هل يجيء يومٌ يتوقفُ فيه الإنسان عن خوفه من الإنسان الآخر؟ الجار؟ القريب أو البعيد؟
خطرَ لي هذا التساؤل وأنا أعبرُ الحواجز كي أصل إلى داري ضمن «المربّع الأمني». ومثل العادة، أتوقّف أمام الحاجز كي يقومَ الحارس بواجبه، فيلفّ بآلته الفاحصة حول السيارة، ويجسّ «نبضها» ليتأكد من سلامتها، وبأنها خالية من مواد التفجير.
وهذا إجراءٌ أمني بات مألوفاً، أمام القصور ومساكن المسؤولين في المدينة. والحارس يقوم بواجبه وينفّذ أمرَ رؤسائه.
وهو شابٌ مهذّب ولطيف، كما يبدو لي، لكنّ البندقية المتدلّية من كتفه تقول كلاماً مختلفاً.
وأتجرّأ فأسأله: لماذا؟ لماذا يحملُ بندقيّةً ولسنا في حالة حرب؟
وبالطبع، لا ألقى لسؤالي جواباً. فالمشهدُ باتَ مألوفاً، والحالة لا تنحصر في حيِّنا، أو مدينتنا، إذ بات الخوفُ يعمُّ وينتشر في كلّ مكان؛ وتقفُ وراءَه عواملُ متعدّدة ومنوّعة، ليس أقلَّها الكره والحسد والتسلّط والطمع، لدى الأفراد، كما الجماعات. بل ويمكن القول: والدول.
يكفي أن نقومَ بجولةٍ مع وسائل الإعلام، أو نستمعَ إلى نشرات الأخبار، أو نُطالعَ ما تنقله الصحف، لنكتشف أن ما يتقدّم ويطغى هو أخبارُ القتل، والعدوان، واغتصاب أرض الآخرين كما حقوقهم وأرواحهم.
ولا يسعني، بالتالي، إلاّ أن أطرحَ السؤال، حتى ولو بقي مُعلّقاً في الهواء: إلى أين؟ إلى أين تمضي الإنسانية، في هذا الزمان وفي الأيام المقبلة؟
ويأتي الجوابُ من الصديقة التي تعيشُ في الواقع لا في الخيال أو المثاليات، وتقول: هكذا كان في سالفِ العصور والأزمان. وهذا ما يستمرُّ في الحاضر ويمتدُّ إلى المستقبل. إنما يحدث، بين الحين والآخر، أن ينهضَ شخصٌ يتميّزُ بالحكمة، ويحمل رسالة المحبة، يدعو الناسَ إلى التخلّي عن غرائزهم السلبية، كي يسيروا في سُبُل الحقّ والمعرفة والسلام.
وغالباً ما يتعرّضُ مثل هذا الإنسان، للتعذيبِ والإضطهاد، وتبقى نسبةُ الداعين إلى المحبة، والسلام أقلّية، إذا ما قورنت بجماهيرِ البطشِ والقوة.
أما أنا، فلن أتخلّى عن أمَلي وإيماني بأن تبلغَ الإنسانية، في يوم ما، سنَّ الرشد، ويتسلّمَ الحكماءُ شؤونَ الإدارة، للدول والأفراد. وينشرون، بين الناس، بدلَ العنف والخوف، رسائلَ محبّة وسلام.