الجائزة الكبرى

عند مدخل أحد الأسواق التجارية، تقابل السيد «خاطر» وأسرته، بأحد الشباب المُسوّقين، والذي استأذنهم في دقيقتين من الوقت، وبعد معلومات التعارُف، سأل الشاب المُسوّق سؤالاً بسيطًا، وأجابت عنه ابنة السيد «خاطر» الصغرى، وعلى أثر ذلك سلمه الشاب مظروفًا أنيقًا، يحمل دعوة لضيافتهم في حفل ساهر بمؤسستهم، لاستلام هدية قيّمة.. وفي المساء التالي ورده اتصال من تلك المنشأة، للتأكيد على الحضور في الموعد المحدد، واعتذر السيد «خاطر» لانشغاله، فأعطوه موعدًا آخر لاستلام جائزتهم الثمينة.. واتصل آخر، فأجابته زوجته، وأكد لها ضرورة حضورهم لاستلام هديتهم، وحاولت استئذانهم إن كان بالإمكان إرسالها «أي الجائزة القيّمة» بريديًّا، وسيتحمل زوجها مصاريف الإرسال، ولكنهم اعتذروا لها، وقالوا إنه لابد من استلامها عائليًّا، من مقر منشأتهم.. ولم يجد الرجل وأسرته بدًّا، تحت إلحاح اتصالاتهم المتكررة وتأكيدهم للحضور، إلا الذهاب لتلك المنشأة، لاستلام هدية الفوز الجميلة، فاصطحب أسرته وراحوا بكامل أناقتهم، حيثُ وجدوا زحامًا في صالة المؤسسة، فقد سبقتهم أسر كثيرة لاستلام هداياهم الثمينة، وبعد طول انتظار جاءهم أحد مندوبي المؤسسة مُناديًا بصوت هادئ: أسرة الأستاذ.. وأخذه الشاب بالسلام الحار، كأن بينهما معرفة حميمة! ودعاهم لجلسة تعارف وتناول المشروبات المتنوعة، وسط أصداء الموسيقى الهادئة لاستعراض برنامجهم السياحي، وهو أسلوب راقٍ للتسوق والبيع للعملاء لو توافرت المصداقية، وبعد ساعة من الشرح الوافي للبرنامج الصاخب، أفصحوا عن الجائزة الثمينة، والتي كانت إقامة مجانية لمدة أسبوع، في أحد المنتجعات السياحية، بشرط الاشتراك ببرنامجهم مقابل ثلاثين ألفًا، تدفع على أقساط، أولها عشرة آلاف.. فيا لها من مجانية سياحية، لولا ذلك الشرط الجائر! وتوقف المندوب الأنيق، وسأل سؤالاً يبدو أنه معتاد: هل هناك مانع للاشتراك في برنامجنا؟ وأجابه السيد «خاطر»: لسنا مستعدين! وتشاور مع أفراد أسرته الملتفين حول المائدة المستديرة، والذين ظهرت على وجوههم علامات الغضب لإجابته السريعة بالرفض، وأفادوه بالموافقة! واعتذر لعدم وجود المبلغ كاملاً، وطلب مهلة عدة أيام لتدبير المبلغ، وأفاده المندوب أن البرنامج السياحي المغري الذي شرحه، بهديته المجانية، يسري في هذه الليلة فقط! وقد قوبلت حُجج السيد «خاطر» بأن لديهم ماكينة صراف آلي يُمكنه السحب منها، وحاول الأخير الفكاك منه، ومن أسرته، الذين تشبثوا بتلك الرحلة السياحية الهادئة، حيثُ أنزلهم المندوب - في عرضه للبرنامج- البحر، وعيّشهم معيشة المُصطافين المجانية، وتحت إلحاح أسرته وقّع الرجل على العقد، وسحب المبلغ من ماكينة الصراف الآلي، وكان المبلغ أكثر من نصف مدخراته، وقد راجع السيد «خاطر» حساباته، وقال في نفسه: ماذا يرغمه أن يدفع ذلك المبلغ دفعة واحدة وبلا مقابل؟! فقد دفع ثمن السمك في الماء، ولا يعرف نوعه أو كميته، أو هو مُجز أو غيره! فراح سريعًا محاولاً استرجاع نقوده، أو جزء منها، وفسخ العقد، لكنهم رفضوا رفضًا باتًا، ليكتشف أن العرض الذي شرحه المندوب، هو عرض الأمس وغدًا وكل الأيام، وهي عبارة يرددها رجال البيع! وتلك الأنواع من المؤسسات أو المنشآت السياحية، أحيانًا تُقدم هدفًا خدميًّا جميلاً إذا كانت صادقة مع عملائها، وتلتزم بشروط العقد، وتنفذ ما اتفق عليه بالاستمرار في تقديم الخدمة خلال فترة التعاقد، وعندما تكون هناك حماية وضمانات لحفظ حقوق المتعاقدين.. وبعد عدة شهور، وعندما حان وقت إجازة أسرة العميل «خاطر» واستعدادهم لاستغلال برنامجهم السياحي الصاخب المتعاقد عليه، والمدفوعة قيمته مقدمًا، ذهب الرجل لتلك المنشأة في بنايتها الفخمة، فلم يجد لها أثرًا! وقابله عدة متعاقدين مثله في برامجهم السياحية، يبحثون ويتساءلون، وقال أحدهم إن المنشأة نُقلت لموقع آخر، فراحوا من موقع إلى موقع، ومن مكان لآخر، وراح المشتركون جميعًا حسب تفاصيل العقد المُبارك الذي وقعوه يسألون في الجهات الرسمية عن سجل المؤسسة الواردة بالعقد، لتفيدهم هذه الجهات أن تلك المنشأة أغلقت لأسباب ما، وعلى المتضررين من المتعاقدين في برامجها اللجوء للقضاء لاسترجاع نقودهم، ومن الأفضل واختصارًا للوقت، إذابة عقود البرامج السياحية وشرب مياهها مقابل المبالغ المدفوعة!