أحلام صغيرة

لفتت انتباهه..

لم أصدق حظي، انفتحت طاقة السعد لي، أصبح لحياتي معنى، صار بإمكاني أن أحلم مثل كل البنات ببيت، وأطفال، ومكان في المجتمع، ومستقبل مليء بالأفراح والمسرات.

لفتُ انتباه سي شريف، ابتسم لي، أشرق محياه، ولمع شيء في عينيه، وانفرجت شفتاه، ودمدم بشيء لم أسمعه، لم أستطع أن أركز، مرأى ملامحه المستبشرة خدرني، والفرحة «سمرتني» مكاني، وبقيت طويلاً بعد ذهابه أقف وسلة المشتريات تزداد ثقلاً فوق رأسي.

سي شريف نظر إليَّ، وابتسم.

التنهيدة التي رافقتني وأنا أجر خطاي بالعافية إلى الدار زادت من حرارة اللحظة الفريدة التي عشتها.

جنابه، سيد الحي ومرجع أهله في كثير من أمورهم التفتَ إليَّ ومنَّ عليَّ بنظرة ولفتة وابتسامة! أنا، خادمة خدم أم العربي، وضعت السلة على مائدة المطبخ، ووقفت أمام المرآة أتطلع إلى نفسي وأقيِّم جمالي، بشرتي نضرة، وقسماتي مليحة، وخصري نحيل، وقامتي غير قصيرة، دار مقبض الباب، ونادتني أختي بصوت خفيض، ولم أرغب في الرد عليها.

ماذا سيفعل الآن؟ هل سيبعث وراء أهلي؟ أم سيستطلع رأيي أولاً؟

دق قلبي ودرت حول نفسي والفرحة تغمرني، قالتها جدتي، يومًا ما سيبتسم الحظ لي، هددت أختي بأن تكسر الباب إن لم أفتح، وابتسمت وأنا أتخيل وقع الخبر عليها.

سي شريف يخطب ودي، ضحكتُ وأدرت المفتاح وعانقتها، لم أعد أقوى على الاحتفاظ بسري في صدري.

اتسعت عيناها حتى كادتا تقفزان من

محجريهما، يا جنية، كل هذا من وراء

ظهورنا، تعجبها زاد من اعتدادي بنفسي، وبدأت أزيد وأنقص في الوقائع، لم أفعل شيئًا، لم أسع إليه، لكنه كان يصمت عندما أمر قربه، ويشيعني عندما أبتعد، مرات كثيرة كان يبدو على وشك أن يقوم حين أجده في دكاكين الحي، لم يكن يتجاهلني، واليوم لم يقدر أن يمنع نفسه، وابتسم لي، وقال كلامًا حلوًا.

يا جنية، وضعت يدك على سيد الرجال.

التقت أعيننا في المرآة، تأملتني بتمعن وكأنها تراني لأول مرة، بم أفوقها؟ وماذا لفت نظره فيَّ؟ قرأت ما يجول برأسها وازددت زهوًا واعتدادًا.

أنا، أختها الصغرى النكرة التي جاءت لتساعدها في عملها بانتظار أن تجد مكانًا لدى عائلة من معارف السيدة أم العربي، تخطف في غفلة منها قلب آخر عزاب الحي، سي شريف، التاجر الثري الذي لم تملأ عينيه بنات الحسب والنسب.

تراجعت حليمة بشيء من الارتباك، وشعرت في نظرتها التالية لي بكثير من الاحترام، لم أغسل الآنية بعد الغداء، ولم أخرج أكياس النفايات من المطبخ، ولم أنظف الأرضية، تصرفت أختي، وتركتني أرتب الأثاث، وأكوي الثياب، وأشتري ما يلزم من أغراض، تفقدت هندامي قبل أن أخرج، وتمشيت ببطء وأنا أمر من الطريق التي يسلكها في العادة، ماذا سأقول له إن استوقفني، وكيف سأتصرف إن أحرجني، وبمَ أرد عليه؟ أسئلة لم تبرح ذهني وأنا أمضي لأشتري غرضًا وأتناسى عمدًا غرضًا آخر لأجد حجة أخرج بها مرة ثانية وثالثة ورابعة.

لم يلتفت إلىَّ كعادته، لكن وجهه كان بشوشًا، وعيناه رمقتاني من الخلف وأنا أمضي في طريقي.

استمر الوضع على هذه الحال أيامًا، وبدأت حليمة ترتاب في الأمر، وتعود لطغيانها السابق معي، وتترك أشق الأعمال لي.

ولم أشك في اهتمامه بي، وتعلقه بشخصي، وإن كان تباطؤه في التحرك بشكل جدي قد بدأ يثير حنقي.

 وكان أن حلت تلك الظهيرة التي رفع فيها رأسه نحوي، وسألني إن كان المقام عند السيدة أم العربي يعجبني.

كنت أنقد بائع الفاكهة أجر ما اشتريته منه، وكان يجلس إلى جانبه،

تملكني الارتباك، وهززت رأسي كما لو كنت بكماء، وابتسم، وقال إنه سمع بأنني أبحث عن عمل، لم أرد، وقال إن لديه عرضًا يريد مني أن أفكر فيه.

صاحب الدكان لم يدع كلمة واحدة مما دار أمامه تفلت منه، زاد ارتباكي، وتساءلت لِمَ لا ينهض ويكلمني على جنب؟ تحركت مبتعدة، واستوقفني، لديه قريبة تبحث عن خادمة، شابة تكبرني بقليل، تزوجت حديثًا وتحتاج لمن يساعدها في شؤون البيت.

صمتُ.. الصدمة كانت كبيرة.. خادمة؟!

راقبني مدة طويلة، قال والابتسامة لا تفارقه، وسرّه ما رأى من حيويتي وشطارتي، قريبته سخية، لن تبخل عليَّ بشيء، سيكلم السيدة أم العربي في الأمر إن وافقت.

جررت رجلي بعيدًا دون أن أنبس بكلمة، شعرت بأنني كنت مغفلة.