أحلامي حين أنام في بريدة!

علماء النوم يقولون: إن هناك ارتباطا وثيقا بين ما يراه النائم في منامه، وما يفكر به, وما يعيشه خلال يومه من ملامح ومشاهد وزفرات وتوترات!

وعلى حد زعم المثل القائل: إن الأحلام «حديث القلوب»، يمكن دراسة الأحلام من جهة

الحديث الشفوي، والذي يشف عما تحته، ويكشف عن مخبئه، وينم عن سريرته!

وصاحب السطور واحد من هؤلاء الكُثر الذين يسافرون ويرحلون ويستقرون؛ لذا يمكن أن

تكون أحلامه جزءًا من تجربة عامة، وإن التبست بالخاصة، إلا أن العبرة بعموم الحدث،

وليس بخاصية الحدث، ثم إنه يتعذّر–دائمًا- معرفة أحلام الغير لسبب أو لآخر، ومن

مقارنة بسيطة يمكن قياس الأحلام في مدينتين تبعد كل واحدة عن الأخرى آلاف

الكيلومترات، واسأل العادِّين!

في بريدة –وسط نجد- مدينة منسية إلا من الذكرى، مغفول عنها إلا من الزيارة، تظهر

الأحلام شارحة توترات المكان وحشرجات الزمان، وتذمرات الإنسان، عبر حديث صامت لا يسمعه إلا الواحد الأحد!

في بريدة تكون الأحلام مقسمة على مخاوف كثيرة، فإما أن ترى قطًا أسود يتأهب لغرز

مخالبه في وجهك المتعب أصلاً من «التلون»، وإما أن تتخيل نفسك واقعًا في حفرة حفرها

لك الزمان، وإما أن تصحو على توهم حادث سيارة عنيف يهز أطرافك لتقوم مفجوعًا من سوء ما بُشرت به!

وإذا لم يكن كل ذلك، فلا مناص من أن ترى أنك فقدت عزيزًا، أو خسرت مالاً نفيسًا في

«أسهم» أو «مساهمة» اتضح أن صاحبها نصاب «فقع» أي سافر للخارج، وإذا لم تكن من ذوي الأموال التي تؤهلك للدخول في الشاشات والمناقصات والمساهمات، فلا مناص من أن ترى نفسك في «جمس» الهيئة بحجة أن معك وردة حمراء شوهدت في سيارتك يوم «عيد الحب»، ولا تستبعد أن ترى –فيما يرى النائم- أنك طلّقت زوجتك إما طلاقًا بائنًا أو غير بائن؛

لتتشتت الأسرة ويضيع الأطفال، وتنتهي حياة أسرة كاملة مختومة بعبارة «الزواج قسمة ونصيب»، أو «لم يكتب الله بينهما المودة»!

في تلك المدينة –وما حولها من المدن والقرى- لا يمكن أن تنام إلا كنوم صديقنا «الذئب» الذي ينام بعين ليستريح، ويستيقظ بأخرى ليتقي الطعنات، ويرد الهجمات ويصد

الأحلام والتكهنات؛ لذا يصف الذئب الواصفون بقولهم:

يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي

بِأُخْرَى المَنَايَا فَهُوَ يَقْظَانُ نَائِمُ!

وإذا لم تكن من الرومانسيين والرومانسيات، أو المتزوجين والمتزوجات، أو الحالمين

والحالمات، أو العاشقين والعاشقات، فالخوف «فيك فيك» إذ لا مفر من أن تتصور أن فتوى

طائشة صدرت بحقك، أو أنك مجاور لإرهابي متطرف ليس أكثر من قاطع طريق أرعن، لا يحميك منه إلا رجال صادقون، لا يعرفون إلا الحزم، ولا يؤمنون إلا بالصرامة، فلا تملك إلا

أن تقبِّل رأس هذا الرجل الذي لا يملك إلا الثقة بالله، والإخلاص في العمل، ولا تنس

بعد التقبيل أن تُري نظرة حقد وكراهية لأصحاب هذه الفتاوى، الذين مازالوا يخوضون ويلعبون، وفي حديثهم يتنطعون، وعن آرائهم لا يرجعون ولا يُراجعون، والله المستعان

على ما يأفكون!

حسنا، ماذا بقي؟

بقي القول: هذه أحلامي عندما أنام في بريدة، أما أحلامي عندما أنام في مدينة برمنجهام البريطانية حيثُ أدرس، فسأكتب عنها في مقال آخر وكل عام وأنتم في حلم

بريداوي