قدر الله وحده سبحانه وتعالى.

 

 أنين الحقيقة

إن الزمن تحكمه لغة الأشياء أكثر مما تحكمه لغة المشاعر، يحكمه شكل العطاء أكثر مما يحكمه عمق الإحساس به، وهنا نشأت أجيال جديدة تفكر بأيديها، وتحيا بأصابعها وتشتاق بجسدها وليس في ذلك عيب، لكن العيب أن تفقد الحواس الأخرى مشاعرها فتتحول إلى تماثيل آدمية تحمل شكل الإنسان ولونه، لكنها لا تعرف شيئًا من مشاعره، وهذه هي الكارثة الحقيقية.

فاروق جويدة