المرأة المستعملة..!

الظواهر التي يستدل بها بعض الاقتصاديين على تردي أحوال الاقتصاد؛ ظاهرة «بيع وشراء الأشياء المستعملة«!! في السابق لم يكن الناس يتعاملون مع الموائد المستخدمة، إلا في حقل «السيارات»، حيث الحراج يفتح أبوابه كل عصر للبائعين والمشترين والمسترزقين!!

وقبل سنوات بدأت لوحات شراء الأثاث المستعمل تملأ الشوارع، في تجاوز

صريح للحراجات الكبرى من أمثال «حراج ابن قاسم» في الرياض، و«حراج الصواريخ» في جدة، وغيرهما من الحراجات المشهورة!! وفي الطفرة الثانية في بداية الثمانينيات ولدت ظاهرة «بيع وشراء الكتاب المستعمل»، وكانت من أجمل وأحلى الظواهر.. ثم جاء «الجوال»، فأصبح في كل زاوية وركن طاولة لعرض»الجوالات المستعملة»، ثم مددت الظاهرة رجليها فوصلت إلى البشر، فنجد أنفسنا أمام «الرجل المستعمل»، و«المرأة المستعملة».. وأعني بهما من سبق وأن تزوج، الأمر الذي ظهر بعدة صور، منها «زواج المسيار» و«الوناسة».. الخ. ومن المصطلحات الغريبة أن أهل بريدة -ونظرا لكثافة هاجس الدين لديهم- يسمون المرأة المطلقة أو المستعملة من خلال عبارة «امرأة مصلى فيها

جمعة«!! وفي عالم البحث.. هناك معلومات جديدة «Firsthand Information»، وهناك معلومات مستعملة «Secondhand Information»، وأكثر الباحثين يفضلون النوع الأول.. ليس لأنها طازجة بل لأنها معلومات يُتحكم في توجهها، حيث لا نموذج يمكن القياس عليه!! وثقافة «بيع وشراء الأشياء المستعملة» ثقافة غربية بامتياز، حيث نجد محلات «السكند هاند» تنتشر في كل زاوية في بريطانيا، مع ملاحظة أن ريع هذه المحلات يذهب لصالح الجمعيات الخيرية، وهذا يجعل الناس يتحفزون ويتشجعون لتقديم «ما لا يحتاجونه من مواد» كهبات وعطايا لهذه المحلات، التي تعدها وتصلحها وتجهزها للزبائن!!

إن ظاهرة «بيع وشراء الأشياء المستعملة» ظاهرة جديرة بالاحترام؛ لأنها حل لمشكلات كثيرة، أهمها الجانب الاقتصادي، كما أنها حل وسط لأولئك الأغبياء الذين  يشترون «ما لا يحتاجون إليه» بثمن غال؛ ليكون من نصيب الفقراء الذين يتصيدونه بثمن زهيد، وفي ذلك تجسير للفجوة بين الأغنياء والفقراء، أو لنقل «إعادة لتوزيع الثروة» على طريقة «العرض والطلب السلمية»؛ لينال الفقراء شعاعا من أضواء الأغنياء!!

نعم.. أعرف أن البعض يتحفظ على «الأشياء المستعملة«، و«الموائد المستطرفة»، ولكن هذا التحفظ لا قيمة له أمام الحاجة، وقد يتحفظ

البعض على اقتناء الملابس من هذه المحلات ويقبل البعض الآخر، وهذا تحفظ له وجاهته، وإن كان أهل بريطانيا لا يمارسون هذا التحفظ، بل نجد إحداهن تعمد إلى محل «سكند هاند» وتشتري شنطة من ماركة «بيربري «Burberry بخمسة جنيهات، في المقابل نجد أنها جديدة تساوي 100 جنيه، وبذلك تكون المسافة بين شنطة الغنية وشنطة الفقيرة هي مسافة زمنية، وليست مسافة حضارية أو طبقية!! إن ظاهرة بيع وشراء الأشياء المستعملة، ظاهرة طالت كل شيء، والأغرب أنها منذ القدم طالت الأمور المعنوية قبل الأشياء الحسية، ولعل أقدم المعنويات التي طالها الاستعمال هي «الكلام»، وأعني به الكلام المستعمل، أو ما يسميه زميلنا اللغوي الجاحظ «المعاني المستطرفة«!! وأول من التفت إلى ذلك جدنا الشاعر زهير بن أبي سلمى حين قال:

 

 

ما أرانا نقول إلا معارا

   

        أو معادا من قولنا! مكرور