في بداية لقائنا استشعرت حرصك الشديد، الذي ليس له أي مبرر، عند شراء أي شيء مهما كان صغيرًا، وكنت بداخلي أبرر تصرفاتك وأشفق عليك، فربما كان خوفك من عدم الالتزام بمسؤولياتك جعلك تحرص على راتبك، لكن مع تكرار مواقفك نصحني أهلي بعدم الإقدام على هذا الزواج؛ فقد لمسوا الأنانية في تصرفاتك، وحاولوا أن يوضحوا لي الصورة، فالبخيل في المادة هو إنسان بخيل حتى في مشاعره وأحاسيسه وفي كل ما يملك، لكني التمست لك العذر في كل ما تفعله، وكنت متوقعة أن بداية حياتنا ستتخللها بعض المتاعب، التي علينا أن نواجهها بكل ثقة وحب وتفاؤل، وكذبت ظنون من حولي وصدقت حقيقة واحدة؛ أنك أنت دون غيرك فارس أحلامي، فقد كنت أرى تصرفاتك وألمسها بعين المحبة، فهم كانوا يرونك بعقولهم، وأنا كنت أراك بقلبي وأحاسيسي، وكنت أؤمن بالمثل القائل: «إن مراية الحب عمياء»؛ لأنها تخفي عنا عيوب من نحب، فكنت لا أرى نفسي إلا من خلالك؛ لذا عاش عقلي في غيبوبة العشق، لكن في النهاية، سواء قصر الوقت أم طال، بقيت الحقيقة المؤلمة التي صحوت عليها فزعة خائفة بعد فوات الأوان، وفي النهاية جمعنا سقف واحد، وعشت في البداية حياتي معك لا أنطق إلا باسمك، ولا أحكي إلا عنك، ولم أرهقك بأي طلبات، ورغم ذلك كنت دائم التذمر والشكوى من ضيق الحال وكثرة المصاريف، وبدوري لم أتهاون في عطائي ودعمي لك، متخيلة أن هذه المساندة والمشاركة ستقربنا لبعضنا أكثر، وستزيد من قوة ارتباطنا كشريكين متحابين، وسارت بنا الحياة بين شدِّ وجذب، وبدأت بعدها أتعود على أن أدبر أمور المنزل بأقل القليل، وأنت كما أنت لم تتغير، وحين بدأ دخلك يزداد طالبتك بأن تتخلى عن حرصك؛ لننعم بحياتنا كبقية خلق الله، لكنني فشلت أن أغير طباعك، فقد كان أهون عليك أن أقتلع عينًا من عينيك ولا آخذ منك شيئًا، وتحملت وصبرت خوفًا على أبنائي، وثابرت من أجل تربيتهم، واعتبرتك مجرد ظل رجل ليس أكثر.
هل سيصدقني أحد لو قلت إنك بعد كل تلك السنوات أصبحت تمتلك ثروة وأسرتك مازالت تعيش على حد الكفاف؟! لقد قمت بمحاولات عديدة لإصلاح ما يمكن إصلاحه وفشلت، ووجدت مقولة «الطبع يغلب التطبع» تنطبق عليك، لحظتها خيرتك بين توفير الحياة الكريمة... حياة تتوفر فيها كل مستلزماتنا واحتياجاتنا أو الطلاق، وبكل ثقة اخترت أموالك التي تكتنزها، لحظتها شعرت بالهزيمة ومرارة الظلم الذي تعرضت له بسببك، وقررت في النهاية أن أحطم تلك القيود التي تحملتها طوال حياتي، فالمال لديك أغلى وأعز مني ومن أولادك، وانفصلنا ونظمت حياتي الجديدة، وتوظفت بشهادتي الثانوية مقابل راتب ضئيل بجانب ما يساندني به أهلي، وكانت ميزانيتي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للمنزل، وحملت نفسي ديونًا لا طاقة لي بها، ورغم ذلك لم تكلف نفسك مشقة السؤال عن حالنا وكيف نعيش، ولم تفكر حتى في إرسال ولو مبلغ بسيط، وكنت أتحمل معاناتي فيما يواجهني من أزمات، وما تعرضت له من ضغوط أصابتني بالأمراض، واجتمعت بأبنائي رغم صغر سنهم، وأوضحت لهم الأمر، وكيف أتصرف حيال الأزمة التي أمر بها، وقررنا أن نلجأ إلى المحكمة؛ للمطالبة بحقوقنا وبما يقره الشرع لنا بعد أن رفضت كل الطرق السلمية، وكل الوساطات؛ لكي تؤدي دورك وواجبك تجاه أبنائك، فالشعور بالمسؤولية يا سيدي صفة لا تمتلكها، فأنت بلا مشاعر أو أحاسيس وبلا أدنى مبالاة بمصائر من ترعاهم، غافل عن دورك المسؤول عنه أمام الله، وها نحن ننتظر ما سيحكم به القضاء وكل ما أتمناه ألا يطول انتظارنا.
أنين امرأة
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} هذا كلام الله سبحانه وتعالى، فالرجال لهم اليد الطولى في القرار وتنفيذ القرار ومتابعة التنفيذ، والرجل أيضًا هو كفيل المرأة، وسندها وحائط يؤمنها غدها، وذراعا حنان تحتويان معاناتها، ونهر متدفق من العطاء، وسيول من المياه لتجرفها وتحميها، وشاطئ أمين ترسو فيه مراكبها، وملاذ، ومرفأ، وميناء، وكوخ، وعتاد، وسلاح، وتاج على رأسها، فهل أنت كل هؤلاء لامرأتك؟ راجع القرار مرة واثنتين وثلاثًا بينك وبين نفسك في خلوة مع ذاتك، وأضف إليك ما فاتك.