لا.. أنا مش هندي!! قالها مديري، حيثُ كان يرغب في نشر إعلان نصف صفحة في جريدة ذائعة الصيت واسعة الانتشار، ولأن مدير المركز له علاقة قوية بمسؤول الإعلانات، ورغبة منه في الحصول على تخفيض جيد، اتصل به مباشرة بنفسه، وسمعته يضحك بصوت عالٍ وهو يرد على مسؤول الإعلانات: «لا كدا كتير.. أنا مش هندي»، وفي النهاية حصل مديري على تخفيض مرضٍ، وفي يوم سألت المدير، لكي أفهم علاقة الهندي بالإعلان، فكانت إجابته بعد أن وضع إصبع السبابة على صدغه: «مسؤول الإعلانات يحسبني أهبل، كان يود نشر الإعلان بعشرين ألفًا، ولكنني بالنهاية أوصلت المبلغ لخمسة عشر ألفًا»، وضحك وجلس جلسة معوجة، وعقب بقوله: «إحنا مش هنود»، وكأن مديري يعيد ليؤكد أن صفة الهبل ملصقة بالهنود.
الأمر لا يقتصر على المدير، فهذا التعبير يتردد كثيرًا، وحقيقة بحثت في كتب التراث وقرأت الكثير عن الهنود، صحيح لديهم عاداتهم الغريبة ومعتقداتهم الأغرب، لكن كأي شعب، وجد الظرفاء ما أشيع عن الهنود فرصة لإطلاق النكات، فيقال إن هناك هنديين يعملان بدولة خليجية، ورغبة من صاحبي عملهما أن يثبتا بأن الهنود ليسوا أغبياء، دخلا في تحدٍ، أي الهنديين أغبى من الآخر، فقال رب العمل الأول لموظفه الهندي: «اذهب واسأل عني في البيت، فإن وجدتني اطلب مني مفاتيح السيارة»، وطلب الثاني من الهندي الآخر أن يذهب إلى السوق ليشتري بدينارين عشرة أجهزة كمبيوتر.. والتقى الهنديان ببعضهما في الطريق، فقال أحدهما للآخر: «كفيل مال أنا مجنون، هو كلام روح شوف أنا في بيت وجيب مفتاح، مُخ ما في، اتصال تليفون أحسن سرعة سرعة»، أما الثاني، فرد عليه: «كفيل مال أنا سمسم كفيل أنت، كلام روح اشتري عشرة كمبيوتر بدينارين، ما يعرف اليوم ما في سوق، محل كله سكر سكر».
أعتقد، وربما يعتقد معي الكثير، أن الشعب المصري أكثر شعوب العالم إطلاقًا للنكات، بمناسبة وبغير مناسبة، لكن هذه العادة لم تقف عند الصعيدي، الذي عندما سألوه عن السيفون، فقال إنه اختراع رائع، لكن عيبه في سرعته يا تلحق تشرب أو لا تلحق!! فقد دخلت النكتة الحقل السياسي، فقد كان هناك في حقب ليست بالبعيدة جهاز لحصر النكات السياسية لقياس الحالة السياسية للمواطن، حتى إن كل شيء في حياتنا أصبح هزليًّا، وتفرغت الشعوب الأخرى للإنتاج والعمل، فها هي اليابان التي كان من المفترض في الأربعينيات أنها تسير معها مصر خطوة بخطوة اقتصاديًّا، فأين مصر وأين اليابان؟! والصين بلد المليار نسمة، فلا زيادة في السكان أعاقت تنميتها، بل على العكس، لا يخلو بيت من منتج صيني، والهند باتت من الدول المصنعة للبرمجيات، وباتت دولة عظمى قد تحتل مكانة أميركا، وهي والصين سواء، بل هي من الدول المنافسة، وعضو نووي يحسب له ألف حساب، غير صناعة السيارات، وعن الأفلام الهندية، يصل عدد المترددين على دور السينما في الهند إلى14 مليون شخص يوميًّا، بينما يصل عدد البطاقات المبيعة سنويًّا إلى 4 مليارات بطاقة، وصار الفيلم الهندي يعرض في قنوات أوروبية.
أعتقد أننا لو وقفنا على حالنا لقلنا نحن فعلاً لا نشبه الهندي، ويا ليتنا نشبهه.. قبل أن يفوتنا قطار النمو ونصبح في ذيل القائمة، ويضرب بنا المثل في «التوهان» والتخلف والغباء.. فهل سننتبه؟ وحتى الآن الهندي أفضل، والهندي يكسب.